بينما يمكن للتاريخ أن يعيد نفسه، فإن ضربة كروية صنعت التاريخ نادراً ما تكرر. فلا يحتاج المهاجم لمجرّد الموهبة والرؤية، ولكن كذلك رباطة الجأش وبعض الحظ إن أراد أن يقوم بإنجاز يخلّده التاريخ. هذا تماماً ما هو عليه الأمر بالنسبة لمهاجم منتخب فييتنام تحت 20 سنة تران ثانه الذي حقق هدف الفوز أمام منتخب البحرين المستضيف في نسخة العام الماضي من كأس الأمم الآسيوية تحت 19 سنة والذي اقتنصت بلاده بفضله تذكرة التأهل للمرة الأولى إلى منافسات كأس العالم تحت 20 سنة FIFA 2017. كان ذلك في مباراة ربع النهائي الحاسمة، والتي يضمن الفائز فيها بالتأهل لتمثيل آسيا في البطولة العالمية. ضَغَطَ الخصم بقوّة وكاد أن يكسر رتابة التعادل السلبي. إلا أن المنتخب الفييتنامي، واجه ذلك ببسالة وتمكن من افتتاح سجل التهديف بطريقة درامية. فقد تحصّل لاعب خط الوسط "هو مينه دي" على الكرة من ضربة حرة بعيدة المدى، إلا أن تسديدته افتقرت للدقة. لكن بينما بدا أن المستديرة الساحرة تحيد عن المرمى، أعاد تران ثانه توجيهها فوق الحارس إلى داخل الشباك بنقرة واحدة. وقد كانت أناقة الهدف، وأهميته، كبيرة لدرجة أن مشاعر الإثارة كانت لا تزال حاضرة عندما تحدّث عن ذلك الهدف مع موقع FIFA.com. وقال اللاعب المراهق: "كان هدفاً استثنائياً، كنا على دراية أنها ستكون مباراة حاسمة، ولذلك تعهّدتُ على نفسي بمحاولة تسجيل هدف. ثم أتت الفرصة. تحصّلنا على ضرة حرة، وعقب عدة لمسات، كنتُ متواجداً لكي أسدد الكرة إلى المرمى, كانت لحظة تاريخية". وأردف قائلاً: "كان أكثر من مجرّد هدف. بالنسبة لي فتح (ذلك الهدف) صفحة جديدة في مسيرتي. بطبيعة الحال، كان الأمر بمثابة تتويج للجهود، ليس فقط لي، بل للمنتخب برمته. فقد نجحنا بفضله من العبور لكأس العالم. وحتى اليوم، لا يسعني التعبير عما أشعر به حيال الأمر لأنه يعني لي الكثير". تصفيات تاريخية يمكن تفهّم مشاعر ثانه الجياشة بالنظر إلى حجم الإنجاز. وفي الحقيقة كانت تلك إحدى أكبر المفاجآت في تاريخ بطولة آسيا تحت 19 سنة. فقد نجح منتخب فييتنام المغمور بشقّ طريقه بشكل مفاجئ إلى المربع الذهبي وحجز تذكرة العبور إلى كوريا الجنوبية 2017. وتحت إمرة المدرب "هوانج أنه توام"، نجح ثانه في افتتاح مشوار البطولة القارية بمفاجأة من العيار الثقيل عندما تغلب على كوريا الشمالية ـ الفائزة بلقب آسيا ثلاث مرات ـ بنتيجة هدفين لهدف. ثم حقق تعادلاً هاماً أمام الإمارات العربية المتحدة، قبل أن ينجح بفرض تعادل سلبيّ بطعم الفوز على منتخب العراق صاحب الترشيحات القوية في البطولة. وبذلك، بلغ منتخب فييتنام أدوار خروج المغلوب. وعن تلك المشاركة في البطولة القارية، قال ثانه: "خضنا مشاركة ناجحة. أولاً، يعود الفضل في النجاح لجهود مدربنا، فقد خصص وقتاً مطوّلاً لدراسة الخصوم، وخرج بخطط مناسبة للمباريات. اتّبعنا تعليماته وطبّقنا الاستراتيجيات. بمعزل عن موضوع الانضباط، ساهم روح الفريق القتالية والجماعية في تطورّنا". من هذا المنطلق، تحوّلت التصفيات القارية إلى فرصة ذهبية لاكتساب الخبرات. فمن خلال التنافس أمام أفضل الفرق الآسيوية، لم يكتفِ اللاعبون بتكوين خبرات في اللعب على المستوى الدولي والاحتكاك بألمع نجوم القارة الشباب، ولكنهم استقوا الدروس كذلك. وهو ما قال عنه: "هذه هي البطولة الأهم في آسيا لهذه الفئة العمرية، وقد اكتشفنا أننا نفتقر للكثير في العديد من المجالات. يتعيّن علينا تحسين تقنياتنا، والأهم أن ترفع مستوى قدرتنا على التحمّل. يتوجّب أن نحافظ على تركيزنا طوال دقائق المباراة التسعين". استدعاء لكأس العالم وُلد ثانه لأب شغوف بكرة القدم، وهو ما شكّل دافعاً لخوض عوالم المستديرة الساحرة منذ صغر سنّه. فعندما كان في الثالثة عشر من العمر فقط، انضمّ لصفوف نادي "هيو إف سي" وظهر منذ ذلك في التشكيلة الأساسي لهذا الفريق الذي يخوض غمار دوري الدرجة الثانية. وطوال فترة تطوّره الكروي، استقى هذا اللاعب الشاب الموهوب إلهامه من كوكبة من النجوم العالميين، يأتي في طليعتهم مثله الأعلى فيرناندو توريس. وقال عن ذلك: "يروق لي لاعبون مثل نيمار ورونالدو. إلا أن توريس هو لاعبي المفضّل. حتى أني استخدم اسم توريس لنفسي في حسابي على موقع فيسبوك. فهو يتمتّع بتوازن جسدي جيد ويحظى بسرعة ممتازة. إنه مهاجم يتمنى كل مدرب أن يضمّه لصفوفه". يملك ثانه الآن فرصة مواجهة أفضل مواهب العالم الشابة في كأس العالم تحت 20 سنة. وستكون فرنسا وهندوراس ونيوزيلندا هي العقبات التي يتوجّب على فييتنام تجاوزها في حال أرادت نقل نجاحاتها من المستوى القاري إلى العالمي. ورغم صعوبة المهمة التي تنتظر ثانه، إلا أنه يبدو متفائلاً: "في كل بطولة أشارك بها، أضع لنفسي هدفاً كبيراً. إن أراد المرء الفوز في المباريات، فإن عليه أن يمتلك ذهنية الفوز. كأس العالم تحت 20 سنة يمثّل البطولة الأهم على الإطلاق بالنسبة لنا، وسأقوم بكل ما في وسعي لأجعل مشجعينا فخورين".
مشاركة :