سجلت المدن الكبرى في السعودية خلال الأعوام الأخيرة نمواً متصاعداً في عقد ملتقيات تُعنى بمناقشة المشكلات الأسرية، وإن كانت لا تزال شبه غائبة عن المدن الصغيرة وبعض القرى. وتستقطب هذه الملتقيات أعداداً كبيرة من الحضور وخصوصاً النساء في ظل تنامي «المشكلات الأسرية»، فضلاً عن تفشّي حالات العنف الأسري وفق تقديرات جمعيات حقوقية وأخرى مهتمة بشؤون الأسرة. ودعا مهتمون إلى ضرورة استغلال منابر الملتقيات وتوفـــير منحى حقوقي، يقوم على توعية الحضور بحقوقهم لكون عدد من القضايا – من وجهه نظرهم – في حاجة إلى رادع قانوني، وليس مجرّد جلسات معالجة أو صلح بين الأطراف، مشيدين بما تقدّمه الملتقيات من جرعات جريئة في تناول القضايا الإجتماعية وكشف المستور. وقالت الباحثة الاجتماعية زانة الأحمري إلى «الحياة»: «إن الملتقيات المهتمة بشؤون الأسرة تركّز على أبرز الإشكالات الإجتماعية والنفسية في الشأن المحلي»، مؤكدة أن «الوقت حان لعقد ملتقيات مختصة بنشر ثقافة حقوق الإنسان في شكل كامل»، منوهة إلى أن فائدة مثل هذه الملتقيات ستكون «أكثر عمقاً وتأثيراً في المُتلقّي بدلاً من المنحى الحقوقي الثانوي». واقترحت الأحمري أن تتضمن هذه الملتقيات «ممثلين عن جهات معنية بالموضوع الذي يناقش مثل: وزارة العدل وهيئة حقوق الإنسان ومصلحة السجون، ليدلي كل منهـــم بدلـــوه خلال لقاء الجمهور بحيـــث يكون ذلك أقرب إلى استقراء الآراء. وسيطرح الحضور تساؤلات تطرأ عليهم ومواقف يقعون فيها من دون أن يجدوا لها مخرجاً يصون حقوقهم». مكاشفة وتوافق الأحمري الباحثة المختصة في طب الأسرة الدكتورة ابتسام الخضيري، التي أكدت أهمية «تفعيل الملتقيات المختصة بحل إشكالات الأسرة». وقالت: «مخطئ من يظن أن هذه الملتقيات والتجمعات الأسرية تقام لمجرّد سدّ حاجة الجهات لتوفير فعاليات، بينما هي لمن لا يعرف توفر حالاً من المكاشفة بين الجمهور والإختصاصيين ومقابلتهم وجهاً لوجه، وعرض المشكلات من دون الحاجة إلى وسيط». وأشارت الخضيري إلى أن هذه المواجهة «تتيح معرفة أدقّ القضايا الإجتماعية والتعرّف اليها، التي عادة ما تغلّف بمقولات ثقافية مستمدة من العادات والتقاليد مثل العيب». إلا أنها نوهت إلى أن «الحاجة باتت مُلحّة لتفعيل المنحى القانوني في هذه الملتقيات لأن هناك نوعاً من القضايا ليست في حاجة لعلاج نفسي واجتماعي، وإنما إلى ردع قانوني»، لافتة إلى أن هذه الملتقيات «تساهم حالياً في تقديم معالجة قانونية»، مشددة على الحاجة إلى «الإستعانة بمحامين وحقوقيين وأصحاب اختصاص، لاستعراض أبرز الحقوق المتوافرة للمواطن والمقيم». ورأى الباحث الإجتماعي محمد الزهراني أن «التوعية بالحقوق يجب أن تكون من أولويات المؤسسات والجهات الرسمية والأهلية»، لافتاً إلى أن الملتقيات «تحوّلت في الآونة الأخيرة إلى منابر لا يجب التغاضي عن دورها في استقطاب المهتمين، لذلك لا بدّ من أن تناقش قضايا حقوقية كثيرة»، مشيراً إلى أن النسب المتدنّية التي تُنشر بين الفينة والأخرى، تدلل على أن الثقافة الحقوقية في حاجة إلى نشر على نطاق أوسع»، متهماً كلاً من «الهيئة» و «الجمعية» المعنيتين بحقوق الإنسان في المملكة بـ «التقصير وعدم القيام بدورهما والاكتفاء بالدعاية من دون عمل حقيقي». بدوره تمنّى المحامي طلال العنزي «أن يكون المنحى الحـــقوقي والقانوني جزءاً من هذه الملتقيات، بدلاً من اقتصارها على تناول الإشكال من منطلق إجتماعي ونفسي»، لافتاً إلى أن هذه «مناحٍ مهمة ومؤثرة في معالجة تلك الإشكالات التي تطل علينا»، مضيفاً «قضايا كثيرة تحتاج إلى حلول من نوع آخر، وهو الحل القانوني الذي يوقف المعتدي المتجاوز للشرع والنظام، عبر فطنة المتضرر ولجوئه إلى القنوات الرسمية لأخذ حقه من دون أن تقف حجة الخجل والعيب حائلاً دون استرداد حقوقه». مجتمع
مشاركة :