عندما تغيّر وسائل الإعلام «قناعات» الرأي العام!

  • 4/30/2014
  • 00:00
  • 18
  • 0
  • 0
news-picture

أعادت الانتخابات السياسية الأخيرة للحزب الحاكم في مقاطعة كيبيك (الفرنسية) في كندا إلى الأذهان فكرة أن الصحافة هي «صاحبة الجلالة»، وربما «السلطة الرابعة» التي يمكنها أن تغير أو تساهم في تغيير مجرى التاريخ. هذا الدور للإعلام الكندي، الذي يُعرَف بأخلاقياته العالية، لم يبرز فقط في إطار المحاسبة في الأداء السياسي والاقتصادي، وإنما أيضاً من باب عرض الوقائع والحقائق في شكل دقيق، ما يمكن المواطن الكندي الكيبيكي البسيط والمثقف من صنع قرارات انتخابية حاسمة قد تكون لها تداعيات لاحقة في مستقبل مقاطعته. هذه القرارات الانتخابية كان يمكنها أن تؤدي، في نهاية المطاف، إلى انتخاب حزب متشدد بوطنيته ويدرج «فكرة الانفصال» في شكل غير مباشر على برنامجه السياسي، وذلك كخطوة أولى لفصل مقاطعة كيبيك عن كندا... لتصبح كياناً دولياً قائماً في ذاته. والجانب المهم الآخر لبرنامج الحزب الحاكم («الحزب الكيبيكي» Parti Québécois) هو «ميثاق كيبيك للقيم» الذي كان سيقدم كمشروع قانون يهدف إلى الحفاظ على القيم العلمانية للمجتمع. ولكن الجزء الذي أثار الجدل فيه، كان البند الذي يمنع موظفي الحكومة من ارتداء المظاهر الدينية في أماكن العمل. ولكن غالبية الجاليات المهاجرة، ومنها المسلمة، وقفت بشدة ضد هذا البرنامج، ما زجّ بها في أتون صراع انتخابي على السلطة، وفي إطار مواضيع سياسية حساسة تتعلق بتاريخ كيبيك والإحساس العميق لدى بعض سكانها، خصوصاً الكبار منهم، بأنه شعب غالبية ثقافته فرنسية وعانى العنصرية من السكان الإنكليز ولديه خصائص تؤهله ليكون دولة قائمة في ذاتها. ويرى إعلاميون ومتخصصون أن الإعلام لعب دوراً كبيراً في تغيير اتجاهات الرأي العام، من تأييد كبير لـ»حزب كيبيك»... إلى خسارة مروعة له هي الأسوأ منذ أربعة عقود لهذا الحزب. وراح بعض هؤلاء يتنبأ بأنها بداية النهاية للحزب الذي لطالما حصل على تأييد كبير لمشاعره و أفكاره الوطنية الرومانسية. فبعدما حصدت زعيمة «حزب كيبيك» بولين ماروا غالبية ساحقة من المؤيدين في استطلاعات الرأي الأولية، بناءً على مشروع ميثاق القيم الذي طرحته ولقي شعبية كبيرة في البداية، تراجع موقعها... إلى درجة انها خسرت مقعدها في المجلس الوطني (البرلمان) لمقاطعة كيبيك. وجاءت النتيجة بعدما بدأ الإعلام الذي تطغى عليه صفة العلمانية والدفاع عن حقوق الإنسان التدقيق في فكرة الانفصال عن كندا ومدى جديتها، وكذلك في بنود «ميثاق كيبيك للقيم» الذي وضعه الحزب. ويرى استيفان جيرو، وهو صحافي كندي - فرنسي تابع الانتخابات بدقة ويعمل مع تلفزيون «سي تي في» الذائع الصيت، أن نقطة بداية الانحدار التي شهدها «حزب كيبيك» - في مواجهة «الحزب الليبرالي» - كانت عندما أقدم رجل الأعمال بيير كارل بيلادو، صاحب أكبر مؤسسة إعلامية باللغة الفرنسية وتؤيد البرنامج الانتخابي لـ»حزب كيبيك»، على رفع يده مؤيداً للحزب وراح يتغنى بفكرة الانفصال عن كندا خلال مؤتمر صحافي مع زعيمة الحزب. «كانت هذه نقطة حساسة جداً، والرأي العام حذر من أخطارها وتوقيتها». ويشرح جيرو أن وسائل الإعلام المضادة كانت بالمرصاد لكشف كل خطأ استراتيجي للطرف الآخر. ويقول: «لم توفر أمبراطورية بيلادو الإعلامية جهداً في إظهار عيوب الأحزاب المنافسة لـ»حزب كيبيك» ونقاط ضعفها. ولعب ذلك كله دوراً مفيداً بالنسبة إلى سكان كيبيك، إذ أعطاهم أكبر قدر من المعلومات عن كل الأحزاب، بأخطائها... ونواياها البعيدة، بل وحتى ميزاتها. وهذا أعطى كمّاً هائلاً من المعلومات التي وصلت إلى المواطنين في المقاطعة، وبالتالي ساعدتهم في أخذ قرار مبنى على قناعات صلبة ومعلومات دقيقة». وما بين مراوغة السياسيين وسيطرة بعضهم على وسائل إعلامية كبيرة وبين سعي كلا الطرفين المتنافسين إلى الفوز بحكم كيبيك، عالجت الصحف المحلية المواضيع المطروحة يومياً في شكل مكثف، من خلال تحاليل إخبارية واستطلاعات رأي، وناقشت برامج الأحزاب وانعكاساتها الاقتصادية والسياسية السلبية في حال انفصلت كيبيك عن كندا. كما نوقشت الانعكاسات الاجتماعية وحال العزلة التي يمكن أن تفرض على الأشخاص الذي يختارون عدم التنازل عن مظاهرهم الدينية في حال طُبِّقت بعض بنود «ميثاق القيم» الذي وضعه الحزب الحاكم. وعلى رغم أن الرأي العام العلماني كان يؤيد بنود الميثاق الذي تضمن نقاطاً إيجابية متنوعة، وكان لديها شعبية كبيرة بين الكنديين وبعض أبناء الجاليات، فإن بعض بنود الميثاق كان يُخشى منها أن تتعارض مع بنود ميثاق حقوق الإنسان الكندي. وهذا ما أثار قلق الجماهير ومنح معارضي الحزب الانفصالي (الحاكم) فرصة لانتقاده بشدة... إلى درجة اتهامه بأنه يتبنى وجهات نظر»غير ودودة» تجاه المهاجرين الذين يشكلون نسبة كبيرة من المجتمع الكندي. تقول الأكاديمية سيلين كوبر، أستاذة العلوم السياسية في جامعة «يورك» الكندية، إن الدور الذي لعبه الإعلام في هذا المجال يكمن في أنه ساعد الناخبين في كيبيك على اتخاذ قرار مبني على معلومات وافية عن الأحزاب المتنافسة. وتشرح أن الإعلام «كان ناشطاً على مدار الساعة، وكان ينقل بشفافية صراخ الشارع والمحللين... ويقدمه للناس من أجل إعلامهم عن القضايا التي تعنيهم وتعني مستقبلهم، وبالتالي أصبح الصحافيون والمحللون جزءاً مهماً من حياة المواطنين الذين اتخذوا قراراتهم بناءً على المعلومات التي في حوزتهم». وتخلص كوبر إلى القول: «عندما تتوافر معلومات صحيحة من مصادر موثوقة، فمن شأن ذلك أن يدفع الرأي العام إلى إعادة النظر في حساباته وخياراته السياسية في شكل جذري... وفعّال». وسائل الإعلام

مشاركة :