دار الأوبرا السلطانية العمانية تحتفي بـ400 سنة على أول أوبرا

  • 3/26/2017
  • 00:00
  • 13
  • 0
  • 0
news-picture

يخوض الإيطالي، دافيدي ليفرموري، المدير العام والمدير الفني لدار أوبرا ومركز «قصر الفنون رينا صوفيا»، في عمله الجديد «الأوبرا»، الذي قدم الأسبوع الماضي، في ثلاثة عروض، على مسرح دار الأوبرا السلطانية في مسقط بعمان، مغامرة في حقل التجريب تنطوي على قدر من الإبهار والدهشة، مثلما تخلف عددا من الأسئلة حول إمكانية توليف عمل أوبرالي كلاسيكي في تركيب فني ليس من طبيعته، وينطوي على لغة موسيقية وبصرية تبتعد عن لغته. فالعمل الذي قدم في فصلين، جاء ثمرة تعاون بين «دار الأوبرا السلطانية» و«مركز دو برفكسيونامين بلاسيدو دومنغو»، و«بالو دي لي آرت رينا صوفيا فالنسيا» في إسبانيا، كسر التقاليد الكلاسيكية في تقديم أعمال الأوبرا، طارحا لونا جديدا مختلفا، يلعب فيه الجانب الأوبرالي دورا رئيسيا يحتفظ بلغته التقليدية، لكنه يستعين بالأداء المسرحي، والرقص التعبيري، والغناء، وإشراك آلة شرقية، والأكروبات التي تستلهم تقنيات السيرك، وحتى بالبريك دانس، في تركيب جديد يستخدم الفيديو والعروض التفاعلية والشاشات المتعددة والمتداخلة أيضا، وتقنية الأبعاد الثلاثية (3D)، لتقديم أول عمل درامي غنائي من نوعه في العالم، يعيد الحياة إلى أسطورة اورفيوس ويوريديس الإغريقية القديمة، بعد أكثر من 400 عام على تقديم الموسيقار كلاوديو مونتفيردي لها عام 1607. في الجانب الموسيقي، استعان ليفرموري بأوركسترا براغ الفلهارمونية، بقيادة المايسترو الأميركي ستيفن ميركوري، الذي سبق أن قاد أكثر من خمسين عرضا لأوبرات قدمت بسبع لغات مختلفة. فما الذي سعى ليفرموري وفريقه المصحوب باثنين وعشرين فنانا لتحقيقه من عمل يثير أسئلة حول طبيعته كعمل أوبرالي يخرج عن سياقه التقليدي؟ أول هذه الأسئلة: لماذا هذه «الأوبرا» التي تبدو كأنها عمل في فن الأوبرا نفسه، ومن أين جاءت الفكرة؟ يقول الإيطالي أمبرتو فاني، مدير عام دار الأوبرا السلطانية، والمتحدث الرسمي باسمها، الذي استقبل موفد «الشرق الأوسط» في مكتبه بدار الأوبرا في مسقط، قبل العرض مباشرة: التسمية جاءت من أفكار عدة ومن حوار عميق مع ليفرموري، الذي يعد أحد أفضل مخرجي المسرح في العالم، وهو وريث تقاليد فرنكو زافيراللي، ولكنه يقدم أعماله بمذاق مختلف أكثر ارتباطا بعصرنا، مع احتفاظه بالقواعد الأساسية للأوبرا ولغتها. اخترت ليفرموري لمعالجة الحكاية الإغريقية، أورفيوس ويوريديس، وإخراجها، لأنني أعتقد أن مخرجي الأوبرا ينبغي أن يكونوا موسيقيين لكي يتعاملوا مع نص أوبرالي. كان لدي مشروع يحتاج إلى ثلاثة فصول من ثلاث أوبرات مختلفة، يصعب مسرحتها الكاملة هنا في عمان، في بلد مسلم، لاعتبارات تتعلق بمضمونها. عمليا كان الحديث يجري حول أوبرا توسكا، وكافاليري روسيكانا، ودون كارلوس. دعوت ليفرموري، وأمضينا يومين في التحدث عن هذه الأوبرات الثلاث، وتحدثنا كذلك عن الجمهور هنا أيضا، فنحن معنيون بمن سنوجه له عملنا، والكل يدرك الصعوبات، وفي النهاية، خرجنا من النقاش بفكرة مختلفة، هي العمل الذي يعرض هذه الأيام ويتناول فن الأوبرا نفسه، ويحاول أن يستعيد أبرز محطاته الإيطالية عبر حقب تاريخية مختلفة. تبدأ القصة بتعرض يوريديس (تؤدي الدور السوبرانو مريام باتسيتيلي، وهي من مواليد إثيوبيا) إلى لدغة ثعبان في ليلة زفافها، ويعني هذا، اختطافها إلى العالم السفلي الذي يتحكم فيه بلوتو. يُفجَع حبيبها أورفيوس (التينور الإيطالي فالنتينو بوتسا - 29 عاما) بالحادثة، ويفعل ما بوسعه لاستعادة حبيبته من العالم السفلي المسمى هاديس. ولكي ينجح أورفيوس في الوصول إلى حبيبته وإعادتها إلى الحياة، عليه أن يصعد سلّما طويلا، بحيث يسير أمامها وهي تتبعه، شرط ألا ينظر إليها خلفه، مهما حدث وإلا سيخسرها. يستعيض العرض عن السلم بمصعد، وأثناء رحلة الصعود هذه يغني الحبيبان نخبة من أجمل ما شهدته الأوبرا الإيطالية من أغانٍ عبر العصور. في رحلة الصعود من العالم السفلي (هاديس)، يتقمص أورفيوس ويوريديس أدوار عشاق ظهروا في أوبرات مختلفة. هذا السياق السردي يسمح لهما بغناء أدوار عطيل وديدمونة (من أوبرا عطيل لفيردي)، وتوراندوت (من أوبرا توراندوت لبوتشيني)، وميمي ورودولفو (من أوبرا البوهيمية لبوتشيني)، وفيوليتا وألفريدو (من أوبرا لا ترافياتا لفيردي)، ويستحضران بذلك، نماذج تعكس مسارات مختلفة من تاريخ الأوبرا الإيطالية. وأثناء رحلة الصعود، تتغير المناظر في بهو فندق (هاديس)، الذي بدأت منه الحكاية، براويين (حكائيين) يستبقان رفع الستارة بتلخيص الحكاية القديمة، لتكشف عن بهو فندق عصري، حيث يقام حفل زفاف يرافقه مارش شبّه بمارش الزواج الشهير لماندلسون. بعد ذلك، يتنقل بنا العمل في مناخات مختلفة: إلى مصر، كما في أوبرا عايدة، وإلى باريس كما في (البوهيمية) و(لا ترافياتا)، وإلى بلاط ريغوليتو، والصين كما جرى تصويرها في أوبرا (توراندوت). بعض هذا فعله البريطاني بيتر رايت، في معالجته الأخيرة لباليه «كسارة البندقية» لتشايكوفسكي، التي عرضت في لندن قبل أشهر. هل ثمة رابط شكلي ما بين ما قمتم به وعمل رايت؟ يجيب أمبرتو فاني: لا، أبدا. ما فعله رايت كان مختلفا، كان عملية لصق (كولاج) لبعض أعمال تشايكوفسكي الأخرى داخل «كسارة البندق». ما قمنا به كان جزءا من العمل، في طبيعة العمل نفسه وسياقاته الدرامية. إنه جزء من بنية السرد. فالأغاني، وبعض المقاطع المستعادة من أوبرات إيطالية، تروي الحكاية نفسها، حكاية اورفيوس ويوريديس. إننا نستخدم الغناء والموسيقى المستعادين لرواية الحكاية. إننا، وهذا هو المهم، لم نرغب في إنتاج عمل أوبرالي كلاسيكي تقليدي. فنحن نستهدف جمهورا متنوعا، يشمل العائلات والصغار في هذا البلد، لذلك سعينا إلى استخدام لغة يفهمها الجميع. فأدخلنا على العرض، الأكروبات على سبيل المثال، واستخدمنا كل العناصر الحديثة لكسب تعاطف هذا الجيل الجديد. فهذا مهم لبناء جيل عماني مستقبلي من عشاق هذا الفن من المشاهدين. هذا هو هدفنا الرئيسي. حقا، يمزج عرض (الأوبرا) بذكاء، بين الغناء الأوبرالي والغناء الاستعراضي. ويقيم جسرا فنيا متماسكا بين الأوبرا وعروض برودواي الموسيقية، ويقدم الحكاية الأسطورية بمؤثرات وظفت لها تقنيات حديثة، أتت بمشاهد وأغاني أوبرات شهيرة خالدة، وألبستها تفاصيل الزمن الذي نعيشه بعد أن أدخلتها فضاءات ساحرة، مكنت، من دون شك، من تقديم عمل إبداعي جديد ومختلف. وقد بلغ تنفيذ الكثير من المشاهد مستوى جماليا مذهلا، كما في مشهد اختطاف يوريديس، ومشاهد حفل الزواج الذي يجري في قاعة مفتوحة على البحر، ومشاهد حقول القمح التي تشي بربيع ذهبي على الشاشة، ينثر فرحا باستعادة العاشق لحبيبته. وقد استخدمت تقنية الفيديو والمشاهد المصورة المتحركة ببراعة في اللعب على الواقعي (ما يجري على المسرح) والمتخيل (ما يبثه الفيديو على الشاشة)، لخلق تفاعل درامي يأخذ الحكاية إلى فضاءات أخرى. فالصور المتحركة تلعب دور الظلال حينا، وتعكس المشاعر الداخلية حينا آخر، وربما ما يدور في دواخل أبطال العمل نفسه حينا ثالثا. ولعل أفضل ما في هذا «التحديث»، جاء في الفصل الثاني، الذي تلعب فيه المؤثرات الصوتية والبصرية وتقنية 3 دي، دورا خلاقا، وكذلك على المفاجأة الموسيقية غير المتوقعة التي قدمها، حين يتسلل العود باحثا عن مكان له في أوبرا غريبة عنه وهو غريب عنها. إذ يرافق العماني زياد الحربي، يوريديس (باتستيلي) في أغنية «نحيب الحورية» لكلاوديو مونتفيردي (1567 - 1643)، خالقا فضاء شرقيا أليفا جميلا ومثيرا للدهشة، قبل أن يلتحق به الغيتار ويتوحدان حول ما يبثه اللحن من مشاعر، عائدين إلى أصلهما الأندلسي الواحد. حقا لقد أقدم الجميع على مغامرة خطرة في سياق تجريب كان يمكن أن يقود إلى ضياع التجربة كلها، لكن براعة ايفرموري ومصمم العروض باولو غب كوكو، والمشاركين في العمل، كل وفق دوره، أنقذ جميعه كل شيء، وقدمت الأوبرا السلطانية عملا غنائيا متميزا.

مشاركة :