وصل خادم الحرمين الشريفين سلمان بن عبد العزيز اليوم (الاثنين) إلى الأردن في زيارة مزدوجة: تلبية لدعوة من الملك عبدالله، ولترؤس وفد المملكة إلى القمة العربية. والعلاقات السعودية - الأردنية تطورت خلال العقدين الماضيين ووصلت إلى مستويات «استراتيجية»، انعكست على مجمل العلاقات الاقتصادية والثقافية والسياسية، وفي زيادة مجالات التعاون وحجم التبادل التجاري، وتنامي أعداد الطلبة السعوديين الدراسين في الجامعات الأردنية. ويعود تاريخ العلاقات بين البلدين إلى الثلاثينات من القرن الميلادي الماضي، وبدأ التمثيل الديبلوماسي بينهما أواخر الأربعينات. ويملك البلدان حدوداً مشتركة تفوق 740 كيلومتراً، وتربط بينهما ثلاثة معابر تعمل على مدار الساعة، وهي من الجانب السعودي: الحديثة، وحالة عمار، والدرة. وتعد الروابط الاجتماعية بين الشعبين من أهم مصادر قوة واستمرارية هذه العلاقة وتطورها، إذ يرتبط أبناء البلدين بكثير من علاقات القربى والدم والمصاهرة، يزيد منها التشابه في العادات والتقاليد الاجتماعية بينهما، ما يجعل للعلاقة ميزة أخوية وتاريخية كبيرة. وتعتبر المملكة الشريك الاستراتيجي الأهم بالنسبة إلى الأردن في المنطقة، إذ تقدر استثماراتها فيه بـ13 بليون دولار، وتحل الرياض في المراتب الأولى بالنسبة إلى حجم التجارة مع عمان، بحجم تبادل تجاري تجاوز خمسة بلايين دولار، في الوقت الذي تستورد فيه الأردن 20 في المئة من وارداتها من السعودية، بينما شكلت صادراتها إليها حوالى 25 في المئة من إجمالي صادراتها إلى العالم. وتصنف السعودية من أكثر الدول الداعمة للأردن، وأشار تقرير لصندوق النقد الدولي في العام 2014، إلى أن المساعدات السعودية إلى الأردن خلال أربعة أعوام تجاوزت ثلاثة بلايين دولار، شكلت ثمانية في المئة مني الناتج المحلي الأردني. وتستورد عمان من الرياض النفط ومنتجات صناعية ودواجن وألبان، ويتمتع المنتج السعودي بسمعة طيبة وقبول لدى المستهلك الأردني. ووقع الطرفان خلال السنوات الماضية اتفاقات عدة للتعاون في مجالات مختلفة، ففي العام 2014 وقعا اتفاق تعاون في مجال الشؤون البلدية والقروية، بهدف الارتقاء بمنظومة الخدمات والتشريعات البلدية في البلدين، وتبادل الخبرات البلدية بينهما في مجالات تدريب الكوادر البشرية. وأبرمت وزارتا العمل السعودية والأردنية في العام 2015، مذكرة تفاهم للتعاون في مجالات أنظمة العمل وتنميتها، بهدف توحيد إجراءات الاستقدام والربط الإلكتروني، والتشاور الدائم والتدريب التقني والمهني، وحل النزاعات والقضايا العمالية والاستفادة من التجربة السعودية في تطوير بيئة العمل. وقوبلت زيارة ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى عمان العام الماضي بحفاوة كبيرة، وتنسيقاً للجهود في مجالات وقضايا عدة، خصوصاً في مجال مكافحة الإرهاب، وتعزيز التعاون العسكري والتجاري والاقتصادي، إضافة إلى تأسيس صندوق استثماري مشترك. ووقع البلدان أيضاً اتفاقاً لتأسيس مجلس التنسيق السعودي - الأردني بغرض تعزيز تعاون البلدين وتعميق علاقاتهما الاستراتيجية، وزيادة التنسيق السياسي في القضايا الثنائية والإقليمية. وعلى الصعيد الثقافي، شهدت علاقات البلدين نقلات إيجابية كبيرة تمثلت في زيادة التعاون وتبادل الخبرات التعليمية والأكاديمية، وزيادة أعداد الطلبة السعوديين في الجامعات الأردنية، وبلغ عددهم ستة آلاف طالب وطالبة. ووقع الصندوق السعودي للتنمية في العام 2015، ثلاثة اتفاقات لتمويل مشاريع في الأردن بقيمة تتجاوز 110 ملايين دولار، تضمنت تمويل مشاريع للطرق وأخرى تنموية خاصة في المجتمعات الأردنية المستضيفة للاجئين السوريين. ويعد مشروع «واحة ايلة» السياحي أحد أبرز الاستثمارات السعودية في مدينة العقبة الأردنية، وتقوم بإنشائه شركة «استرا» السعودية، ويقع على أرض مساحتها 4300 دونم شمال خليج العقبة. وعلى الصعيد السياسي، تعد الأردن إحدى الدول المشاركة في عملية «عاصفة الحزم» التي تقودها السعودية في اليمن بست طائرات مقاتلة، ويجمع البلدان تفاهم مشترك حول ملفات عدة، أبرزها الشأن السوري، ورفض التدخل الإيراني في شؤون المنطقة. وظهرت خلال السنوات الماضية، دعوات سعودية لتوسيع مجلس التعاون الخليجي، بضم دول من خارج المنطقة، رُشح منها الأردن والمغرب، بعدما ثبت نجاح عمان في تأمين الحدود الشمالية السعودية وتحقيق أهداف أمنية لدول خليجية أخرى، ما سيضفي نوعاً من الاستقرار والقوة على الكيان الخليجي.
مشاركة :