أعدت مجموعة من الباحثين الإسرائيليين والفلسطينيين، ورقتي عمل مشتركتين تتناولان الوضع الاقتصادي في قطاع غزة ومنطقة غور الأردن في الضفة الغربية، توصلوا فيهما إلى أن سياسة الاحتلال الإسرائيلي «تدمر الاقتصاد الفلسطيني»، وحذروا الدول المانحة من أن أموالها «تذهب هباء»، داعين إلى الضغط على إسرائيل لتغيير سياساتها حتى تكون التبرعات مجدية. وأشار الباحثون إلى أن أوضاع الفلسطينيين تتدهور في المنطقتين منذ عام 2000، مع نشوب الانتفاضة الثانية والاجتياح الإسرائيلي للضفة الغربية. ومع أن النقد الأساسي في التقريرين موجه إلى إسرائيل وسياساتها، فإن هناك إشارات أيضاً إلى القيادات الفلسطينية في السلطة وفي إدارة «حماس» لقطاع غزة. وأعدت الدراسة المزدوجة لمصلحة البنك الدولي بمشاركة 11 اقتصادياً فلسطينياً وإسرائيلياً، رسموا خطة لتوسيع النشاط الاقتصادي الفلسطيني في الغور وإنقاذ اقتصاد غزة «قبل أن نصل إلى عام 2020، وقد أصبح المكان غير صالح لسكنى الآدميين». وحرر ورقتي العمل الباحثان الفلسطيني صائب بامية والإسرائيلي آريه أرنون. واستهل السفير الإسرائيلي السابق لدى جنوب أفريقيا إيلان باروخ ندوة عقدت لإعلان الورقتين في نهاية الأسبوع، بهجوم شديد على قيادة بلاده، معتبراً أن «السياسة الإسرائيلية (في المنطقتين) مقصودة لخلق النواقص والتمييز بين الإسرائيليين والفلسطينيين». ودعا المجتمع الدولي إلى أن يكون «مشاركاً وليس متبرعاً». ورأى أن واجب الدول الكبرى «ممارسة ضغوط على الحكومة الإسرائيلية حتى تغير سياستها، وإدراك أن أموال دافعي الضرائب استخدمت لتكريس الوضع الراهن والدفع نحو التدهور. هذا يجب أن يتغير». وتقول الدراسة التي تضم التقريرين، إن «نحو مليوني فلسطيني مكدسون في قطاع غزة البالغة مساحته 365 كيلومتراً مربعاً. وفي غور الأردن يعيش نحو 65 ألف فلسطيني (ونحو 10 آلاف مستوطن إسرائيلي) في مساحة نحو 1600 كيلومتر مربع. ونظرياً، تسمح اتفاقات أوسلو لكثير من سكان القطاع بالانتقال إلى الغور للعمل في الزراعة، حتى إن كان موسمياً، وفي البناء وفي تطوير البنى التحتية وفي السياحة وفي الصناعة. لكن عملياً تسهم المنطقتان على نحو خاص في تدهور الاقتصاد الفلسطيني بأسره». وأضافت: «يكمن السبب الأساسي لتدهور هاتين المنطقتين في القيود التعسفية التي تفرضها إسرائيل على الحركة، وقدرة الوصول إلى الموارد والإمكانيات التجارية والبناء والفلاحة والتنمية». واقترحت لحل الأزمة خطوات حيوية وحتمية عدة، بينها السماح بحركة منتظمة للأشخاص وبقوافل الشاحنات التي تسافر مباشرة من القطاع إلى الضفة، وإعادة فتح المطار في غزة، وضخ المياه والكهرباء بكميات تناسب الحاجة، وتقليص قائمة المواد ذات الاستخدام المزدوج، وإعمار مرسى الصيادين وبناء ميناء، والسماح للفلسطينيين بفلاحة 40 ألف دونم أخرى في غور الأردن، وتطوير السياحة فيه. ويقول أرنون إنه على رغم أن هذه الاقتراحات تبدو شيئاً شبه مستحيل في إسرائيل، فإنه يعرف أن «قادة أجهزة الجيش والأمن الإسرائيليين المسؤولين اليوم، يفهمون المخاطر الأمنية للتدهور الاقتصادي، ويؤيدون هذه الاقتراحات». وتتضمن الدراسة المشتركة معطيات توضح حجم المأساة، فتقول: «منذ إقامة السلطة الفلسطينية (في 1994) كان الناتج المحلي الخام للفرد في القطاع نحو 1200 دولار بالمتوسط السنوي (حسب أسعار 2004). وبلغ ذروته في عامي 1998 و1999، بنحو 1450 دولاراً. وكان في أدنى مستوى له في عامي 2007 و2008، حين هبط إلى 900 دولار. ومقارنة بالأردن، فقد كان الناتج المحلي الخام للفرد 4200 دولار، وفي إسرائيل (بأسعار 2004 أيضاً)، كان 20 ألف دولار». وأضافت أن «هذا الواقع الدراماتيكي يفسر ارتفاع البطالة بين الشباب في غزة إلى 57.6 في المائة، وبلوغ معدل البطالة بين عموم سكان القطاع 41 في المائة». ورد الباحثون على ادعاءات التخوف الإسرائيلي من الخطر الأمني الكامن في التخفيف من الإغلاق، قائلين إن «الحصار التعسفي لم يمنع تسلح حماس ولم يمنع الحروب. والتدهور الاقتصادي - الاجتماعي يزيد فقط الهياج والغضب اللذين يغذيان الجماعات والأفكار المتطرفة. أما تخفيف الإغلاق، فسيقلل التأييد لحماس». ورأوا أن «الحصار على غزة لا يمكن أن يكون مجرد عقاب لحماس، بل هو سبيل لتثبيت حكمها في القطاع. فالتحكم بمنطقة مغلقة أسهل من التحكم بمنطقة مفتوحة، يدخل الناس إليها ويخرجون منها». أما عن غور الأردن، فتلفت الدراسة إلى أن إسرائيل تمنع الفلسطينيين منذ 50 سنة، ولا سيما في السنوات العشرين الماضية، من بناء وتطوير نحو 75 في المائة من أراضي الغور، وبذرائع مختلفة، باعتبارها ميادين نار، أو محميات طبيعية، أو مناطق أمنية، أو أراضي دولة، و90 في المائة من أراضي الغور تندرج ضمن منطقة الحكم البلدي لـ24 مستوطنة. وأوضحت أنه «من بين نحو 160 ألف دونم صالحة للزراعة في الغور، يزرع الفلسطينيون نحو 42 ألف دونم فقط. أما المستوطنون فيزرعون ما بين 30 إلى 50 ألف دونم، وبقية المساحات مغلقة في وجوه الفلسطينيين». أما الوصول إلى المياه، فبحسب الدراسة «يكفي المعطى التالي: كمية المياه التي يستهلكها المستوطن أكبر من عشرة أضعاف الكمية التي يستهلكها الفلسطيني. والنتيجة تنمية قروية محدودة ونمو اقتصادي هزيل، مما يؤدي إلى ارتفاع الفقر، وإلى شروط سيئة في الصحة الشخصية والصحة العامة وتدهور بيئي ومادي». كما أن متوسط أعمار الفلسطينيين في الغور 65 سنة في مقابل 71.8 سنة في كل الضفة.
مشاركة :