عكس التصعيد العسكري في جبهتين على الأقل في سوريا، تغيراً واضحاً في المزاج الدولي لحالة المراوحة السياسية على ضوء الهدنة الروسية -التركية. وكانت هذه الهدنة قد أتاحت للنظام السوري مواصلة عمليات قضم مناطق في محافظتي ريف دمشق وحمص، عبر عمليات عسكرية موضعية دفعت لتوقيع اتفاقات محلية قسرية. وشكلت هذه «الاتفاقات» نكسات للمعارضة السورية وولدت لديها «إحباطاً»، في حين واصلت روسيا تمددها من الشمال إلى الوسط، ثم باشرت تثبيت وجودها بين الأكراد. أنهى التصعيد العسكري الأخير في محيط دمشق وريف محافظة حماة، عملياً، مفاعيل الهدنة السورية، وسط معلومات مؤكدة عن توجه لدى المعارضة لتصعيد ثالث في ريفي محافظة حلب الجنوبي والغربي. وبذا تكون أربع مناطق مشتعلة من أصل 6 في سوريا لا تزال تحتفظ فيها المعارضة بنفوذ، وهذا مع العلم أن منطقة ريف حمص الشمالي بحكم المحاصرة، بينما الجبهة الجنوبية تخضع لتوازنات دولية وإقليمية، حالت دون تغيير «الأمر الواقع» (الستاتيكو) فيها. معارضون تربطهم علاقات وثيقة بأطراف دولية وإقليمية، لا يخفون أن التصعيد الأخير «يحظى بموافقة إقليمية حذرة» و«غضّ نظر» أميركي. ويتمثل الحذر والإحجام عن الدعم المباشر بكون الأطراف الرئيسية المشاركة بالعمليات العسكرية، يغلب عليها الطرف المتشدد، وذلك بالنظر إلى أن «جبهة فتح الشام» (النصرة سابقاً) هي الجهة المسيطرة على قرار «هيئة تحرير الشام»، بينما ينخرط «جيش الإسلام» و«أحرار الشام» المصنفان على أنهما «طرفان معتدلان» في العمليات العسكرية. ويقول مصدران، أحدهما عسكري معارض، لـ«الشرق الأوسط» إن المعابر العسكرية مع تركيا «فتحت لأحرار الشام خلال عملية حماة». وأكدا أن الدعم الذي يُنقل إلى الشمال السوري «يصل إلى (الأحرار) حصراً كونها فصيلاً معتدلاً، بينما حُظر التعامل مع هيئة تحرير الشام التي يصنف النصرة فيها إرهابية». كذلك أوضح المصدر العسكري أن الفصائل «أعلنت النفير العام، ودخل مقاتلون معتدلون من تركيا إلى سوريا استجابة لدعوة النفير العام، وذلك بهدف تلبية مسعى اتحاد الجبهات». وأكد المصدر وجود تحضيرات لإطلاق معركة ريف حلب الغربي «في الساعات المقبلة». غير أن فصائل المعارضة تتكتم على تلك الخطوة، إذ أكد القيادي في «أحرار الشام» محمد الشامي لـ«الشرق الأوسط» أن المنخرطين في المعركة «هم من المقاتلين في داخل سوريا»، مشيراً إلى أن بعض المعابر إلى تركيا «فتحت للحالات الإنسانية والجرحى في خط الخروج من سوريا وليس العبور إليها». وإذ رفض الشامي التأكيد أن العملية حازت على غطاء دولي وإقليمي، قال: «لقد أبلغنا الأطراف الدولية والإقليمية المعنية بالهدنة بعد انطلاق العملية في حماة، أن عدم التزام النظام بالهدنة، دفعنا لإطلاق العمليات، ونحن مستمرون بها». وأضاف: «كانت تُمارس علينا ضغوط إقليمية للالتزام بالهدنة الروسية - التركية، لكن الخروق المتواصلة لقوات النظام وصولاً إلى مخططات التهجير من حمص وريف دمشق، جعلتنا بحلّ من تلك الضغوط، ومواجهتها لتغيير الستاتيكو القائم في شمال سوريا». أيضاً لا يخفي معارضون أن العمليات تبدو رداً ميدانياً على التوسع الروسي على حساب تركيا، وكان آخرها تثبيت روسيا وجود عسكري في شمال حلب سيمنع تركيا من ضرب خصومها الأكراد. الوجود العسكري تقويض قوات «درع الفرات» المدعومة من أنقرة ومنعها من التوسع إلى عفرين غرباً، أو منبج شرقاً، وهاتان منطقتان باتت القوات الروسية موجودة فيهما. ويقول أصحاب هذا الرأي إن المتضرر في التصعيد العسكري هو النظام السوري، حليف روسيا الأساسي، كون نفوذ النظام ينحسر في الشمال، بينما «تشتعل جبهة دمشق التي ستتحول إلى بؤرة قلق بالنسبة له». ويتحدث قياديون معارضون عن «غض نظر أميركي عن هذا التصعيد»، بالنظر إلى أن القوات العسكرية المشاركة فيها «يغلب عليها الطابع المتشدد»، رغم أن هناك شروطاً دولية صارمة «بعدم دعم الفصائل المتشددة». وتتشارك فصائل معتدلة مع الفصائل المتشددة جبهات القتال في هذا الوقت في الشمال السوري. هذا، وأثارت روسيا بتمددها صوب الأكراد شمالاً، وهم حلفاء واشنطن الأساسيون، حفيظة تركيا. لكن القراءة لهذا التمدد، ترى فيه المعارضة «خطوة جيدة»، كونه «سيشتت القوة الكردية بين نفوذين متصارعين»، في إشارة إلى روسيا وأميركا، وبالتالي «لن يضمن ذلك قيام فيدرالية كردية». وبمعزل عن الغطاء الدولي، يجزم سمير نشار رئيس أمانة «إعلان دمشق» المعارض بـ«استقلالية القرار العسكري في هذه المعركة عن التوجهات التركية»، مستدلاً برفض «أحرار الشام» و«هيئة تحرير الشام» بالمشاركة في مؤتمرات أستانة المدعومة من روسيا وتركيا، ومصادرتهما لمستودعات ذخيرة الفصائل المدعومة من أنقرة. ويؤكد أن الفصائل «شعرت بالإحباط إثر التهجير الذي مارسه النظام السوري، ولم تكن تركيا قادرة للضغط عليهم أكثر». وأعرب نشار عن اعتقاده أن الولايات المتحدة، «لا تعارض العملية للضغط على النظام السوري ووقف التفاهمات التركية - الروسية بخصوص أستانة والحل السياسي»، لافتاً إلى «تطورات جديدة بالموقف الأميركي الذي يتعاظم دوره في سوريا». وإذ تحدث نشار عن «توزيع مهام بين الفصائل، إذ تتولى هيئة تحرير الشام المفخخات، بينما الفصائل الأخرى تتولى العمليات العسكرية»، فإنه رأى أن هناك معضلة تعقد الموقف الأميركي «تتمثل في التناغم مع هيئة تحرير الشام المصنفة إرهابية، بعدما باتت أكبر قوة ضاربة في سوريا، في مقابل الاستمرار باصطياد قادتها المندرجين في حلقة الراديكالية المعولمة في تنظيم القاعدة الذين يشكلون خطراً على الغرب».
مشاركة :