«تهافت».. نفوس ممزقة بين الخير والشر

  • 3/23/2017
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

الشارقة: محمد ولد محمد سالم أجاد الممثلان محمد جمعة وجمعان الرويعي دوريهما من ناحية الأداء الحركي والصوتي والجسدي، وبلغة عربية فصيحة سليمة، ترتقي في بعض الأحيان إلى حد الشاعرية، وكانا جميلين في تنقلهما بين انفعالات متعددة، من حزن وفرح وتأمل وخوف ورعب وعنف وبراءة، وفي تناقضهما، وخصامهما، وعراكهما، وفي توحدهما وائتلافهما، وحبهما وعداوتهما، وقد شكلت تلك الحالات وحدها بؤرة توتر عميقة، ولحظات مضيئة فيها، في العرض المسرحي «تهافت» الذي قُدّم مساء أمس الأول على خشبة معهد الشارقة للفنون المسرحية مسرحية، وهو من تأليف وإخراج علي جمال، لمسرح خورفكان للفنون، ويعرض خارج المسابقة خلال الدورة السابعة والعشرين من أيام الشارقة المسرحية السابعة والعشرين.تقدم المسرحية حكاية توأمين ملتصقين عاشا إلى عمر الخمسين وهما يحلمان بامتلاك النقود لإجراء عملية فصل لجسميهما، وقد عملا أولاً حمالين، ثم تحولا إلى حفاري قبور سريين، يقدمان خدمتهما تحت جنح الظلام لأصحاب السلطة في المدينة، الذين يوكلون إليهم مهمة دفن القتلى الذين يعدمون بتهمة الخيانة سرّا، وعندما كانا يتهيآن لدفن الجثة الأخيرة التي سيتسلّمان بعدها مبلغاً كبيراً يمكنهما من إجراء عملية الانفصال، اكتشفا أن الجثة حية، ووجدا نفسيهما في مأزق، فالجثة لرجل تعتبره السلطة خائناً، وإذا بقي حياً، وعلمت السلطات بأمره، فلن يحرما من المال الذي حلما به فقط، بل سوف يعتبران خائنين، وسيعدمان.يتجادل التوأمان، ويتصارعان حول القرار الذي ينبغي أن يتخذاه، فأحدهما يريد أن يكمل المهمة بقتل الرجل ووضعه في القبر، لكي يفوز بالمال، والآخر مرعوب من الفكرة، ولا يريد أن يقدم على ذلك الفعل الشنيع، وبعد جدال وعراك ينصاع الطيب لرغبة القاتل، ويساعده في قتل الرجل، وبعد قتله يتملكهما الندم، والرعب مما قاما به، وتتملك البريء رغبة جامحة في رؤية وجه الميت، وينزع قماش الكفن عن وجهه، ليريا وجهاً ليس بالغريب عليهما، ويحاولان تذكّره، هل هو الخباز أو الحانوتي أو إمام المسجد، إنه وجه طيب يعرفانه من قبل، فيزداد جزعهما.في تلك اللحظة، يدخل المقبرة ثلاثة رجال يحملون جثثاً، ويرمونها هناك، ويتحدثون عن كثرة القتل، وكثرة التهم بالخيانة، وعن ضرورة أن يسرعوا لكي يجنوا أكثر حصة من الأجر، ويتحدث أحدهم بأن «السيد» أيضاً قتل بتهمة الخيانة، حيث تآمر عليه أتباعه، وعندما ينسحب الرجال الثلاثة من المكان، يقوم التوأمان من مخبئهما، وقد تملكهما العجب، ويعودان إلى فحص الجثة، ليكتشفا أن ذلك الشخص الذي قتلاه هو «السيد» الذي تحدث عنه الرجال، وهو السيد الذي كانت تأتمر المدينة بأمره، وكانا التوأمان نفساهما، يحبانه ويتلقيان أوامره دون أن يرياه، ويبدآن في دورة من البكاء والتوسل إليه أن يغفر لهما خطيئتهما، ثم يقرران أنه لم يمت، ولكن روحه صعدت، وستعود إليه في الصباح ليسطع نوره، لذلك قررا أن يرفعاه عالياً لكي يشع نوره على الكون، فصعدا به إلى شجرة، ونصبا جثته عليها، في هيئة رجل جالس، وبدآ يطلبان منه أن يعفو عنهما، ويغفر لهما ما اقترفاه في حقه.يغضب الرجل الطيب من أخيه الذي دفعه للقتل، ويشتد حنقه عليه، ويريد أن ينتقم ل «السيد» منه، ويتصارعان ثم يسقطان ميتين، ويدخل المكان حمالون جدد بأعداد هائلة من الجثث، يكومونها، بعضها فوق بعض، ويكتشفون جثة «السيد» في علوها، وقد سطع منها النور، فيحدقون فيها مندهشين، وتنتهي المسرحية على ذلك المشهد.من الناحية السينوغرافية لا يبدو كسر البعد الرابع بدخول الممثليْن باب القاعة العلوي يحملان الجثة ومرورهما عبر صفوف المشاهدين، ذا قيمة بنائية وجمالية كبيرة في العرض، فإشراك الجمهور يكون في شيء حيوي وتفاعلي، يحتاج إلى مشهد الحشود والمجتمع.من الناحية الدرامية، فإن العرض بدأ بإيقاع جميل وجاذب واستمر في التصاعد مع مشهد التوأمين، والجثة، وحلمهما بالخلاص القريب، واستمر ذلك التصاعد باكتشاف أن صاحبها حي، ثم قتله، ثم كشف وجهه، واكتشاف أنه رجل بريء، ثم اكتشاف أنه السيد الملهم الذي يعلّم الناس الخير، وعند هذه الذروة كان يمكن للأحداث أن تسير في اتجاه طبيعي، تتأكد معه خسارة الرجلين المضاعفة، بسبب الطمع الذي أوقعهما في تلك الجريمة الشنيعة، وأن يؤدي بهما ذلك إلى نهاية في هذا السياق، فيكون ذلك عرضاً مسرحياً رائعاً، لكن المخرج اختار طريقاً آخر أربك الأحداث، وأوقعها في متاهة فكرية ودينية، لم تكن مقدماتها تؤدي إليها، فحوّل القضية من التركيز على التوأمين ومأساة الجشع البشري، إلى التركيز على الميت «السيد» الغامض الذي أحبه كل الناس ومات خائناً أو مخوناً، ولو أن ذلك «السيد» اتضحت أسباب حب الناس له، وانصياعهم لأوامره، لأمكن للمتفرج أن يتخذ موقفاً من الأحداث، ويصل إلى رؤية معينة، لكنّ الأمور بقيت غامضة، مربكة.

مشاركة :