الشارقة: مصعب الشريف تداول كثيرون في وسائل التواصل الاجتماعي صورة لعلم الدولة وهو يرفرف على قمة جبل كلمينجارو، المعروف بأنه الأكثر ارتفاعاً في إفريقيا. و يقع الجبل شمال شرق تنزانيا، ويتألف من 3 مخاريط بركانية هي كيبو (أعلى القمم) وماوينسي، وشيرا، وتبلغ أعلى قمة له 5895 متراً، كما يعتبر أقرب نقطة تغطيها الثلوج قريبة من خط الاستواء. وعلى الرغم من أن هذه العقبات تجعل من الوصول إلى قمته أمراً صعباً، فإن 5 شبان إماراتيين تمكنوا من الصعود إلى القمة ورفع العلم، عقب رحلة امتزجت فيها المتعة بالمغامرة والمتاعب، وهي الرحلة التي يرويها لنا الشباب العائدون من قمة «كلمينجارو» عبد الناصر الدح، ومحمد عبد الله بوخاطر، ومحمد الشارجي، وسلطان السويدي، وجاسم البلوشي، الذين التقيناهم ليصطحبونا معهم في رحلتهم إلى كلمينجارو عبر هذه المساحة.قبل أن يصعد الأصدقاء إلى الطائرة متجهين إلى قمة جبل «كلمينجارو»، كانت هنالك رحلة أخرى في جبال الإمارات، يرويها لنا عبد الناصر الدح، الذي طرح المبادرة على أصدقائه. يقول إن الفكرة بدأت منذ عام، حيث كان هدفهم رفع علم الدولة في مكان لا يستطيع الآخرون الوصول إليه، فتجاوب أصدقاؤه مع الفكرة، وبدأت التمارين في الصالات الرياضية وخارجها، إلى جانب رحلات إلى جبال رأس الخيمة تدربوا فيها على المشي والتخييم، حتى أتى الموعد المضروب للسفر، فبدأت مرحلة أخرى قوامها اتباع التعليمات من المشرفين والمحافظة عليها. فمثل هذه الرحلات تتطلب الموازنة بين كل شيء؛ فهناك خبراء جبال معروفون لم يتمكنوا من الصعود لعدم التزامهم بالتعليمات ولطبيعة الجبال المختلفة. استغرقت الرحلة من دبي إلى تنزانيا 7 ساعات، ليكون اليوم الذي يلي السفر للراحة والاستجمام استعداداً للانطلاق، وهي المرحلة التي أخذ الفريق خلالها فكرة متكاملة عن الرحلة، بعدها يفحص المشرف أغراضك، لأن مثل هذه الرحلات تتطلب استعداداً خاصاً، وفي اليوم الثالث يبدأ الصعود إلى قمة الجبل سيراً على الأقدام، وهي رحلة مشوقة وملأى بالمغامرات تستغرق 5 أيام صعوداً، ويومين نزولاً. يقول الدح، إنهم منذ تجمعهم في البوابة التي يبدأ عندها الجبل بدؤوا المشي صعوداً إلى قمته، مروراً بالسفح الذي تغطيه غابات خضراء تقطعها صعوداً لمدة يومين، بعدها يختفي الغطاء النباتي تدريجياً إلى أن ينعدم تماماً، مشيراً إلى أنهم حين بدؤوا الصعود كانت درجة الحرارة في الثلاثينات، وتقل تدريجياً حتى تصل في القمة إلى 20 تحت الصفر؛ الأمر الذي يستدعي أن يغير الفريق ملابسه بما يلائم الجو بين مرحلة وأخرى.وعلى امتداد الغابة الجبلية التي صعدها الدح وأصدقاؤه تنتشر مجموعة من الحيوانات مثل «البافالو» والثعابين؛ إلا أنهم كانوا يبيتون الليلة في نهاية الغابة بعيداً عن مخاطرها، مشيراً إلى أنهم سمعوا عن الأسد الجبلي ولم يروه، وأن هذه الحيوانات تبدأ في الاختفاء تدريجياً مع صعود الجبل؛ لأن درجات الحرارة في الأعلى لا تسمح لها بالحياة. ويضيف: «في كل يوم يخبرك القائد عن تفاصيل اليوم الثاني، والمسار الذي سنأخذه، والاحتياجات التي يجب عليك أن تأخذها في الحقيبة اليومية، ونوعية اللبس، خاصة إذا ما كنا سنواجه أمطاراً. ويبدأ اليوم بوجبة الإفطار يليها المشي على الجبال، حيث يمضي الجميع بإيقاع واحد، وبعد ذلك يأخذون قسطاً من الراحة ويتناولون غداءهم».ويتابع الدح قائلاً: «في اليوم الأول كانت مدة المشي 5 ساعات ونصف الساعة، وفي الثاني 8 ساعات، وبعدها 12 ساعة، حتى وصول القمة في اليوم الأخير. لم نواجه صعوبة الاستيقاظ باكراً لأنه يعتبر أمراً عادياً بالنسبة لنا، وأفضل وقت كان وقت وجبة العشاء، لأن فيها يجتمع الكثيرون، كان معنا أصدقاء من الكويت، ومصر. الجميع يتحدث عن ما شاهده وعن التحديات التي جابهته أثناء اليوم، فننظر للطبيعة من زوايا متعددة».فالصعود إلى قمة الجبل كان يمثل تحدياً كبيراً بالنسبة للمجموعة، بحسب جاسم البلوشي، الذي يصف الأمر قائلاً: «وُفقنا بهمة الشباب وبالعزيمة والإصرار، وتحدينا أنفسنا ومن هم حولنا من الناس السلبيين، لكن اجتزناها ونتطلع للمزيد من التجارب في هذا الأمر»، مؤكداً أنهم بذلوا جهوداً مضنية في سبيل رفع علم الدولة على القمة عبر تمارين على المشي المتواصل ل6 ساعات وغيرها من التجارب في جبال رأس الخيمة؛ الأمر الذي أهّلهم بدنياً للمهمة.أما محمد عبد الله بوخاطر، الذي يعد السفر من أحب هواياته، فيشير إلى أن هذه الرحلة أتاحت له الفرصة للتعرف إلى أماكن وحيوات جديدة، أكسبته معرفة بالسفر والمغامرات، مؤكداً أن هذه المعرفة جعلته يفكر في تهيئة نفسه أولاً، فحين قرر خوض التجربة بدأ التفكير في هذا الأمر من كل جوانبه، لأن هنالك جانباً نفسياً وصحياً يتطلب رغبة من الشخص ودعماً ممن حوله، وهو الأمر الذي وجده عند أصدقائه، فتجمعهم جعلهم يشجعون بعضهم بعضاً لإكمال المهمة التي تكللت برفع علم الدولة. وتختلف المصاعب من مجموعة لأخرى بحسب بوخاطر، فاليوم الأول يمكن أن يكون الأصعب مثلاً؛ إلا أنه لا توجد راحة لأنك في النهاية لا بد أن تنجز المهمة، وحتى حين تتمكن من الوصول لا يمكنك أن تبقى فترة طويلة في القمة بعد كل هذا التعب؛ لأن الأمر سينعكس سلباً على صحتك.ويتابع بوخاطر: «فرحتنا بالوصول ورفع العلم خففت عنا المتاعب، ومن لم يتسن له أن يعيش هذه اللحظات فسيقلل من أهميتها، ويقول أين المشكلة إذاً، لكن لا أحد يمكنه الإحساس بلذة وصعوبة الوصول إلا إذا كان هو من خاض التجربة بنفسه». دروس جديدة وكان القصد من الرحلة أن تكون مغامرة جديدة، لذلك فور اتخاذهم للقرار بدأ الجميع بالاطلاع على مميزات كلمنجارو، والأوقات المناسبة والأغراض والأدوات اللازمة للمهمة، وأثناء هذا الاطلاع اكتشفوا أن العالم كله يتجه لهذه القمة الجبلية النادرة، بحسب ما يروي لنا محمد الشارجي، موضحاً أن أول درس تلقوه في الرحلة، هو أن الوصول إلى القمة لا يتطلب استعداداً بدنياً قوياً فقط؛ بل يحتاج أيضاً لروح الجماعة، فهناك كثيرون لم يكملوا الطريق إلى القمة لأنهم تعبوا نفسياً. ويضيف الشارجي أنهم وصلوا للقمة عبر بوابة «مجامي رود» التي تستغرق الرحلة إليها 5 أيام، مشيراً إلى أن قلة الأكسجين في الأعلى كانت أمراً صعباً؛ لذلك كانوا يصعدون لمنطقة نسبة الأكسجين فيها أقل، لكنهم عند نهاية اليوم يعودون للنوم في منطقة بها أوكسجين أكثر، ويتابع: «كل شي كان يتم بشكل جماعي في مراحل الرحلة المختلفة. وللمشرفين دور كبير في رفع الروح المعنوية، كما أن الإيقاع كان واحداً الجميع يمضي بذات الخطوات دون أن يسرع، فالثقة الزائدة هنا مضرة تماماً، وحتى إن كانت لك طاقة كبيرة لا بد أن توزعها حتى تتمكن من بلوغ القمة». أجمل ما في الرحلة بحسب سلطان السويدي، هو أنها تجربة غير مألوفة، تنقطع فيها عن العالم وتعيش في مخيم من غير وسائل اتصال لمدة 5 أيام تتخللها أجواء باردة ومرتفعات، مشيراً إلى أنهم كانوا يعيشون تفاصيل الفصول الأربعة في نفس اليوم، كما استمتعوا بالتعرف إلى الأشجار الغريبة التي لم يسبق لهم رؤيتها.أما الميزة الثانية للرحلة بحسب السويدي فهي أنهم كانوا على قلب رجل واحد، عندما يتأذى أحدهم يتداعى له الجميع؛ الأمر الذي كان يخفف التعب ويجعل المتعة مرافقة له. ويشير إلى أن أصعب مرحلة في الرحلة كانت المرحلة الأخيرة، نظراً لقلة الأكسجين والبرودة العالية، ليضيف: «كنا نمشي كأننا على سطح القمر بخطوات بطيئة حتى لو كان المكان قريباً منا؛ إلا أن الجميع يمضي بذات الخطى، وقبل أن نصل إلى القمة هنالك نقطة تسمى (ستيلا)، من لا يعرف القمة ويصل هنا يظن أنه وصل، لكن بلوغها يتطلب 45 دقيقة، هذه المائة متر كارتفاع للوصول إلى القمة تعتبر أمراً صعباً، لكن حين وصلنا إليها غمرتنا الفرحة، ولم نشعر بالتعب عندما رفعنا العلم؛ لأن هذا الإحساس مريح بالنسبة لنا. طوال الرحلة يكون لديك قلق من أن يتعب أحد الأصدقاء، والنزول هو المتبقي فقط. الإنجاز هو في وصول القمة، لأن لكل يوم تعبه وظرفه».
مشاركة :