جيل كيبل: بريطانيا أكثر تفككا من أي وقت مضى

  • 3/27/2017
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

سليمة لبال | يرى المختص في الإسلام السياسي الفرنسي جيل كيبل في مقابلة مع صحيفة لوفيغارو الفرنسية إن الهجمات الإرهابية التي تستهدف القارة الأوروبية، يمكن أن تكون مؤشرا على انقسام اجتماعي كبير يهدد المنطقة. قال جيل كيبل الأستاذ في معهد الدراسات السياسية في باريس والمتخصص في شؤون العالم العربي والإسلام تعليقا على الاعتداء الإرهابي الذي نفذه داعش في لندن الأسبوع الماضي إن البريطانيين تقاعسوا في تشديد الأمن منذ اعتداءات لندن في يوليو ،2005 وأضاف «في تلك الفترة مرّ الارهابيون بمعسكرات التدريب في باكستان، لكنهم ولدوا وترعرعوا في بريطانيا، وهذا سجّل تغييرا مقارنة مع أحداث 11 سبتمبر أو اعتداءات مدريد التي نفذها أجانب أو مهاجرون. لقد كانت بداية المرحلة الانتقالية ما بين المرحلة الهرمية للجهاد ومرحلة السكان الأصليين لأوروبا. وإن كان أيمن الظواهري قد تبنّى العملية، فإنها نُفّذت بينما كان أبو مصعب السوري يرسم في ذلك العام نظرية الجيل الثالث الأقل كلفة. ففي ندائه للمقاومة الإسلامية في العالم، خطّط هذا الأخير لأن يجعل من أوروبا رحماً عقيما وهدفا رئيسيا للهجمات الارهابية. ومنذ ذلك الحين، قادت بريطانيا سياسة وقائية، ولكن سمحت أيضا لإسلاميين بالسيطرة على أحياء كاملة، حيث تسامحت مع المحاكم الإسلامية بهدف شراء السلم الاجتماعي. ومدينة بيرمينغهام، حيث كان يعيش مرتكب هجوم ويسمنستر خالد مسعود، نموذج لهذه السياسة». ويضيف كيبل متحدثا عن أحياء بريطانيا «فحي سمول هيث، حيث 95 في المئة من السكان مسلمون، يختلف تماما عن النموذج الفرنسي العلماني والعالمي، والسلطات البريطانية حين سمحت لسلفيين بإدارة النظام العام والجالية، كانت تأمل ألا تواجه الجهاد الذي كانت ترى بأنه تفاقم في فرنسا بسبب الإدارة العلمانية للمجتمع». حادثة ويسمنستر قرعت الجرس بشأن هذا الوهم مثلما قرعت أحداث 2005 الجرس فيما كان يسمى في تلك المرحلة بلندنستان، أي سياسة اللجوء الآلي لكل قيادات الحركة الإسلامية الدولية والعربية إلى لندن، لكن الفرق هو أن عدد سكان برمينغهام من العرب قليل جدا، ذلك أن الغالبية من الهنود والباكستانيين. كان خالد مسعود جامايكيا اعتنق الإسلام، وأما عمره (52 عاماً) فيدل على أن الفعل الذي ارتكبه ليس نتيجة عدم الاندماج مثلما يحصل مع شاب، وانما هو فعل ارتكبه شخص عاش لفترة طويلة في المجتمع، ويحتمل أن تكون شخصية خالد مسعود بنيت ضد المجتمع البريطاني، وقرر الانتقال إلى مرحلة الفعل. لكن ما يلفت الانتباه أيضاً هو الطريقة التي نفذ بها عمليته، والتي تذكرنا بهجمات نيس وبرلين، حيث استخدم سيارة دهس بها المشاة. يتعلق الأمر بجهاد منخفض التكلفة يمكن أن يمر أمام رادات الشرطة من دون أن يلفت الانتباه. وفي النهاية نلاحظ أن الهجمة استهدفت البرلمان الذي يعد رمز الديموقراطية الأوروبية بامتياز. لقد تمت العملية خلال جلسة كان البرلمان البريطاني يناقش خلالها البريكسيت، وهكذا ضربت اجندة الارهاب، أجندة السياسة فتوقفت المؤسسة وأوصد النواب الأبواب، فيما نقلت رئيسة الوزراء إلى مكان آخر على وجه السرعة. عمدة لندن وعما إذا كان هناك أي تداعيات لانتخاب مسلم على رأس بلدية لندن، وما إذا كان لذلك علاقة باعتداء ويسمنستر، قال جيل كيبل «لقد اعتبرت السلطات البريطانية أن وجود عمدة مسلم، كان قريبا في الماضي من منظمات إسلامية بينها الإخوان المسلمون، سيسمح بمراقبة أفضل للشبكات وتجنب العنف، لكن صادق خان ظهر كخائن بالنسبة للاكثر تشددا. لكن بصفة عامة إنه من الوهم أن نعتقد أن محاولات المجتمع العصري استيعاب الأقليات يمكن أن يهدئ المجتمع، بل العكس إنها تعزز الانشقاق وحالة هولندا تعد نموذجية، حيث ترجمت التعددية الثقافية إلى عنف وكراهية للأجانب. نجاح الاستخبارات الفرنسية يقول البعض إن الإرهاب استهدف فرنسا خاصة بسبب نموذجها العلماني، لكن جيل كيبل يقول «يعد كل من الماضي الاستعماري والعلمانية والبطالة الكبيرة عوامل فاقمت الوضع في فرنسا، لكن ألمانيا لم تسلم من الهجمات الارهابية، بسبب تدفق المهاجرين وتغير نموذجها، رغم أنها لا تملك ماضيا استعماريا وتتبع نموذجا يعترف بالدين. ويمكن أيضا أن نفكر في مستقبل المهاجرين الأتراك الذين اندمجوا في المجتمع الألماني منذ فترة طويلة، فهؤلاء لن يبقوا بعيدا عن الصدمات التي تعيشها بلادهم الأصل بسبب سياسة أردوغان الذي يسعى إلى حشد الجماهير في أوروبا. وعلينا أيضا أن نسجل التقدم الذي أحرزه جهاز الاستخبارات الفرنسي منذ 26 يوليو 2016 واغتيال القس جاك هامل، بعد أن تمكن من تفكيك شبكة تيلغرام وأوقف وقائيا الأفراد المشتبه في نيتهم ارتكاب أعمال إرهابية، وتمكن أيضا من القضاء على مدبر هجمات 2016 رشيد قاسم، وعليه اصبح من الصعب اليوم تنفيذ عمليات إرهابية على الأراضي الفرنسية، ويضيف جيل كيبل «تبدو فرنسا اليوم هدفا صعبا للغاية، ويمكن أن نكتشف ذلك على الشبكات الالكترونية، حيث يؤكد الجهاديون الفرنسيون انهم يواجهون اليوم امتحانا. لقد قرر كثير منهم الانعزال من أجل الدراسة في انتظار تحسن الظروف، وهو ما يسمى في الاستراتيجية الإسلامية النظرية، مرحلة الضعف، مقارنة بمرحلة القوة، حيث يتم خلالها إعادة شحذ الهمم والابتعاد عن العمليات الانتحارية، مثلما جاء في حصيلة هجمات 2016 التي رصدها عدد من قادة داعش وأوضحته وصية رشيد قاسم الذي اتهم مسؤوليه في داعش بعدم دعمه. ولهذا تبدو دول مثل ألمانيا وبلجيكا وهولندا وبريطانيا، حيث الاستخبارات اقل خبرة، تبدو اهدافا سهلة للارهابيين، ذلك انها لم تواجه هجمات ارهابية منذ 2012. ماذا عن هجمتي أورلي ومتحف اللوفر؟ يقول جيل كيبل في معرض حديثه إن الهجمة التي استهدفت مطار أورلى لم يتبنها داعش، رغم أن منفذها يبدو ظاهريا إرهابيا رخيص التكلفة، لا يتبع تنظيمات. فهذا الرجل أوقف في السابق بسبب اعتداء وتهريب مهدئات كما تعرف على إسلاميين في السجن. وعادة ما يؤكد السجناء الإسلاميون للمنحرفين بأن جرائمهم هي في الحقيقة معركة ضد الإلحاد وجهاد. فزياد بن بلقاسم منفذ هجوم اورلي الفاشل كان يعتدي باسم الله ويدّعي الإسلام، حين ينفذ اعتداءاته، وعلاوة على ذلك كان يحمل مصحفا في حقيبة الظهر، ولكن ايضا سجائر ويحتسي الخمر ويتعاطى الكوكايين. ويمكن أيضا وصف زياد بن بلقاسم بخليط بشري قابل للانفجار، إنه أحد المنتجات المشتقة من عالم الجهاد الأكثر تنظيما. وهذا النوع من الجهاد يعد الاخطر على المجتمع لصعوبة رصده وكشفه، ولكنه على العموم يخلف خسائر اقل. لقد مُني هجومه بالفشل وقتل مثل الجهادي الذي استهدف قبل بضعة أسابيع متحف اللوفر. وعلاوة على ذلك، فإن هذا النوع من الإرهاب غير فعال سياسيا، ذلك أنه لا يسمح بحشد الجماهير، كما أن الهزائم التي يتكبدها الخليفة على أرضه تعد عوامل قلق واكتئاب للجهاديين، لم نعد ابدا في مرحلة الانتصارات السابقة، ولا حفلات تعذيب الرهائن وقطع رؤوسهم، التي كانت تعطي الانطباع بان الدولة الإسلامية تسير نحو النصر وفتح الإنسانية، وإنما نحن في مرحلة استيعاب هزيمة حتمية ينظر لها كامتحان من الله، وفي النتيجة لم يعد الجهاديون يملكون الوقت للتخطيط بعناية لهجماتهم في اوروبا، ويحاولون انتظار ان تنضج افكارهم للفترة المقبلة. لقد دخلنا مرحلة انتقالية، والجهاديون بصدد التفكير في المرحلة التالية. تفادي الانقسام وفي رده على سؤال يتعلق بالطريقة المثلى والكفيلة بتفادي الانقسام، وهو ما تساءل عنه الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند في كتاب «ما لا يجب أن يقوله الرئيس» للمؤلفين فابريس لوم وجيرار دافي، قال جيل كيبل «هذا ما شرحته في كتابي «الكسر» الذي صدر في 2016. فإن لم نفعل شيئا، سيكون المجتمع الفرنسي محل تجاذبات ترتبط بموضوع الهوية، سواء حول السلفية او ايديولوجية اليمين المتطرف وقبول شكل من اشكال الانفصال أو الابارتايد، مثلما حصل في برمنغهام مع قضاة يصدرون عقوبات باسم الشريعة. هذا الأمر يمثل مشكلة قيم عميقة جدا، فهل علينا أن نصر على تقاسم الملكية المشتركة أو على الفروقات بيننا مثلما هي الحال في بريطانيا، حيث يعد البريكسيت شكلا من أشكال تفاقم هذه المشكلة؟ تبدو المملكة وفق كيبل أكثر تفككا من ذي قبل، مثلما تؤكده رغبات الاستقلال لكل من اسكتلندا وايرلندا، ولكن أيضا من خلال الانفصال الثقافي لبعض الأحياء والمدن. وتطرح هذه القضية أيضاً في فرنسا، حيث الانهيار الاجتماعي والتسرب المدرسي يساهمان في استمرار الجنوح إلى التطرف، لكن للاسف هذا الموضوع حسب كيبل من المحظورات اليوم، ولا يشكل مادة نقاش في حملة الرئاسيات. فمن جهة تندد الجبهة الوطنية بالفئوية من دون أن تدرك بأنها تفاقم هي نفسها مسألة الهوية، ومن الجهة الأخرى يخفي غالبية المرشحين للرئاسة رؤوسهم في الرمل من دون ان تحظى القضية بالتحليل، ومن دون اتخاذ أي إجراءات للقضاء على الظاهرة. لا احد يريد الاعتراف بان الوضع لم يعد تحت السيطرة في عدد من الاحياء، على الرغم من أن من سيُنتخب سيواجه بالضرورة هذه المسألة. يجب ان نطرح مشكل التربية والتعليم والعمل لأنها الأسباب البنيوية لحال الاستياء لدى أبناء المهاجرين وابناء المزارعين والعمال. ويمكن تفسير سطحية النقاش في الانتخابات الرئاسية بتعمق الهوة بين اليسار واليمين، وبين النظام والمناهضين للنظام. اننا نعيش وفق جيل كيبل اعادة تشكيل عميقة جدا لوجه فرنسا السياسي، يلوح من ورائه الانقسام. لوفيغارو

مشاركة :