إحدى القراءات التي أفضلها، حين أريد الابتعاد عما هو سينمائي وخيالي، هي علم النفس. ليس على طريقة يونغ وفرويد اللذين أفرطا في شرح الذات البشرية حين كان من السهولة فهمها في زمن مضى، بل تبعا لما يصول ويجول في هذا العلم اليوم، واستنادا إلى خصال وسلوكيات الإنسان الحديث. المجلة التي تمنحني كثيرا مما أبحث عنه في هذا المجال اسمها «Psychology Today»، شهرية أميركية، تطرح ما هو مفيد وبناء على دراسات مصدرها أبحاث موثوقة وملاحظات في الذات هي إما تؤكد لي بعض مداركي السابقة وإما تضيف إليها ما هو ثمين ومهم. هذا الشهر استمتعت بقراءة موضوع حول الغرور. طبعا كلنا نعرف عن مساوئه وسلبياته، لكن كيف يحول هذا الغرور دون النجاح والتطوّر الذاتي... هذا هو الذي ما زلنا نحتاج إلى البحث فيه. المقال يبدأ بصورة تغني عن ألف كلمة (أكثر أو أقل لا فرق): قطّة صغيرة تنظر في المرآة وترى نفسها أسداً. طبعا القطط والأسود من عائلة واحدة. الأولى صغيرة تآلفت والحياة المدنية والأخرى تعيش في الأدغال كما كانت تعيش منذ الأبد. قطط البيت تأكل من علب الطعام المخصصة لها، والأسود تنقض على فريستها وتأكلها كما هي… على الطبيعة. لكن أن يرى قط آدمي نفسه أسدا، فهذا هو لب الدراسة المنشورة حسب علماء نفس بحثوا وأدركوا تفصيليا كيف يتناقض الغرور والثقة العمياء بالنفس مع مبدأ التقدّم في مجالات الحياة المختلفة خصوصا العمل. اثنان من هؤلاء العلماء أجريا سلسلة من الدراسات حول كيف يعالج الناس مهام محددة، وقسما الأشخاص الذين تناولتهم الدراسات إلى قسمين: قسم يمر بحالة من البحث الفكري، وآخر توقف عن البحث الفكري. وما وجده هذان العالمان أن من اختار التوقف عن البحث الفكري يجمد في مكانه ويتحاشى التحديات. يرتاح على المفهوم الذي كوّنه حول نفسه والآخرين والعالم بأسره. يعيش على ما اقتنع به ولا يحاول سبر غوره حتى للتأكد من أنه على حق فعلاً. هو إنسان قلق يحسب كثيرا نظرة الآخرين له كما لو كانت هذه النظرة تحديا له. يخشى أن ينظر إليه الآخرون من باب التقييم. يسيئون فهم الغايات، ما يجعلهم عدائيين من دون سبب «واضح» يُذكر، لأن الخشية من أن ينظر إليهم الآخر نظرة «لا تليق» تأخذ بهم إلى محاولة الدفاع عن أنفسهم بالقفز إلى الهجوم إما نفسياً، على نحو مستتر، وإما على نحو ظاهر. أما الفريق الثاني، ذلك الذي يواصل البحث فكرياً، فينجز العكس تماماً. تجده أكثر ثقة بنفسه ومقبلا على تعلم أشياء جديدة، مرتاحا أكثر مع ذاته ومع العالم، ومقبلا بلا وجل على التحديات، بالتالي، والاستنتاج ما زال للمجلة المذكورة، أكثر قدرة على تحقيق النجاح، بحيث إذا ما تقدم واحد من كل فريق إلى امتحان وظيفي، فإن الباحث الذي لا ينظر إلى المرآة فيشاهد نفسه أسدا هو الذي يتمتع بفرصة الفوز بالوظيفة حتى وإن كان الآخر يساويه تماما في الكفاءات العملية. عندما قرأت ما سبق، طاف في بالي كثير من الأشخاص الذين تعرفت عليهم والأكثر منهم من تتبدّى خصاله للآخرين من بعيد، وتمنيت لو أن البعض لديه الجرأة على نكش الجوانب النفسية الدفينة داخله وتحليلها، ثم محاولة الخروج منها ما قد يعود عليه وعلى سواه بالسعادة.
مشاركة :