صديقتي.. بعين دامعة وفؤاد يعتصر ألماً بلغنا نبأ وفاة والدتك، حاولنا الاتصال بك كثيراً ونسينا أن الإنسان يحتاج إلى أن يختلي بنفسه إذا ما تجرع مرارة الفقد، فلا يقوى حتى على تحمل الصوت المنبعث من داخله، يحتاج لوقت ليلملم أشلاءه الباكية، وينفض عن أهدابه دمعة يتيمة بقيت عالقة من الأمس تأبى السقوط. نعم أدري جيداً أن هذا الكلام لا ينفع ولا يغير شيئاً، إن ما أصابك ليس بهين، ومن منا يقوى على أن يودع جنته في الأرض؟ ستتألمين في البداية ألم جرح لم يلتئم بعد، ستدمع عيناك في كل مرة ترين فيها طفلاً صغيراً يمسك بيد والدته ويخشى أن يفلتها، سيظل مكانها شاغراً، ستضمّين الوسادة التي كانت تسند عليها رأسها، وتتنفسين عبق عطرها العالق هناك، كل زوايا البيت ستذكرك بها، سينقبض قلبك الصغير كلما أويت إلى فراشك ليلاً وكأنها بالأمس، كانت هنا لتداعب خصلات شعرك، ستذبل ورود الحديقة الخلفية وإن اعتنيتِ بها، فهي أيضاً تحن وتشعر وتذبل في غياب مَن تحب، ستتحاشين على قدر قلبك الهش صورها، وإن حدث ووقعت عليها عيناك فسيكون باستطاعتها استثارة كل تلك العبرات التي قاومتها في وضح النهار وسط الحشود الغفيرة، ستستشعرين وجودها في المدرج منزوية في ركن بعيد، وفي طريقك إلى البيت الكئيب، ستشتاقين إليها بعدد المرات التي كانت لكِ فيها ملجأ تلوذين إليه بعد كل انكسار، ستحتاجين بشدة لدعواتها فهي التي كانت تشدك في كل مرة كنت فيها على شفا حفرة من السقوط.. سيغالبك الحنين إلى خبزها.. إلى الشاي الذي كانت تعده، ومهما حاولتِ لن تفلحي في إعداده بمثل براعتها، فالحب الكبير الذي كانت تضيفه إليه هو من يحدث الفرق. ستكبرين، نعم أعي جيداً ما أقوله، إننا نبقى صغاراً ولو بلغنا من العمر ما بلغنا في حضرتها، ستتصلين على رقم هاتفها وأنت تدرين جيداً أن لا أحد سيجيب، ومع ذلك ستوهمين نفسك بأمل من دخان، ففي عز لحظات اليأس لا نفرق بين الممكن والعبث بل يغيب فيها صوت العقل، ونتبع ما يمليه حدسنا، نجرب فيها كل الأفكار التي تتبادر إلى الذهن حتى لا نستسلم للشعور بالفقد سيخيل إليك أنك نسيت كيف تضحكين، ستعلنين الحداد وستتعجبين لكل من يأمن للحياة. أدري أن الأمر صعب.. صعب جداً، لكنها ستحيي في قلبك وستجدينها حاضرة بكل تفاصيل يومك، لا تسعفني الكلمات، أعذريني هذا كل ما أقدر على قوله، كوني قوية لأجلك ولأجلها، وأسأل العلي القدير أن يتغمدها بواسع رحمته. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
مشاركة :