تخفيض سن التقاعد للنساء والرجال له آثار مدمرة على مؤسسة التأمينات الاجتماعية، وكذلك على المال العام، فهذا الاقتراح الذي وافقت عليه لجنة الشؤون المالية في مجلس الامة يعتبر نموذجا للقرارات الشعبوية التي قد تخدع بعض الناس مؤقتا، ولكنها ذات ضرر كبير عليهم وعلى ابنائهم مستقبلا، كما أنها، في الوقت ذاته، تخالف جميع التوجهات في دول العالم التي زادت مؤخرا سن التقاعد الى 65 عاما، وسبب ذلك أن الصناديق التأمينية تحتاج إلى مزيد من الزمن لكي تتجمع فيها الاشتراكات الكافية التي يمكنها إذا استثمرت بمعدلات محافظة أن تصرف على الموظفين بعد تقاعدهم، لذلك يجب ان تتناسب قيمة وفترة دفع الاشتراكات (فترة الوظيفة) مع قيمة المعاش التقاعدي ومتوسط العمر المتوقع، فمثلاً لا يمكن أن تتناسب فترة عمل المرأة (20 سنة) واشتراك الـ28 في المئة من قيمة الراتب، مع فترة ما بعد التقاعد التي تمتد الى 30 سنة مع راتب كامل. وفي سبيل إيضاح هذه الحقيقة بالأرقام، وضعنا فرضيات لراتب معين مع زيادة سنوية فيه واحتساب قيمة الاشتراكات السنوية له وأرباحه السنوية بمعدلات مختلفة، فتوصلنا الى مبالغ معينة تتجمع في الصناديق التأمينية للمدد المذكورة للنساء والرجال، ثم قمنا باحتساب المدة الزمنية اللازمة لصرف ونفاد جميع المبالغ التي تجمعت (وذلك مبين في الجداول المرفقة)، وكما كان متوقعا، فالمدة التي يستغرقها صرف جميع المبالغ المتجمعة في الصناديق التأمينية اقل بكثير من متوسط عمر النساء والرجال، إذ قد تصل الى 17 أو18 عاما إذا كان ربح التأمينات 8 في المئة سنويا، أي اقل بكثير من متوسط الأعمار، (كما هو مبين في الجدولين المفصلين)، وقد تنحدر إلى 5 او6 سنوات اذا كان الربح 1 أو 2 في المئة (كما هو مبين في الجدول الاخير)، مما يعني ان هذه الصناديق ستفلس وستتوقف عن دفع المعاشات للمتقاعدين بعد سنوات متوسطة أوقليلة. وقد يقول قائل ان الدولة سوف تتدخل وتدعم الصناديق قبل افلاسها، وهذا صحيح ولكن اليست هذه كلفة مالية كبيرة جدا، خاصة في ظل العجز الذي تمر به البلاد، والذي يتوقع جميع الخبراء الاقتصاديون انه سيستمر ويزداد مع استمرار عدم قيام الحكومة ومجلس الامة بالاصلاحات الاقتصاديه المطلوبة؟ وماذا سيكون مصير المتقاعدين إذا عجزت الدولة عن سد النقص في هذه الصناديق؟ هل سيتمكنون من استلام معاشاتهم التقاعدية؟ أليس من الواجب علينا ان نجعل من مؤسسة التأمينات مؤسسة قائمة بذاتها، بدلا من ان تقوم الدولة بدعمها بالمليارات (ان استطاعت) كل بضع سنوات؟ وقد يقول آخر ان الإحالة المبكرة للتقاعد ضرورية لافساح المجال لتوظيف الشباب، وهذه حجة معقولة لو كانت التأمينات قادرة على القيام ذاتيا بما حصلته من اشتراكات وأرباح استثمارية تكفي للمتقاعدين، ولكن الحقيقة ان الدولة ستدفع كلفة مضاعفة، وهي كلفة المعاشات التقاعدية بعد عجز الصناديق، وأيضا كلفة رواتب الموظفين الجدد، وهذا القول ايضا يتناسى ان عدد الشباب الجدد المقبلين على التوظف يعادل اضعاف من سيحالون الى التقاعد، وأن مجرد توظيفهم مكان من سيتقاعد هو خلاف الاصلاح الاقتصادي الذي يستوجب خلق فرص وظيفية منتجة ودائمة في الاقتصاد الكويتي العام والخاص. إن الجداول المرفقة، وإن كانت بفرضيات ثابتة ومبسطة، هي صحيحة ومتخصصة وتعطي دلالة واضحة على خطورة تخفيض سن التقاعد وتقليص فترة الخدمة، وكان على اللجنة المالية في مجلس الامة دراسة هذا الموضوع بالارقام والعودة للمتخصصين لدرء اي مفسدة عن التأمينات وعن المال العام. * (عن دراسة مشتركة أعدها باقر مع د. عبدالرحمن العنزي الأستاذ بقسم الهندسة الصناعية والنظم الإدارية بكلية الهندسة والبترول في جامعة الكويت) ملاحظة: الجدولان (1) و(2) للرجال والجدولان (3) و(4) للنساء والجدول (5) للنتائج. تم احتساب هذه الجداول على أساس: 1) الراتب الشهري الابتدائي 1000دينار 2) الزيادة السنوية 20 دينارا 3) دفعة التأمينات 28% من الراتب (٨% الموظف 10% جهة العمل 10% الحكومة) 4) مدة عمل النساء 20 عاماً 5) مدة عمل الرجال 25 عاماً 6) نسبة ربح التأمينات السنوية 8% 7) يصرف للمتقاعد الراتب الأخير + 30 ديناراً زيادة كل سنتين معادلات الحسبة: 1) حسبت الأرباح على أساس تراكمي للاشتراكات والزيادات السنوية وبمعدل ربح 8% من تاريخ اقتطاع أول اشتراك للتأمينات حتى التقاعد. 2) تم احتساب صرف المبلغ المتجمع مع أرباحه على أساس تنازلي (بسبب صرف المعاشات التقاعدية) مع استمرار استثمار المبلغ المتبقي حتى انتهاء المبلغ.
مشاركة :