حوار: بكر المحاسنة عشق التراث يعد ارتباطاً شديداً بالهوية، كما أنه تعلق بالماضي الجميل، وحنين إلى صورة حياة الآباء والأجداد، وهو ما يدفع بعدد من المواطنين، ومنهم عبد الله راشد بن لقيوس الشحي، إلى إنشاء متاحف خاصة للتراث، ليصنع منها لحظة عابرة في فضاءات الثقافة والإنسانية، ترسم ملامح تاريخ تتناقله الأجيال دعماً للتمسك بالعادات والتقاليد، ولا يخفي الشحي أسعد لحظاته حين تزور متحفه إحدى المدارس، ويرى الطلبة القطع والأدوات التراثية، ويسألون باهتمام وحماس عن أسرارها وتفاصيلها، ويكتشفون ماضي السلف وأشكال الحياة قديماً قبل ظهور مستجدات العصر؛ حيث يتضمن المتحف التراثي الذي تمت إقامته في استراحة «عين خت» السياحية برأس الخيمة مقتنيات تاريخية نادرة يتجاوز عمرها 250 سنة، وترصد «الخليج» رحلة البحث عنها وجمعها في هذا الحوار.يعترف عبد الله الشحي، أن كيفية الحصول على تلك المقتنيات الأثرية التاريخية والنادرة لم تكن سهلة، فشغفه وبحثه المستمر في عالم التراث دفعه بشدة لجمعها وشراء بعضها، ويضيف قائلاً: «بعضها ورثتها عن والدي من منزله القديم في جبال رأس الخيمة، واشتريت بنفسي بعضها الآخر، وأهداني بعضها الآخر الأصدقاء، وحرصت خلال أعوام طويلة على الاعتناء بها وحفظها، فهي تمثل لي تاريخاً غير محدود عبر السنين، ووصل عدد تلك القطع الأثرية إلى ما يزيد على 3 آلاف قطعة نادرة، وأكثرها مقتنيات أهل الجبال في الدولة خاصة المناطق الجبلية برأس الخيمة والفجيرة».وعن المتحف، الذي يبرز معاناة الآباء والأجداد بالماضي من شظف الحياة وصعوبتها، يقول الشحي: «بدأت جمع القطع التراثية بمختلف أصنافها وأشكالها منذ 30 عاماً تقريباً، وأشعر بسعادة غامرة وأنا أرى حلمي اليوم قد تجسد على أرض الواقع، بإنشاء متحف يحتوي ما جمعته، ليزوره الذين يحبون التراث وعشاق الماضي الجميل والشباب، وليطلعوا على معالم هويتهم الوطنية وتراثهم الأصيل»، ويضيف: «أنشأت هذا المتحف بنفسي، وأشرفت عليه، وتحملت تكلفته، واستغرق إنجازه عاماً ونصف العام، لترتيب محتوياته، وعمل الديكور، والتخطيط لتوسعته في المستقبل، خصوصاً أن هناك نية لضم المزيد من القطع الأثرية التي ترجع إلى عدة دول جغرافياً، بينها عُمان والبحرين وسوريا والهند».وحول تفاصيل القطع الأثرية، يتوقف الشحي بالشرح والتوضيح فيقول: «في المتحف الأسلحة القديمة منها البنادق التي استخدمها أهالي الجبال في الحروب والدفاع عن النفس وفي القنص«الصيد»، وكذلك السيوف النحاسية والحديدية والخناجر الفضية والنحاسية، كما يضم العديد من الطبول والأدوات الموسيقية، والفخاريات التاريخية والأواني التي استخدمها الآباء في كافة مجالات الحياة قديماً، وأكسسوارات النساء الفضية والنحاسية وأدوات الخياطة، والمشغولات اليدوية المصنوعة من القش وسعف النخيل، إضافة إلى أدوات طحن الحبوب والطاحونة بأحجام متعددة، وعملات ورقية ونقدية تعود إلى عام 1940،إلى جانب وثائق ورسائل وصور وراديو وأسطوانات موسيقية». ويستطرد: «يضم المتحف كذلك العديد من الأدوات الزراعية التي استخدمها الأهالي قديماً في زراعة الحبوب وإعداد الوعوب الجبلية، وأدوات حصد ودرس نباتات القمح والشعير، وأيضاً هناك الأبواب الخشبية والحديدية، والأقفال التي استخدمها أهالي الجبال، وأخشاب للأعمال الزراعية، وخشبة السجن المختصة بتقييد السجناء، كما يضم طلقات المدفع بأنواع مختلفة وملابس قديمة في المناسبات والأحذية المصنوعة من الليف وسعف النخيل، إضافة للعديد من الصدفات الحجرية ذات أشكال مختلفة التي يتجاوز عمرها 65 مليون سنة حسب رأي أحد الزوار الأجانب المختصين في علم الجيولوجيا».ويؤكد الشحي في ختام حديثه أهمية التراث الحضاري، قائلاً: «هذا الموروث يتعاظم في نفوس الذين أخذوا على أنفسهم جمع التراث وتوثيقه ليكون شامخاً أمام الأجيال في المستقبل في صورته الحقيقية؛ حيث إن أهمية هذا التراث تعكس مدى تقدم المجتمعات ورقيها، فكما يقولون حركة التاريخ لا تتوقف وصورة الحاضر دائماً ترتبط بصورة الماضي».
مشاركة :