اختتم مركز دراسات التشريع الإسلامي والأخلاق، عضو جامعة حمد بن خليفة، مؤتمره الدولي السنوي الخامس تحت عنوان: «أخلاق الصراع والمقاومة: نحو فهم نقدي لمفهوم الجهاد والحرب العادلة»، والذي أقيم بمركز الطلاب بالمدينة التعليمية.وناقش المشاركون في المؤتمر قضية اختلاط المفاهيم، وأخلاق الصراع والمقاومة من خلال عدد من المحاور الرئيسية، وشارك في الجلسات النقاشية والحوارات ما يزيد عن 10 علماء ومفكرين وخبراء دوليين، وأتاح البث المباشر للجلسات عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي المختلفة (فيسبوك وتويتر ويوتيوب وجوجل بلاس) بثلاث لغات رئيسية، الفرصة لمزيد من الجمهور للاطلاع على النقاشات والمشاركة فيها وطرح آرائهم وتعليقاتهم، وأسئلتهم التي حرصت إدارة المؤتمر ورؤساء الندوات على إتاحة توجيهها للمتحدثين بالمؤتمر للإجابة عنها، من أجل توسيع رقعة النقاش. ويأتي المؤتمر انطلاقاً من دور مركز دراسات التشريع الإسلامي والأخلاق، كمؤسسة تسعى إلى الإسهام في تجديد الفكر الإسلامي في مجال الأخلاق، بتقديم قراءة معاصرة تنطلق من القرآن والسنة، وتهتدي بمقاصد الشريعة الإسلامية في تحليل القضايا المعاصرة ومعالجتها. وتناولت الجلسة الافتتاحية أسباب اختيار موضوع المؤتمر لهذه السنة، والتي تتعلق بالصراعات العنيفة في الوقت الحاضر، لا سيما في منطقة الشرق الأوسط، وما يقدمه الناس في العديد من الدوائر-سواء أكانوا أكاديميين أم مهنيين أم طلبة أم عامة الجمهور- من آراء متضاربة وتفسيرات مختلفة لظاهرة الصراع والمقاومة، وتوضيح ما يتعلق بفهمهم للمصطلحات الرئيسية ذات الصلة مثل «الجهاد» و»الحرب العادلة» و»الإرهاب» و»العنف» و»السلام» و»الأخلاق» بشكل غير متماسك، وما يعتريه من إشكاليات. وأكدت الجلسة الافتتاحية أن العنف والصراع والحرب كلها تؤدي إلى كوارث إنسانية وفوضى، تتمثل على وجه الخصوص في القتل الجماعي وتشريد البشر وتدفق اللاجئين والدمار المادي الذي يحل بالمدن والبيئة. تناول محور الجلسة الأولى موضوع «إعادة النظر في مفهوم الجهاد والحرب العادلة»، وناقش فيها المتحدثون القضايا المفاهيمية المتعلقة بالجهاد والحرب العادلة والقضايا النظرية ذات الصلة، وتتبع العلماء المنهج النقدي في دراسة هذه المفاهيم، وتوفير فهم عميق لكيفية منع القضايا السياسية والثقافية والأخلاقية إيجاد تعريفات واضحة لمفاهيم «الجهاد» و»الحرب العادلة» و»الإرهاب»، مع محاولة تحديد المرجعيات التي تحدد ما إذا كان الصراع والحرب أو المقاومة مشروعة، عادلة أو غير عادلة. وتناولت الجلسة الثانية «الوسائل العنيفة وغير العنيفة نحو تحقيق سلام عادل»، والتي ناقشت معنى ونطاق العنف، وتقييم حجج كل من يعتمد الوسائل العنيفة أو غير العنيفة لتحقيق السلام في حالة صراع، وسعى خلالها المتحدثون إلى تحديد ومعرفة ما إذا كان «السلام العادل» يقوم على القيم الأخلاقية العالمية، أم أنها مسألة تخضع للتفاوض والتسوية بين الأطراف المتنازعة. ودارت الجلسة الثالثة حول «آثار الوسائل العنيفة وغير العنيفة والعادلة وغير العادلة في تحقيق السلام»، وخلالها دار النقاش حول عواقب العنف والظلم على السلام. وتم التركيز على معالجة عدة مسائل، منها على سبيل المثال: كيف يتم معالجة القضايا الإنسانية الناتجة عن الصراع والمقاومة، والتي تؤدي إلى النزوح الداخلي وتدفقات اللاجئين. الشنقيطي: يتهمون الإسلام بالإرهاب.. والمسلمون هم الضحايا أوضح الدكتور محمد المختار الشنقيطي للـ»عرب» أن: «ظاهرة العداء للإسلام، والدعاية ضده في الإعلام الغربي والإعلام العالمي بشكل عام، غالباً ما تتلبس بلباس اتهام الإسلام بالعنف، أو تصويره ووصمه بالإرهاب، رغم أن المسلمين ضحايا أكثر من أنهم معتدون. وأضاف: «نحرص على ألا يكون في المؤتمر صوت واحد، وإنما أصوات متعددة لمسلمين وغير مسلمين، وكذلك الأصوات المتعددة داخل الإسلام نفسه ومدارسه المختلفة، حتى تكون هناك رؤية واسعة وشاملة للموضوع من كل الزوايا». وتابع، أردنا أن يكون هذا النقاش لبيان المنظور الإسلامي في مجال الحرب والسلم، والضوابط الأخلاقية والإسلامية التي سنها الإسلام للتعاطي، فالإسلام دين واقعي يعطي الناس حق الدفاع عن أنفسهم وكرامتهم وأوطانهم، ولكن ضمن ضوابط أخلاقية وإنسانية واضحة لا بد من الالتزام بها، مثل: تجنب استهداف المدنين والنساء والأطفال، أو التخريب أو «الإفساد في الأرض» باللغة القرآنية. مضيفاً، نسعى لأنْ تصل هذه الرسالة -خاصة أن المؤتمر يُنقل بثلاث لغات- إلى العالم كله، ويتابعه الآلاف عبر البث المباشر للفعاليات والنقاشات على الإنترنت. وعن دور ومشاركة الشباب في المؤتمر بما يحملونه من أفكار، قال الشنقيطي: «الشباب موجودون معنا كمتابعين للمؤتمر، أو كمعدين له، وهم ضمن شبكة من الشباب داعمة للمركز ونشاطاته والتعريف به، وساعدوا للتخطيط للمؤتمر، فـأصواتهم موجودة فيه، إعداداً ومشاركةً، ولكن الأمة كلها معنية بهذا الموضوع، وتحتاج إلى الوصول إلى مستوى من (الثقة) بالذات، بحيث لا تدفع إلى مجرد نزعة اعتذارية». وأكد على الحاجة إلى تأصيل شرعي، وفهم للواقع، وإلى الانضباط، فالجهاد مثل أي حرب يحتاج إلى رؤية سياسية وأخلاقية واضحة، واعتبار للمآلات والمصالح» رمضان: الجهاد مقاومة.. ويجب التخلي عن خطاب الضحية شدد الدكتور طارق رمضان، أستاذ الدراسات الإسلامية المعاصرة بجامعة أكسفورد ومدير مركز دراسات التشريع الإسلامي والأخلاق والمحاضر الرئيسي بالمؤتمر، على أن الهدف من مثل هذه المؤتمرات هو الوصول إلى تعريفات ومفاهيم بهدف التوصل إلى التزام إيجابي من أجل السلام والحرية والكرامة «بالإضافة لحاجتنا لضبط المفاهيم والمصطلحات، لا بد من فهم عميق للتاريخ وطرح أسئلة حول معاني النصوص في سياقها». وتابع: «الجهاد مقاومة وإصلاح، ولا بد أن نطالب بالسلام، ونصل لفهم أفضل للعدالة والإنصاف، يجب أن نتخلى عن خطاب الضحية». وأضاف: «نحتاج أن نكون قادرين على الحديث لأشخاص من ديانات أخرى وإلى اللادينين، وأن نعمل على جعلهم يشاركوننا النقاش والثقافة. الإشكال الأخلاقي اليوم هو محاولة إسقاط بعض هذه المفاهيم على مفاهيم أخرى مثل مفهوم المقاومة والتحرير والجهاد باعتبارها أداة من أدوات الصراع». الأزهر: تحولات بالمبادئ الديمقراطية والمكاسب الإنسانية أوضح نائب مدير مركز دراسات التشريع الإسلامي والأخلاق، شوقي الأزهر، خلال حديثه مع «العرب»، أن اختيار المؤتمر هذه السنة لقضية الصراع والمقاومة من منظور أخلاقي، كان بهدف إعادة النظر والتدقيق في المفاهيم والمصطلحات «لأن ما نعيشه اليوم خاصة في العقود الأخيرة، والأوضاع الجيوسياسية، أحدثت جدلا كبيرا، وتشكلت مفاهيم عديدة، وكل هذه المفاهيم أصبحت غامضة، وقد تتستر من ورائها دوافع سياسية كثيرة، وحدثت تجاذبات من جهات مختلفة، سياسية ودينية، إلى حد أن أصبحت الأمور غامضة وأصبح هناك من يرفض بعض المفاهيم ذات الطابع الديني أو السياسي، وهناك من يستغلها، وهناك من يحددها بتحديدات معينة. وتابع أن الهدف من المؤتمر إعادة الخوض في هذه المفاهيم لمعرفة مرجعايتها الأخلاقية والدينية، والدوافع السياسية من وراء استخدامها، لأن غرض المركز هو العمل على مستوى المفاهيم من أجل بلورة فكر إسلامي معاصر يخوض في مجالات مختلفة. وتابع «نعتقد أن موضوع المؤتمر جوهري، لأن العالم يمر بمرحلة انتقالية جعلت كل هذه الأحداث المتعلقة بالأوضاع الجيوسياسية والعنف والارهاب، تحدث تحولات كثيرة جدا، ليس فقط على مستوى المفاهيم ولكن أيضا على مستوى المبادئ، كمبادئ الديمقراطية وبعض المكاسب الإنسانية، ولذا فهذا المؤتمر من هذا المنطلق يعد مركزيا، ونحن نريد أن نضيف شيئا للفكر الإنساني، وأعتقد أن هذه خطوة أساسية». وعن أبرز الجهات المشاركة في المؤتمر قال الأزهر: «كمبدأ لدينا في المركز، نحرص دائما في مؤتمراتنا وفعالياتنا على التنويع في المشاركين ما بين علماء الشريعة والمفكرين والمحللين السياسين والفلاسفة، إلى غير ذلك، حتى يكون لدينا في النهاية نقاشا متنوعا». وتابع: نحن نفرق بين ما نسميهم بـ «علماء النص» و «علماء الواقع»، من أجل بلورة فكر إسلامي جديد في ميادين مختلفة من النشاط البشري، ومنها نشاط السياسة، ومن هذا المنطلق وجهنا الدعوة لضيوف المؤتمر، كي تكون لنا وجهة نظر ورؤية أخرى عملية تطبيقية، كما تواجد معنا المتخصصون في اللغة من أجل التأصيل اللغوي للمصطلحات».;
مشاركة :