الروائي الجزائري سمير قسيمي، انتقادات لاذعة للمؤسسات والهيئات الإدارية المسيرة للفعل الثقافي والأدبي الجزائري، وعلى رأسها وزارة الثقافة واتحاد الكتاب الجزائريين، نظير استمرار سياسة الانتقائية والاحتكار، وتعمد إقصاء الكفاءات والطاقات المبدعة من واجهة الفعل الثقافي في البلاد، وغموض المعايير المعتمدة في دعم الإنتاج والإبداع. ويذكر في تصريحه لـ “العرب”، أن “وزارة الثقافة تنتهج أساليب غامضة في الإشراف وتسيير الفعل الثقافي والأدبي في البلاد، وإذا كان الإنتاج الإبداعي هو القيمة المطلقة لتحقيق أي نهضة، فإن استمرار الانتقائية واحتكار الرموز القديمة للواجهة والاستحواذ على الريع، جعل المشهد شاحبا، وجهد المبدعين فعلا معزولا، لا يلبث طويلا حتى تتراكم عليه أكوام الغبار والنسيان”. ويستدل قسيمي بهيمنة من أسماهم بـ”الحرس القديم” على كل حدث ثقافي وإبداعي في الجزائر، واختفاء الوزارة الوصية وراء أسماء انتهت عمليا وإبداعيا، بما يعطي الانطباع لدى الرأي العام الداخلي والخارجي، بأن الجزائر عقرت، ولم تعد تنجب أدباء وفنانين وسينمائيين شبابا، بإمكانهم حمل رسالة الإبداع والمساهمة في بناء الإرث الإنساني.إقصاء عدة وجوه أدبية من حضور فعاليات مؤتمر اتحاد الكتاب العرب الفتيل الذي فجر الصراع بين الفاعلين الثقافيين في الجزائر تصريحات قسيمي تزامنت مع إطلاق عدد من الفنانين والممثلين، لرسائل استنجاد من أجل توزيع عادل لأعباء الأزمة، وللدعم المتبقي للفعل الثقافي في البلاد، بعد التهميش الذي طالهم تحت ذريعة التقشف، ووجه البعض منهم تهم المحاباة والمحسوبية في اختيار الوجوه للمساهمة في أعمال تلفزيونية ودرامية مقررة، ومنهم من دخل في تفكير جدي لاتخاذ قرار الاعتزال، أو تغيير الوظيفة حفاظا على لقمة العيش. وبدورها تقرّ ممثلة تلفزيونية ترفض الكشف عن هويتها لـ “العرب”، بأنها تفكر بجد في “الاعتزال وتغيير مصدر رزقها، لأن الفن لم يعد يضمن كرامة الفنان في الجزائر”، فضلا عن توجهها إلى مقاطعة أي عرض يصلها، وتركيز جهودها على خارج البلاد، في ظل الانطباع الإيجابي الذي تركته في عدة أعمال عربية. مسؤولون عن الوضع كما يشير قسيمي إلى فعاليات مؤتمر اتحاد الكتاب العرب، الذي احتضنته ونظمته الجزائر خلال الأسابيع الأخيرة، وعرف إقصاء العديد من الوجوه والأسماء الأدبية الشابة، في حين هيمنت الرموز القديمة على المشهد، رغم خلو الساحة من أي منتوج أو إبداع لها خلال السنوات الأخيرة. ويعبر عما يسميه “عميق الاستياء والإحباط، نتيجة تورط الوزارة في لعبة الانتقائية والاحتكار وسياسة الإقصاء، وهيمنة المحاباة والمحسوبية التي دمرت روح الإبداع والإنتاج الثقافي والإبداعي، فكل من يلف خارج الحلقة المحيطة بالوزير والكوادر الإدارية الفاعلة، يجد نفسه مهمشا مهما كانت كفاءته وطاقته الإبداعية”. ويضيف “لا زال وجه من الزمن القديم يهيمن على الساحة الأدبية، رغم توقفه عن الكتابة منذ سنوات، ولا زال كتاب يسطون على أموال المشروعات المسيلة للعاب، حيث يهيمن أحد كتاب السيناريو على أعمال سينمائية ودرامية تاريخية، لأنهم من محيط وزير الثقافة، بينما يئن الآخرون تحت وطأة الإقصاء والتهميش”. وكان إقصاء عدة وجوه أدبية من حضور فعاليات مؤتمر اتحاد الكتاب العرب، الفتيل الذي فجر الصراع بين الفاعلين الثقافيين في الجزائر، ووجدت أسماء شعرية وروائية -على غرار بوزيد حرز الله، وإبراهيم صديقي، وعبدالعالي مزغيش، وسمير قسيمي، وبشير مفتي- أنفسهم غير معنيين بالفعاليات رغم ما يملكونه من ثقل في المشهد الأدبي الجزائري، الأمر الذي طرح استفهامات عديدة حول دور الوزارة الوصية والاتحاد المحلي في تعزيز المشهد الداخلي، خاصة وأن المسألة تتعلق بحضور نوعي وكثيف من مختلف الاتحادات العربية.سمير قسيمي: في الجزائر تستمر سياسة الانتقائية وإقصاء الطاقات المبدعة يقول الروائي “الحدث أثبت تعنت اتحاد الكتاب ووزارة الثقافة على حد سواء، وتناقض خطاب الرجلين الأولين في الهيئتين عزالدين ميهوبي ويوسف شقرة، فترويجهما في وسائل الإعلام لفسح المجال أمام الفاعلين في الحقل الثقافي والأدبي، يتنافى مع نوعية الحضور الأدبي الجزائري في ندوة اتحاد الكتاب العرب”. ويضيف “شخصيا لا أعتقد أن وضع رشيد بوجدرة، مع احترامي لتاريخه السردي، في الواجهة له أي معنى، غير إفلاس المؤسسة الثقافية الرسمية، وعدم قدرتها على مواجهة حقيقة أن عالم الأدب والفكر والثقافة المحلي قد تغير وتغيرت وجوهه، ولم يعد رشيد بوجدرة مع ما يشهده مساره منذ أكثر من عشرين سنة ممثلا لها”. ويلح قسيمي على أنه ليس ضد هذا الكاتب أو ذاك، بل يرفض فكرة الإقصاء المنظم الذي يمارسه الوزير عزالدين ميهوبي، ضد كل من لا يقبل بخياراته كوزير، حيث “أثبت الواقع أنها كانت خيارات يصعب تفسيرها، على غرار إبقائه على محافظ مهرجان عنابة للسينما المتوسطية المخرج سعيد ولد خليفة في منصبه، رغم الفشل الذي أحاط بالمهرجان، وضبابية ممثلي المشهد الثقافي والفني في الخارج، والإصرار على تمثيلية تلك الوجوه والأصوات للمشهد الجزائري رغم محدوديتها”. وتساءل عن خلفيات استمرار لا شرعية قيادة اتحاد الكتاب الجزائريين، مما حوله إلى هيكل بلا روح، وتهرب رئيسه يوسف شقرة المدعوم من طرف وزير الثقافة، من الامتثال لانتخاب هيئة شرعية جديدة تضطلع بمهمة بعث الروح مجددا في هذا الصرح، الذي كان إلى سنوات مضت قلعة من قلاع الإبداع الفني والأدبي. وكانت وزارة الثقافة الجزائرية قد أعلنت خلال الأسابيع الماضية عن تقليص موازنة الفعاليات الثقافية والفنية تماشيا مع توجيهات الحكومة، للتكيف مع ظروف الأزمة الاقتصادية، وقررت إعادة النظر في أجندة مختلف المهرجانات والأسابيع الثقافية وفي موازنات الموسم، الأمر الذي قلص من عروض العمل لدى الفنانين وأحالهم على بطالة مبكرة.
مشاركة :