بات من المألوف في كرة القدم في الوقت الحالي الإطاحة بالمدير الفني من منصبه مع أول تعثر للفريق، ولم يعد مسموحاً لأي مدير فني بأن يأخذ الوقت الكافي للبناء والتعلم من أخطائه السابقة. وإذا انتقل أي مدير فني إلى دولة أخرى وتولى تدريب فريق جديد وحاول التكيُّف مع بيئة العمل الجديدة فسيكون مطلوباً منه الحصول على البطولات والألقاب في غضون ستة أشهر وإلا سيتعرض لانتقادات كبيرة، وهو ما يحدث بالفعل مع المدير الفني لمانشستر سيتي جوسيب غوارديولا والمدير الفني لليفربول يورغن كلوب، اللذين زادت عليهما الضغوط ويواجهان حالة كبيرة من السخط والاستياء. وعندما أقيل ستيف ماكلارين من منصبه مديراً فنياً لنادي ديربي كاونتي الأسبوع قبل الماضي كان هذا يعني أن 25 في المائة من جميع الأندية في الدوريات الإنجليزية قد غيَّرَت مدربيها خلال المائة يوم الماضية. وتبع ذلك إقالة إيتور كارانكا من منصبه مديراً فنياً لميدلسبره، أول من أمس (الخميس). لقد وصل تغيير المديرين الفنيين إلى مستوى سخيف وأدى إلى نتائج عكسية على عدد من المستويات. ولو كان المديرون الفنيون العظماء من أمثال هربرت تشابمان ومات بسبي ودون ريفي وبيل شانكلي وبريان كلوف وأليكس فيرغسون يعملون في الوقت الحالي لأقيلوا من مناصبهم قبل أن يحققوا النجاح المذهل الذي رأيناه. ويجب أن نشير إلى أن تغيير المدربين له عواقب كبيرة من الناحية الاقتصادية ويجعل عملية التعاقد مع اللاعبين على المدى الطويل تتسم بالفوضى. لكن هناك أيضاً بعض التداعيات الخططية والفنية، لأن المدربين يشعرون بأن السيوف مسلطة على رؤوسهم، ولذا لن يقوموا بأي تغييرات خططية تحمل قدراً من المخاطرة أو يفرضوا أسلوب لعب معيناً يستغرق وقتاً حتى يتمكن اللاعبون من إتقانه. وسيجري كل شيء ببساطة كبيرة ولن ينظر أي مدير فني إلى ما هو أبعد من المباراة المقبلة لفريقه. وقد أظهر ليفربول خلال النصف الأول من الموسم الحالي ما يمكن أن يحققه المدير الفني الألماني للفريق يورغن كلوب، لكن الأمر استغرق الكثير من الوقت الموسم الماضي وخلال الصيف حتى يصل الفريق إلى هذه النقطة. ويتعلق الأمر الآن بكيفية الاستفادة من الأخطاء التي وقع فيها الفريق منذ نهاية العام ومحاولة تصحيحها خلال الموسم المقبل، ربما من خلال تدعيم صفوف الفريق أو تقليل الحمل البدني إلى حد ما أو تحسين خط دفاع الفريق ومحاولة إيجاد طريقة لاختراق دفاعات الفرق الأخرى. وتتسم فلسفة غوارديولا بأنها أكثر تعقيدا، إذ إنها تعتمد على الاستحواذ على الكرة طوال الوقت بهدف إرهاق الفرق المنافسة. ولتطبيق هذه الطريقة، يقسم المدير الفني الإسباني ملعب التدريب إلى 20 قسما، بحيث تمتد خطوط منطقتي الجزاء بطول وعرض الملعب بالكامل، كما تمتد الخطوط العمودية على جانبي منطقة الست ياردات لتصل إلى حافة منطقة 18 ياردة. ثم تقسم الأجزاء القريبة من خطوط التماس مرة أخرى بين منطقة 18 ياردة وخط المنتصف. وتكمن الفكرة في كيفية تغيير اللاعبين لأماكنهم داخل الملعب وفقا للمكان الذي توجد فيه الكرة. لكن هذا هو الأساس فقط، إذ يتعين على اللاعبين أيضاً أن يتسموا بالمرونة الشديدة التي تمكنهم من أن يشغلوا المنطقة التي من المفترض أن يشغلها لاعبون آخرون، وهو ما يؤدي إلى مستوى عالٍ للغاية من تبادل المراكز داخل المناطق المهمة مع الاحتفاظ بالشكل الذي يسمح للفريق بتناقل الكرات بسهولة والحفاظ على الصلابة الدفاعية واستخلاص الكرة بأقصى سرعة ممكنة بعد فقدانها والضغط على من استحوذ على الكرة بكل قوة والقيام بهجمة مرتدة في أسرع وقت ممكن. وفي أبسط مستويات تلك الطريقة، فإن الاعتماد على الدفاع من منتصف ملعب الفريق يعني أنه لا يجب أن يكون هناك أكثر من ثلاثة لاعبين في خط أفقي واحد أو أكثر من لاعبين اثنين في خط رأسي واحد: وإذا تحرك لاعب إلى منطقة يصبح عدد اللاعبين فيها أربعة على الخط الأفقي فهذا يعني أن أحد هؤلاء اللاعبين يتعين عليه تغيير مركزه تلقائيا. ويعني هذا ببساطة أن اللاعب الذي يستحوذ على الكرة سيكون أمامه دائما لاعبين أو ثلاثة بجانبه يمكنه التمرير إليهم، وهو ما يسمح بالاستحواذ على الكرة دائما - هذه الفلسفة التي تعتمد على امتلاك الكرة طوال الوقت تجعل لاعبي الفريق قادرين على تسليم وتسلم الكرة بكفاءة كبيرة في مساحات ضيقة - وهذا هو السبب في أننا نرى دائما أن الفرق التي يدربها غوارديولا تستحوذ على الكرة لفترات أكبر كثيرا من الفرق المنافسة لها. وإذا لم يكن الفريق يفكر في استهداف مرمى الخصوم بشكل مباشر، فإن التمرير الكثير يسمح للفريق بالتمركز بالشكل الصحيح داخل الملعب، سواء من أجل شن هجمة أو الاستعداد للضغط السريع والقوي على الفريق المنافس في حال فقدان الكرة. ويقول غوارديولا إن الأمر يستغرق 15 تمريرة حتى يتم التمركز بالشكل المطلوب. ويمكن القول بكلمات أخرى إن هناك علاقة مباشرة بين استراتيجيات اللعب الهجومية والدفاعية. وسأل يوهان كرويف عندما كان غوارديولا يشغل منصب المدير الفني لنادي برشلونة: «هل تعرفون السبب وراء استخلاص برشلونة للكرة بهذه السرعة؟ يعود السبب وراء ذلك إلى أنه لا يتعين على لاعبي برشلونة أن يعودوا إلى الخلف لأكثر من عشرة أمتار لأنهم لا يمررون الكرة إطلاقا لمسافة تزيد على عشرة أمتار». لكن يجب أن نعترف بأن إتقان هذه الطريقة أمر صعب للغاية. وإذا كان من الصعب تنفيذ النقاط الأساسية لهذه الفلسفة من خلال رجوع أحد لاعبي خط الوسط للوقوف بين مدافعي الفريق لزيادة عدد لاعبي الخط الخلفي حتى تكون هناك زيادة عددية في مواجهة مهاجمي الفريق أو التغطية العكسية للمدافعين خلف ظهيري الجنب والعكس، فإن الالتزام بباقي تفاصيل تلك الفلسفة يحتاج إلى قوة ذهنية حاضرة وقوية طوال الوقت، وهو أمر صعب للغاية أيضاً. وفي برشلونة، كان غوارديولا يتعامل مع لاعبين مستعدين لتنفيذ خطته وفلسفته لأنهم خرجوا من أكاديمية «لا ماسيا» للناشئين في برشلونة. وفي بايرن ميونيخ، كان المدير الفني الإسباني يعمل مع لاعبين تشربوا بفلسفة قريبة من لويس فان غال. أما في مانشستر سيتي، فإن غوارديولا قد بدأ من الصفر، وهو ما يعني أن الأمر سيكون أصعب وسيستغرق وقتاً أكبر. ويبدو من المرجح أن مانشستر سيتي سيدعم صفوفه بصفقات قوية خلال الصيف المقبل وسيستغني عن آخرين، لكن الشيء الأهم هو أن يستوعب اللاعبون الموجودون في النادي حاليا فلسفة غوارديولا. ومنذ الهزيمة أمام إيفرتون، ظهرت علامات مبشرة في هذا الاتجاه، وهو ما يفسر حالة الغضب التي انتابت غورديولا بسبب عدم قدرة لاعبيه على القتال بكل قوة خلال شوط المباراة الأول أمام موناكو في مباراة العودة لدور الستة عشر لدوري أبطال أوروبا. وأكد المدير الفني الإسباني على أن تلك الهزيمة لم تكن نتيجة أخطاء فردية أو أخطاء في تطبيق طريقة اللعب، ولكن كانت بسبب الروح السلبية للاعبين داخل الملعب. بالطبع يتحمل غوارديولا مسؤولية ذلك، لكن الخسارة أمام موناكو بهذه الطريقة لا تعني فشل الاستراتيجية التي يسعى غوارديولا لتطبيقها.
مشاركة :