تنقسم جائزة نوبل للسلام إلى تخصصات عدة، كالآداب والسلام والفيزياء والكيمياء والاقتصاد وعلم دراسة الأعضاء أو الطب. وبتمحيص الجائزة، فإن هناك شبهات تحوم حول «الجائزة»، والسبب بنظري أن المقيِّمين (بتشديد الياء) تحكمهم عادة نظرة عاطفية ورؤيتهم للسلام نسبية. نعم، لا نختلف كثيراً وإن اختلفنا بالتفاصيل مع من يلقي بهذه الجائزة للسلام على مشجب نظرية المؤامرة، إنما أن يخرج علينا من يشكك في جائزة العملاق الراحل الروائي نجيب محفوظ وهي نوبل للآداب فلا وألف لا. وأيضاً وإحقاقاً للحق وإنصافاً له، فهذا ينطبق على العالم المصري الأميركي أحمد زويل الفائز بنوبل في تخصص الكيمياء. بالشكل العام، فإن مواصفات وشروط الجائزة الكثيرة والمعقدة تنطبق على الاثنين تماماً، وهذا بشهادة المعترضين أو المشككين في أسباب اختيارهما الجائزة. وبما أنني لست كيمياوياً أو غيره من التخصصات العلمية إلا ما رحم ربي فسأتنحى عن الحديث عن جائزة أحمد زويل لأقصر رأيي عن نجيب محفوظ، وطبعاً لا يعني هذا أنني ناقد أو ضليع بفن الرواية، إنما أزعم أنني أعشق الرواية ومتذوق فيها لحدّ الثمالة، فما هي المآخذ على أهلية نجيب محفوظ للجائزة؟ هناك من له أسباب معقولة تستحق النقاش نسبياً، وهناك من أسبابه واهية، وهناك من أسبابه نظرة عنصرية. إذاً فلنناقش الأخيرة. فكون مواطن عربي يحصد الجائزة، فإن كثيرين من العالم الآخر لا يعجبهم هذا، خصوصاً أولئك الذين يعلقون كل نواقص أو نقيضة على العربية بكل ما تحمله من تفسير، لكن هؤلاء أرحم من مثقفين أو روائيين «عزّ» عليهم أن ينال الجائزة محفوظ، كونه ليس من بلادهم على رغم أنهم عرب مثله. لنذهب إلى ما أسميته «التبرير الواهي»، فكثيرون يقولون إنه حاز على نوبل بسبب أنه «أيّد» التطبيع وهذا غير منطقي، لأنه لو كان هذا السبب فلمَ لمْ تمنح مثلاً للراحل الفلسطيني الكبير إميل حبيبي؟ فعدا عن كونه أديباً مميزاً جداً حاز على وسام القدس من منظمة التحرير وكذلك منحته دولة الاحتلال جائزتها الأدبية وهي أرفع جائزة أدبية لديها، فإنه يحمل جنسية هذه الدولة المحتلة، وبالتالي فهو أولى بالجائزة لو كان السبب تطبيعاً (مع التسليم بأن لحبيبي موقفاً قوياً من دولة الاحتلال، لكنه يظل من رعاياها) والأمثلة كثيرة عموماً. أما لو فكرنا بشكل معاكس فإن من الذين حصلوا عليها الشاعر العظيم الراحل التشيلي بابلو نيرودا وهو شيوعي وصديق شخصي لسلفادور الليندي الرئيس الذي أسقطته الاستخبارات الأميركية بوحشية آنذاك، وكذلك الراحل الكولومبي الروائي الكبير غابرييل ماركيز صاحب رواية «مئة عام من العزلة» وهو الصديق الشخصي للرئيس الكوبي الراحل فيدل كاسترو عدو أميركا اللدود. لنرَ ما هي الأسباب المعقولة نسبياً. يقول الباحث السوري حسن حمدان العساف (مع قناعته باستحقاق نجيب محفوظ): لمَ لمْ يحصل عليها طه حسين مثلاً أو العقاد أو ميخائيل نعيمة وأسماء أخرى ذكرها؟ طبعاً أرى أن صيغة السؤال خاطئة من الأساس، فهؤلاء الأدباء ليسوا في قاعة امتحان توجه إليهم أسئلة في صلب تخصصهم ثم لا ينجح إلا محفوظ، مما يثير التساؤل! فطريقة الاختيار التي تفضل بذكرها عساف نفسه تأتي بشكل معقد وبناء على ترشيحات وترجمات، ومن ذكرهم مميزون من دون شك، ولكنهم لا يقارنون بنجيب محفوظ من ناحية الرواية إطلاقاً، وإضافة الى ذلك كانوا في سنة فوز محفوظ فارقوا الحياة، وهي لا تمنح لمتوفى بالمناسبة. وتلميحه بأن السبب كون محفوظ أيد التطبيع تدحضه شواهد عدة، منها أن توفيق الحكيم كان مؤيداً للتطبيع ومرشحاً لجائزة نوبل ومع ذلك لم يحصل عليها، ناهيك بأن الناقدة الكبيرة سلمى الجيوسي هي من زودت أكاديمية جائزة نوبل، وفق طلب الأكاديمية في 1985، دراسة حول وضع الأدب العربي لاستخدامها في تقييم أدباء عرب، إذ إنها اختارت أسماء عدة منها محفوظ وأدونيس، والمعروف أن الجيوسي من أشد مناهضي التطبيع، ناهيك بأن محفوظ حصل عليها في 1988، أي بعد التطبيع بنحو 10 سنوات، وفضلاً عن هذا وذاك فإن كان محفوظ يستحق فلا معنى للتشكيك أو المقارنة. في الأخير، أتفق مع من يتساءل عن أنه لماذا تأخرت الجائزة على العرب؟ ولماذا حرم البعض منها وهو يستحقها؟ لكن من دون إقحام روائي عبقري عظيم كنجيب محفوظ. * كاتب سعودي Twitter@abofares1
مشاركة :