مستقبل الاتّحاد الأوروبي وتهديدات الإرهاب الأصولي وملف الهجرة، مواضيع رئيسية هيمنت على الاحتفال بالذكرى الستين لتأسيس الاتحّاد الأوروبي في الصالة ذاتها حيث وقع قادة ست دول أوروبية (إيطاليا وفرنسا وألمانيا وهولندا وبلجيكا ولوكسمبورغ) الوثيقة الأولى لميلاد السوق الأوروبية المشتركة، الجنين الذي ولد منه الاتّحاد. وعلى غرار وثيقة روما التي وقعت في 1957 وقّع قادة الدول الـ 27 «وثيقة روما الجديدة» الساعية إلى إعادة إطلاق جناحي الاتّحاد الذي عانى في الآونة الأخيرة من تأثيرات خروج المملكة المتّحدة، ومن البروز القوي للتوجّهات الشعبوية المناهضة للاتّحاد في عدد من بلدانه، وخصوصاً في فرنسا وإيطاليا والنمسا وهولندا والداعية إلى الطلاق مع الاتّحاد واليورو والعودة إلى العملات الوطنية السابقة. وجرى التوقيع في جو احتفالي كبير، أعرب خلاله رئيس المفوّضية الأوروبية جان كلود يونكر عن قناعته بأن «الاتّحاد سيحتفل بعيده المئة أيضاً»، مؤكداً: «حملت معي من لوكسمبورغ القلم ذاته الذي وقّع به رئيس وزرائنا في عام 1957 على وثيقة روما». وكان آخر اثنان من القادة الأوروبيين الذين وضعوا توقيعهم على الوثيقة الجدية رئيسا حكومتي اليونان آليكسيس سيبراس وبولندا بياتا سيدلو، واللذان كانا هدّدا حتى اللحظة الأخيرة بعدم الحضور إلى روما، لسببين متباينين، وفيما كان يُطالب سيبراس أن تتضمّن وثيقة روما 2017 تأكيدات على «إيلاء الاتحاد اهتماماً بأوضاع مواطنيه»، كان اعتراض بولندا منصبّاً على مخاوف أن يُفضي مبدأ «أوروبا بسرعات متباينة» إلى عزل دول الاتّحاد الشرقية. وبعد 60 سنة من انطلاق الاتحّاد، التقى قادته الجدد على مبدأ جديد يستند إلى «مكافحة الفقر» و «منح الثقة للمواطن الأوروبي». وقال رئيس الحكومة الإيطالية باولو جينتيلوني في افتتاح القمة أنّ «بإمكان أوروبا موحّدة فحسب أن الردّ على مطالبات مواطنينا»، وهو ما أعاد التأكيد عليه كل من رئيس المفوّضية الأوروبية يونكر ورئيس الدورة الحالية للاتحاد، رئيس وزراء مالطا جوزيف موسكات. ورفع قادة الاتّحاد الوثيقة الموقّعة كما لو أنّها كأس تم الفوز به في نهائي كروي، ولم يتردّد بعض القادة من استخدام هواتفهم النقّالة لتصويرها وتخليدها في أرشيفهم الخاص. وأعرب القادة الأوروبيون عن زهوهم بـ «الشجاعة التي امتلكها آباؤنا قبل ستين سنة لبناء اتّحاد فريد من نوعه قائم على وحدة المؤسسات ومستند إلى القيم العالية لشعوبنا، للدفاع عن السلام والحريّة والديموقراطية، وللسعي إلى أن تتحوّل أوروبا إلى قوة اقتصادية كبيرة». وتضمّنت الوثيقة 66 سطراً تختزل الجهود الرامية إلى إحياء الاتّحاد لمواجهة التحدّيات التي تمثلها أخطار قائمة، من بينها خروج بريطانيا منه وبروز ظواهر الحركات والقوى الشعبوية الداعية إلى إسقاطه. وورد في الوثيقة: «اليوم نحن أكثر وحدة وقوّة ممّا مضى ويستفيد مئات الملايين من مواطنينا من إيجابيات اتّحاد واسع تجاوز الكثير ممّا كان يفرّق بيننا». كما تضمّنت الوثيقة أيضاً تأكيد «الرغبة في مواجهة التحدّيات الكثيرة التي يفرضها التحوّل السريع والعميق لعالم اليوم»، وبرز هنا تأكيد «جعل الاتحاد أكثر قوة ومنعة باستمرار عبر تضامن كامل بين الأعضاء وبالاحترام للقواعد المشتركة». كما شدّدت الوثيقة على مبدأ «الوحدة حتى في حال التحرّك بسرعات متباينة». وركّزت على أربعة أهداف رئيسية، في مقدّمها تحقيق أوروبا آمنة يتمكّن فيها المواطنون من التحرّك بحرّية كبيرة ويتم خلالها ضمان أمن الحدود الخارجيّة والخروج بسياسة فاعلة لمواجهة ظاهرة الهجرة ومكافحة الإرهاب والإجرام المنظّم». كما تم تأكيد «ضرورة أن تكون أوروبا قادرة على تحقيق النمو وزيادة في فرص العمل، وأوروبا فاعلة على صعيد الضمانات الاجتماعية وأوروبا قوية وحاضرة على مسرح السياسة الأوروبية». وعلى رُغم أنّ الاحتفال تم في أجواء مفرحة وتحت شمس ساطعة أذّنت بميلاد الربيع، فإن المخاوف كانت من احتمالات فعل إرهابي أو من أحداث شغب شبيهة بتلك التي وقعت في مدينتي جنوى وروما نفسها في عامي 2001 و 2011 خلال قمم عالمية أو تظاهرات للعولمة وضدّها. وأغلقت الشرطة منذ ليل الجمعة «المنطقة الزرقاء» التي ضمّت قصر «كامبيدوليو»، مقر بلدية روما وموقع الاحتفال وقصر «كويرينالي»، مقر رئاسة الجمهورية الإيطالية، بالكامل، وضربت طوقاً أمنياً صارماً على «المنطقة الخضراء» التي ضمّت المناطق المتاخمة لمواقع الاحتفال ومسار التظاهرات الجماهيرية، المناهضة للاتحاد الأوروبي وتلك الداعمة له. وأفضت التحرّيات وعمليات التفتيش الدقيقة إلى ضبط أعداد هائلة من العصي والهراوات وسلاسل الحديد والعوازل الزجاجية التي كان بعض مناهضي الاتّحاد الأوروبي حملوها معهم لاستخدامها خلال المواجهات المحتملة مع الشرطة.
مشاركة :