النسخة: الورقية - سعودي دخل الأب مع طفلته إلى طبيب العيون الأوروبي لعلاج التهاب واحمرار بسيطين، ولأن طفلته كانت خائفة نسبياً، وجدها سانحة أن يخبر الطبيب بأن يحذرها من كثرة مطالعة جهاز الحاسب اللوحي «الآيباد» لأن ذلك قد يتطور إلى أن يضطر لـ «يطزها إبرة»، تبسمت المترجمة، وزم الطبيب شفتيه، وأخبراه بأن هذا مطلب كل الآباء والأمهات الذين يأتون بأطفال لديهم مشكلات أو عوارض لا علاقة لها بهذه الأجهزة. كلنا، أو معظمنا ذاك الرجل، مشفق على صغاره من هذه الأجهزة، الأجهزة التي جلبها في المقام الأول إشفاقاً عليهم من الحرمان، أو التخلف عن ركب التقنية، أو أملاً بأن تكون ذهنيتهم مستعدة للمقبل من تطورات يراها سريعة ومتعاقبة. اللقطة التي ربما تتكرر يومياً أمام ناظر الطبيبات والأطباء لآباء وأمهات يلجأون إليهم كمسكّن موقت يحذّر أو يخوف الأطفال من أي عادة يرونها مضرة، والمشهد في خلفيته الاجتماعية التربوية مؤلم، لأنه يحكي واقع انفراط العقد التربوي نتيجة ضعف القدرات الاتصالية التربوية للآباء، ونتيجة ارتفاع مستويات الذكاء وارتفاع سقف الطلبات للأطفال، ووصولنا مع الديموقراطية ومحاولة التحضر إلى منطقة لم نستطع أن نكون فيها بقوة شخصية آبائنا وأمهاتنا، ولسنا بالعملية والواقعية التي نراها عند شعوب سبقتنا في التجربة الحضارية. جزء مهم من المشكلة حالة الضعف والارتخاء الداخلية في الوالدين، إحساسهما الباطن بالعجز والتقصير، تفريطهما في أوقات ثمينة ذهبية تحتاجها إقامة العرف التربوي في المنزل، ومد جسور احترام محب، أو حب باحترام بينهما وبين أطفالهما، لماذا؟ لأنهما مشغولان إلى درجة غبية، هما أيضاً يطالعان أجهزتهما الذكية طوال الوقت، وهما أيضاً يبرمجان قنوات فضائية للأطفال أكثر من الحاجة، يضعان تلفزيونات تعرض أفلاماً للأطفال في السيارات، يشيعان مساحة شاسعة من الصمت، ثم يتوقعان طاعة عمياء مثل تلك التي كنا نقوم بها للأب أو الأم بنظرة منهما، وليس بتكرار الجمل والمحاولات. في هذه الأيام، وما سيلي من أيام، ينبغي لمن يروم صناعة جسر تربوي فعّال مع أبنائه في مراحل النمو التي تستدعي تربية دقيقة أن يبدأ بتأمل كم من الوقت يقضيه في الحديث واللعب معهم، وفي اصطحابهم اليومي داخل المنزل أو خارجه إلى جناتهم الذهنية الفطرية، اللعب، والحلوى، اللعب معكم أيها الآباء والأمهات، وليس بأحدث برنامج في الفضاء الإلكتروني. هناك منطقة تماس مربكة للكثير من الأهل بين منطقتي العطاء المادي الذي يكون أحياناً من سبيل تعويض الغياب والتقصير، والعطاء المعنوي، ذلك الذي يبني علاقة تجعل أمراً مثل «صلِّ يا حبيبي» أو «قفلي الآيباد يا حبيبتي» يكون بمثابة رسالة حب يمكنني أن اسميها صارمة، لكنها تخرج من قلب إلى آخر، فلا تعود تحتاج طبيباً أو طبيبة يحذرانهم موقتاً من أي عادة سيئة. الوقت مع الأطفال ليس حضوراً جسدياً تحت سقف واحد لمنزل أو سيارة، إنه ارتواء لعطش دائم. الحنان فطرة إنسانية قد تحتاج ممارستها أحياناً إلى جَلَدٍ ودربة. mohamdalyami@
مشاركة :