في ظل ازدياد تعقّد العلاقة بين المهاجرين المسلمين وسكان الدول الغربية التي تستقبلهم، اتخذ الجدال حول أنماط الثياب الذي تتبعه المرأة المسلمة دوراً مركزياً للغاية في هذا السياق، فقد أصدرت محكمة العدل الأوروبية قراراً يقتضي بأن منع الحجاب (وكل الرموز الدينية الأخرى) داخل أماكن العمل يمكن أن يكون قانونياً؛ ليكون بمثابة حلقة في سلسلة من الأحكام التي صدرت حول هذه القضية الشائكة. على الرغم من أن محكمة العدل الأوروبية استندت في هذا القرار على عدم التحيز الديني، وأيضاً ضد إظهار الرموز الدينية في أماكن العمل (بما فيها الصليب المسيحي، على سبيل المثال)، قضت المحكمة العليا للولايات المتحدة على عكس ذلك، ففي الدعوى التي أقامتها إحدى الموظفات في سلسلة "إبركرومبي فيتش" عام 2015، وأصدرت عقبها لجنة المساواة في فرص العمل الفيدرالية تقريرها المتعلق بالقضية، أصدرت المحكمة العليا للولايات المتحدة حكمها لصالح الموظفة، وقد جاء القرار بأغلبية بين القضاة بواقع ثمانية قضاة من أصل تسعة، على الرغم من أن ادعاءات الموظفة التي تقول إن حجابها تعارض مع سياسة ارتداء الملابس التي تنتهجها الشركة، غير أن القاضي الذي عارض الحكم، وهو القاضي توماس، برَّر قراره قائلاً إن محكمة العدل الأوروبية أوضحت أن قواعد اللبس هي سياسة محايدة ولا يمكن أن تكون أساسًا لقضية تمييز، بيد أنه حتى في الولايات المتحدة، لا تكون نتائج مثل هذه القضايا واضحة دائماً، ففي عام 2012 مثلاً، خسرت موظفة محجبة دعوى أقامتها ضد شركة ديزني لاند التي كانت تعمل فيها. وبغض النظر عن الأحكام القضائية، يبدو أن قضية الحجاب صارت محلاً للخلاف بين أبناء الغرب، الذين يعتقدون أن تزايد أعداد الحجاب حولهم يمثل غزواً ثقاقياً، وبين الأشخاص الذين يكونون في الغالب من أصحاب الأعمار الصغيرة بين السكان المسلمين الذين ينظرون إليه باعتباره رمزاً للمقاومة، إلا أن الحجاب، عوضاً عن كونه إملاءً دينياً، فهو يميل أكثر لكونه محاولة بائسة لصياغة هوية هي في الأساس هُجَّرت بدرجة كبيرة نتيجة لحركات النزوح. إذ إن النساء في الدول ذات الأغلبية المسلمة، اللائي يرتدين الحجاب، يفعلن هذا في الغالب بسبب ضغوط عائلية أو ضغوط من جانب الدولة، في حالة دول مثل السعودية وإيران، والمثير للسخرية أن النساء اللائي يرتدين الحجاب في الدول الغربية يفعلن ذلك باختيارهن، وبينما قد تحيط النساء في الشرق الأوسط أنفسهن بملابس إضافية حتى يدرأن أعين الرجال الذين يحدقون فيهن، والذين يسيطرون على المجال في الأسواق وأماكن العمل، أخبرتني بعض المسلمات في العالم الغربي بأنهن يجدن الحجاب أكثر حرية وتمكيناً. باعتباري شخصاً عاش جزءاً من صغره في السعودية وشاهدت بنفسي الاضطهاد الذي تمر به المرأة من خلال فرض الحجاب عليهن، يعتبر ذلك بكل تأكيد مبدأً غريباً بالنسبة لي كي أقبله؛ إذ إن الخلط المستمر بين المرأة المسلمة والحجاب في وسائل الإعلام الغربية شيء أجده مزعجاً، يوجد عدد لا يحصى من المسلمات المتدينات والملتزمات اللائي لا يغطين شعورهن، وعلى الصعيد الآخر، يوجد هؤلاء اللائي يرتدين الحجاب لكنهن غير مهتمات للغاية باتباع بعض الأوامر الإسلامية الأساسية. فقد علمنا على مدى أجيال أنه لكي يكون المرء صادقاً مع العقيدة الإسلامية، ينبغي أن يصدِّق على أنه لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، يؤكد القرآن مراراً وتكراراً أهمية أن يحافظ المرء على الصلاة وعلى إعطاء الصدقة للفقراء وإطعام المحتاجين ورعاية الأيتام، إلا أن القرآن لم يذكر في مرة واحدة الحجاب أو غطاء الرأس بطريقة واضحة باعتباره ضرورة إسلامية. ثمة قليل من الآيات القرآنية التي تنصح بالاعتدال في اختيار الملابس، ولكن دعونا نقتبس سطراً من الفيلم الباكستاني الشهير "من أجل الله" (Khuda ke liye) "كيف يمكن لدين أُرسل لأن يكون صالحاً لكل الأوقات وكل الناس أن يصرّ على ثياب واحد محدد؟". فقد أكد مجموعة من العلماء المسلمين الموثوق فيهم في عديد من الدول، مثل مصر وباكستان والمغرب، وجهة النظر التي تقول إن مسألة اعتدال الثياب تخضع للاجتهادات والاتجاهات وهي لا تضم بالضرورة تغطية الرأس. ومن المفارقة أنه في الوقت الذي يعلن فيه عدد كبير من أبناء الغرب تزايد امتعاضهم من الحجاب، ولسوء الحظ أظهر بعض هؤلاء امتعاضهم في شكل هجمات عدائية ممتلئة بالإسلاموفوبيا ضد النساء المحجبات، تندفع صناعة الموضة نحو تبني الحجاب، فبعد أن أدرك العاملون في هذه الصناعة المكاسب المحتملة من تسويق منتجات للمحجبات، تحمل علامات تجارية، لإرضاء رغبات جيل الألفية، كان حجاب "نايك برو" -الذي يبلغ سعره 80 دولاراً- أحدث الإضافات من أجل القفز فوق عربة "الأزياء المعتدلة"، كما اتخذت "دولتشي آند غابانا" خطوات إضافية، من خلال مجموعة من الحجاب والعبايات ذات الأشكال الرائعة والفاخرة، التي تستهدف بكل تأكيد دول الخليج الغنية بالبترول، كما أضافوا إلى هذه المجموعة النظارات الشمسية والحقائب التي قد تكلفك آلاف الدولارات، هل هناك أي اعتدال؟ ولكي نُبقي على حالة الجدل، قدمت مجلة بلاي بوي منذ أشهر أول امرأة مسلمة محجبة بين صفحاتها، أما مؤيدوها فقد قالوا إنه كان "دليلاً قوياً على الاعتدال"، أو ربما خطوة أخرى في كسر الحواجز أمام من يرتدين الحجاب، لكني كنت أراه قلب مبدأ الحجاب رأساً على عقب، إلا أن القرآن لا يملي شكلاً دقيقاً من الثياب على النساء أو الرجال، بل يسألهم أن يتعقلوا وأن يعتدلوا وألا يلفتوا الأنظار إليهم بدون ضرورة، كما تقول إحدى الآيات التي يتكرر ذكرها، للرجال والنساء "قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ" (الآية 30 من سورة النور)، فيما يُعرف أن المسار التاريخي الذي تتخذه بلاي بوي هو على عكس هذه الفلسفة تماماً. وعليه.. لا يعني مبدأ الاعتدال الإسلامي أن نقيم الحدود وأن نستثير صراع الهويات مع المجتمع الأكبر، بل ببساطة أن نحافظ على اللياقة والاحترام والانسجام بين الرجال والنساء. باعتبارنا مسلمين في بلاد الغرب، سيكون من الأفضل لنا أن نركز على المبادئ الأساسية غير المتنازع عليها في ديننا، وأن نجد أرضية مشتركة مع المعتقدات الإبراهيمية الأخرى، وفقاً للمبادئ المشتركة مثل مساعدة سد حاجة المحتاجين ومساعدة المطحونين. - هذا الموضوع مترجم عن النسخة البريطانية لـ"هافينغتون بوست"؛ للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط . ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
مشاركة :