تكتسب الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري للقاهرة دلالات بارزة في الشكل والمضمون والتوقيت، وهو ما عكستْه طبيعة الاجتماعات التي عقدها بدءاً من اللقاء مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي.ورغم أن العنوان الرئيسي لزيارة الحريري، وهي المحطة الخارجية الأولى له منذ عودته الى رئاسة الحكومة، هو ترؤس الجانب اللبناني في اجتماع اللجنة العليا المشتركة اللبنانية - المصرية بعد نحو 7 أعوام من آخر اجتماع لها في بيروت، إلا ان المحادثات التي أجراها، سيما مع السيسي امس، في قصر الاتحادية قبل ان يزور كلاً من شيخ الأزهر أحمد محمد الطيب، وبابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقصية البابا تواضرس الثاني، انطوتْ على أهمية كبرى، خاصة أنها أتتْ قبل موعديْن بارزيْن:* الأول، القمة العربية في عمّان التي ستقارب الأزمة السورية وتداعياتها على لبنان، سيما على صعيد ملف النازحين، إلى جانب الملفات الساخنة في المنطقة.* الثاني، الزيارة التي سيقوم بها الرئيس المصري لواشنطن للقاء نظيره الأميركي دونالد ترامب بداية أبريل المقبل.وكانت بارزة المواقف التي أطلقها الحريري بعد المحادثات مع السيسي التي تناولت في حضور رئيس الحكومة المصرية شريف إسماعيل، آخر المستجدات العربية، سيما الأزمة السورية، والعلاقات الثنائية وسبل تقويتها وتطويرها في مختلف المجالات، قبل ان يُعقد اجتماع موسّع ضم الوفد اللبناني الكبير المؤلّف من 9 وزراء.وفي هذا السياق، طمأن رئيس الوزراء اللبناني «المشككين في علاقتي مع المملكة العربية السعودية» الى أنهم «سيرونني قريباً في المملكة والعلاقة معها ممتازة»، معلناً «غداً (اليوم) سأعود الى بيروت وسنناقش قانون الانتخاب بكل ايجابية وسيظهر القانون على الشعب قريباً».وفي حين كشف انه بحث مع السيسي في «اللهجة الإسرائيلية المتصاعدة في تهديد لبنان»، لافتاً الى ان الرئيس المصري بدوره «سيجري اتصالاته في هذا الشأن»، أكد رداً على سؤال حول إمكان لقائه الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله اننا في مرحلة بناء العلاقة (مع حزب الله) «وفي الحكومة الأمور جيدة جداً مع كل الأطراف، ونبني على الايجابيات، ولنترك الأمور للنتائج، وفي مراحل معينة حين كان الكلّ ضد الحوار مع «حزب الله» كنتُ مصراً عليه لان فيه مصلحة للبنان،... وكل شي بوقته حلو».كما حسم الحريري من القاهرة أمر مشاركته في القمة العربية ضمن الوفد الرسمي اللبناني الذي سيترأسه الرئيس ميشال عون، إذ قال «سأذهب والرئيس عون بموقف موحّد الى القمة العربية وستكون هناك كلمة للرئيس عون إن شاء الله تمثّل لبنان وطموحات كل اللبنانيين»، سائلاً «لماذا تستبقون الأمور وتصوروننا كأن العالم في مواجهتنا؟ العلاقة بيننا وبين العرب جيدة، الحمدلله الرئيس عون زار دول الخليج والعلاقة باتت أفضل بكثير (...) لنهدأ قليلا وسترون أن الأمور ستكون بخير».وحمَل كلام رئيس الحكومة في ما خص قمة عمّان إشارة مهمة عكستْ اطمئناناً الى ان الكلمة التي سيلقيها عون يفترض أن تصوّب موقفه من «حزب الله» الذي كان أطلقه على هامش زيارته لمصر الشهر الماضي ووفّر فيه غطاء شرعياً من أعلى مرجعية دستورية لسلاح الحزب، وهو ما أحدث «نقزة» لدى دولٍ خليجية عدة وما يشبه «الازمة الصامتة» معها، خصوصاً ان نصر الله استخدم «غطاء» الرئيس اللبناني ليجدد الهجوم على السعودية ويوسّعه ليطول الامارات العربية المتحدة بالاسم، واضعاً على المحكّ كل الايجابيات التي حقّقها عون من خلال زيارته للرياض في يناير الماضي.ويتمّ التعاطي مع مشاركة الحريري في الوفد الرسمي على أنها في إطار الرغبة في إحداث «توازن» يحتاج اليه لبنان لتفادي اي انزلاقاتٍ الى «المحظور» في العلاقات مع دول الخليج، رغم ان البعض كان يعبّرعن خشية من ان تكون لأي مشاركة من الحريري تبعات عليه بحال لم يكن الموقف الذي سيعبّر عنه عون كافياً لتنقية الأجواء مع البلدان الخليجية او جاء ليعمّق «أزمة الثقة» المستعادة.
مشاركة :