بداية العام الحالي، أطلق ناشطون وناشطات في لبنان حملةً تحت عنوان "سكّر خطّك" لمجابهة ارتفاع أسعار الاتصالات الخليوية في البلاد، قياساً بالأسعار السائدة في المنطقة العربية وحتى عالمياً، ودعت الحملة إلى إغلاق الهواتف النقالة والتواصل بها عبر الإنترنت لدفع شركات الاتصالات لتخفيض الأسعار. وعلى الرغم من أن السلطات اللبنانية قد قامت خلال السنوات الماضية بخفض أسعار الاتصالات أكثر من مرة، إلا أنها ما زالت مرتفعة وتشكل عبئاً إضافياً على المواطنين والمقيمين في البلاد.فقطاع الاتصالات يشكل رافداً مالياً كبيراً للدولة إلى جانب الضريبة على القيمة المضافة والجمارك.أقوال جاهزة شاركغردتشكل المكالمات عبر الإنترنت تحدياً أمنياً لكثير من الحكومات العربية شاركغرديوجد تحالف ضمني بين الحكومات العربية وشركات الاتصالات ضد تطبيقات المكالمات عبر الإنترنت باستثناء لبنان، تعتبر الدول العربية عموماً من الدول ذات الاتصالات الخليوية الرخيصة. في منطقة يستعمل فيها حوالي 298 مليوناً الهواتف الجوالة أي بنسبة 132% من العدد الجملي للسكان في العالم العربي، في عام 2016 وبزيادة تقدر بـ8.9 مليون عن عام 2015. لا يمكن النظر والحكم على أسعار الاتصالات في الدول العربية بعيداً عن معدل الرواتب والقدرة الشرائية في هذه الدول. في لبنان، تعتبر الأسعار باهظة لأنها أولاً من بين الأعلى عالمياً وبعيدة في قيمتها عن معدلات المنطقة، إذ أشار مسح اجرته شركة Arab Advisors Group عن سوق الاتصالات الخليوية في العالم العربي في 2015 إلى ان لبنان سجّل أعلى رسم في الشبكة الخليوية المدفوعة مسبقاً بين 15 دولة عربية. وثانياً، وهذا الأهم، لا تتوافق مع متوسط الرواتب في البلد ولا مع القدرة الشرائية للمواطنين والمقيمين. إذ يبلغ متوسط الرواتب في البلاد حوالي الألف دولار مع قدرة شرائية لا تتجاوز الـ 50%. في المقابل، تعتبر أسعار الاتصالات الخليوية في دول الخليج رخيصة جداً قياساً لمتوسط الدخل الشهري الذي يتجاوز الألفي دولار في أغلبها وتصل إلى 3700 دولار في الإمارات. كما ترتفع فيها القدرة الشرائية إلى 138% في السعودية على سبيل المثال.حرب ضد المكالمات المجانية مع انتشار الإنترنت في المنطقة العربية، حيث قفز عدد مستخدمي الشبكة في الشرق الأوسط إلى 128 مليوناً سنة 2016، بزيادة 21.4 مليوناً عن 2015 أي حوالي 17%، وجد المستهلكون بديلاً مجانياً عن الاتصالات الهاتفية في التطبيقات التي توفر خدمات المكالمات الصوتية والمرئية. لكن بعض الدول عمدت إلى قطع الطريق أمام مجانية الاتصال عبر الإنترنت، بدعوى حماية الشركات وخاصة لأسباب أمنية وسياسية، خاصة وأن عملية الرقابة على المكالمات عبر الإنترنت أكثر صعوبةً وتعقيداً من المكالمات الهاتفية. في المغرب، تكبدت شركات الاتصالات خسائر فادحة تم تقديرها بأكثر من 30%، طبقاً لإحصائيات غير رسمية، بسبب اعتماد المستهلكين على خدمات المكالمات الصوتية والمرئية التي توفرها تطبيقات سكايب، فايبر، واتساب، وفيسبوك وماسنجر. لكن الأمر لم يتوقف عند ذلك الحد، فقد طالبت شركات الاتصالات السلطات المغربية بإجراءات حمائيةً لفائدتها، مما دفع الوكالة المغربية لتقنين المواصلات مطلع العام 2016، إلى منع الاتصالات المجانية عبر الإنترنت لأنها "تُلحق خسارة بشركات الاتصالات الوطنية ولا تخضع لنظام الترخيص ولا تستوفي الشروط الضرورية ولا تطابق النصوص التنظيمية الجاري بها العمل". لكن السلطات عادت وألغت قرارها بعد منع استمر نحو عام، عشية افتتاح المؤتمر الدولي حول المناخ في نوفمبر الماضي وذلك لأسباب سياسية.أكمل القراءة وكلف ذلك الاقتصاد المحلي المغربي خسائر قدرت بأكثر من 320 مليون دولار، وفقاً لورقة بحثية نشرها مركز تكنولوجيا الابتكار التابع لمؤسسة بروكينغز، خاصة بالنسبة للشركات العاملة في القطاع الرقمي. وقبل ذلك، كانت الهيئة العامة لتنظيم قطاع الاتصالات في الإمارات قد أعلنت في أغسطس 2015 حظر المكالمات الصوتية عبر الإنترنت ، مشيرةً إلى أنها تعد من الأنشطة المنظمة في الدولة، وأنه يحظر إجراء المكالمات الصوتية عبر هذا البروتوكول إلا من خلال الشركات المرخص لها. وشمل الحظر خدمة "سكايب"، وكذلك الاتصالات الهاتفية عبر "واتساب" و"فايبر"، وأي برنامج آخر يعتمد المكالمات الصوتية عبر بروتوكول الإنترنت. وفي سبتمبر 2016 الماضي قامت السلطات السعودية بحظر تطبيق مكالمات تطبيق التراسل لاين Line في المملكة دون إعلان رسمي يوضح حقيقة الحجب. ما دفع نشطاء على الإنترنت إلى إطلاق وسم #حجب_مكالمات_اللاين، تناقل من خلاله كثير من المستخدمين طرقاً لتوفير بدائل لتطبيق لاين، وكذلك إرشادات لكيفية تجاوز الحجب. لذلك تبدو الحرب ضد تطبيقات المكالمات المجانية خاسرة. فكلما عمدت الحكومات العربية إلى المنع يستنبط المستخدمون طرقاً جديدة في فك الحظر أو يغيرون وجهتهم إلى تطبيقات أخرى توفر ميزة المحادثات الصوتية والمرئية المجانية.أرباح خيالية ويشهد قطاع الاتصالات في العالم العربي نمواً كبيراً. إذ تحقق شركات الاتصالات أرباحاً ضخمة سنوياً. ونجد أكثر من ثماني شركات اتصالات ضمن أقوى مائة شركة عربية لسنة 2016، وفقاً لقوائم مجلة فوربس الشرق الأوسط. فقد حققت مجموعة اتصالات الإماراتية، التي لديها 169 مليون مشترك وتعمل في 16 دولة في افريقيا والشرق الأوسط وأسيا، إيرادات تجاوزت 14 مليار دولار سنة 2016 وبلغت أرباحها 2.6 مليار مع قيمة سوقية وصلت إلى 44.4 مليار دولار وارتفعت بنسبة %66 مقارنة بالعام الماضي، وفقاً لتقييمات فوربس السنوية. وجاءت في المركز الرابع ضمن أقوى 100 شركة عربية. أما الاتصالات السعودية –STC، التي تعتبر أكبر شركة اتصالات في السعودية، فقد بلغت إيراداتها 13.5 مليار دولار بصافي أرباح يقدر بـ 2.5 مليار دولار. فيما تقدر قيمتها السوقية بـ32.4 مليار دولار بحجم أصول يبلغ 25.8 مليار دولار. كما أنها تزاول عملياتها في تركيا، والهند، وجنوب أفريقيا، إلى جانب المنطقة العربية. في المقابل، حققت شركة أوريدو القطرية، التي تعمل في سوق شمال إفريقيا، في تونس والجزائر ومصر إيرادات بلغت 8.8 مليار دولار بصافي أرباح 630 مليون دولار، ويقدر حجم أصولها بـ 25.9 مليار دولار فيما بلغت قيمتها السوقية 8.1 مليار دولار. وقد حلت في المركز الـ 17 ضمن أقوى 100 شركة في العالم العربي لسنة 2016 في قوائم فوربس الشرق الأوسط. لكن هذا النمو لن يتواصل طويلاً في ظل المنافسة الشرسة وغير المتكافئة التي تواجهها الاتصالات الهاتفية من قِبل تطبيقات المكالمات المجانية على الإنترنت، على الرغم من الملاحقات الحكومية التي تحاول محاصرة هذا النوع من الاتصالات بدعوى حماية الشركات. وخاصة بذريعة التحديات الأمنية من قبيل محاربة الإرهاب، والحفاظ على الأمن القومي، لأن التواصل عبر التطبيقات يبقى خارج الرقابة نسبياً.اقرأ أيضاًأقوى الشركات العربية في عام 2016الإمارات الأغلى وتونس الأرخص: نظرة على أسعار الإنترنت في الدول العربيةكم تخسر الدول العربية بسبب انقطاعات خدمة الإنترنت؟ أحمد نظيف صحافي تونسي يهتم بشؤون الجماعات الدينية والأقليات، مؤلف كتاب "بنادق سائحة: تونسيون في شبكة الجهاد العالمي". يحمل إجازة في الإعلام وإجازة في الإخراج. كلمات مفتاحية أموال الإنترنت الوضع المعيشي التعليقات
مشاركة :