ما بين الرغبة والواقع طلاب جامعات تائهون في دهاليزها

  • 3/30/2017
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

سأل تشرشل حين أخبروه أن الدمار عمّ البلاد أثناء الحرب العالمية الثانية: ما وضع التعليم والقضاء..؟ أجابوه بخير. فقال: «متى كان التعليم والقضاء بخير كانت البلاد والمجتمع بخير». لذا، يُقاس مدى تطوّر المجتمع في أحد مناحيه بمدى تطوّر التعليم الجامعي فيه ونجاحه. غير أن الدول المُسمّاة بالنامية، لا تولي كبير أهمية أو إهتمام لهذا القطّاع إلاّ بمقدار حاجاتها البدائية من وظائف شاغرة، أو ما يفرضه إرتفاع نسب التعليم في المجتمع، وهذا ما نلمسه في تدنّي مستوى مُخرَجات هذا التعليم سواء في سوق العمل أو على المستوى الأكاديمي، جرّاء اعتماد مناهج وأبحاث قديمة بالنسبة الى ما وصلت إليه العلوم كافة، وأيضاً جرّاء سياسات متخلّفة داخل الجامعات، ليس أقلّها تدنّي نسب البحث العلمي والموازنات المرصودة له. عماد سنة رابعة علم إجتماع: «حقيقة لا يعجبني من هذا الفرع إلاّ أسمه، والسبب أنه بعيد كل البعد عمّا أبتغيته، فهو كما يقول هنريك أبسن «آلة الفرم التي تطحن أدمغة الجميع في عجينة واحدة، فتصبح كلها نقانق بشرية متشابهة!». أي أنها تنزع من عمرك أربع سنوات أو ست لتُصبح إمّا موجّهاً مدرسياً، أو أحد أعمدة مؤسسات التنمية البشرية الفاشلة. ندى، سنة خامسة طب بشري: «تتفاوت طرق التدريس في جامعتنا وفق كل دكتور، فمنهم المتعاون والذي يمدُّنا بالمراجع المطلوبة، ومنهم من يخرج عمّا يقوله في الكتاب الذي ألّفه للمادة، وهذا ما يُضيّع الفائدة العلمية المفروض تحقيقها، لتغدو حلقة مفقودة». وتتابع: «لا يقف الأمر عند هذا الحدّ، بل يتعداه إلى أمور أكثر خطورة، مثل الخلط بين العملي والنظري، فمثلاً في كليتنا وخلال السنوات الثلاث الأولى هناك مواد نظرية لها قسم عملي، لكن الذي يحصل أن العملي هو عبارة عن نظري آخر، ويعتمد على مواضيع بصمية وحفظية غير مرتبطة أصلاً بالنظري، وهكذا نضيع في تجميع الأفكار من هنا وهناك بدل أن يكون الإعطاء ممنهجاً وعملياً. جوزيف، هندسة معلوماتية- سنة رابعة: «الخطة الدراسية لدينا سيئة للغاية، مستوى أو قيمة المادة العلمية ضعيفة وغير متوافقة مع اسم الكلية، فمن خلال الاطلاع على المقررات ومقارنتها بمحتواها نرى أن ما نتعلّمه بعيد تماماً عمّا يتطلّبه سوق العمل أو حتى المناهج في بقية جامعات العالم، طرائق التدريس فيها الكثير من الضعف سواء بالنسبة الى الدكاترة أو بالنسبة الى مدرّسي المواد العملية». يُتابع جوزيف: «خلال سنوات دراستي الخمس قلّة من المدرّسين الذين استطاعوا إيصال الأفكار المطلوبة، لولا استعانتنا وفي شكل كبير بمصادر خارجية، وذلك بسبب تفشّي الواسطات والمحسوبيات، حيث تسلّم بعض المواد بأقسامها النظرية والعملية إلى مُدرّسين غير حائزين على الماجستير، إضافة إلى عدم وجود مزوّد اتصال بشبكة الإنترنت، ما يدفعنا للجوء إلى المقاهي التي تستغلّنا وتكلّفنا مبالغ طائلة شهرياً. كذلك، لا يتوافر في الكلية (عارض البيانات) سوى ثلاثة أجهزة فقط، يتمُّ تناقلها بين مُدرّسي الكلية ودكاترتها للسنوات كلها، ما يضطّر بعضهم الى شرح المحاضرات بالأقلام على اللوح، بدلاً من الاستعانة بالوسائل التوضيحية على الحواسيب. وعلى صعيد الامتحانات، فالأمور أسوأ بكثير، إذ تؤكّد ندى وجود مشكلة بطريقة الأتمتة بالقلم الأزرق، فالوقت غير كافٍ، وإن ظُلِّلَت الإجابة خطأ بالأزرق فلن نستطيع محوها، وحين نسأل المعنيين عن الأتمتة بالرصاص يقولون الآلة لا تتجاوب إلاّ للأزرق كي تُحسب الإجابة، علماً أن التظليل بالرصاص كان معتمداً سابقاً. أمّا جوزيف فيقول «بالنسبة للإمتحانات حدّث ولا حرج عمّا نُعانيه، نشعر بأننا سندخل نفقاً لا نعرف نهايته سواء من حيث الأسئلة البعيدة أحياناً عن المقررات، أو التي لا تستطيع تقدير مدى صحة أو دقة الإجابة عنها، فالأمور خاضعة لمزاجية بعض الدكاترة أو المدرّسين، والنتيجة أن نسب النجاح منخفضة جداً، هي سياسة يعتمدها بعضهم من أجل أن يفوز برهبة الطلاب وخوفهم». ثرى، طالبة حقوق سنة ثالثة تعلّق: «بتُّ أضيق ذرعاً بالامتحانات، سواء لعدم تصحيح الأوراق، أو لنسبة النجاح التي لا تزيد على 30 في المئة، ما يضطّر الطالب إلى تقديم مواده أكثر من مرة، وعلى رغم ذلك لا ينجح إلاّ بعد طويل عناء». وتضيف دعاء سنة رابعة رياضيات: «من المفترض أن قسمنا عملي، لكنه في الواقع نظري بحت، بعض المُدرّسين أو الدكاترة يقدّرون العلامة وفق مزاجهم، وبعضهم الآخر يريد الإجابة نسخة عن المقرر، إن نسينا كلمة أو جملة يشطب السؤال كاملاً، وكثيراً ما نتوقع الحصول على علامة جيدة، لنُفاجأ بالرسوب». مكتب الشكاوى في جامعة دمشق أفادنا بأن المكتب يستقبل شكاوى الطلاب المتعلّقة بالامتحانات، حيث تنظر اللجنة إلى الأسئلة والدرجات الموضوعة عليها وإلى سلّم العلامات، ويدقق بالتفاصيل المكتوبة في ورقة الطالب مع تلك الموجودة في سلّم التصحيح، ومقاربة تفاصيل أخرى، مثل إن كانت الأسئلة منطقية. وفي حال كان الخطأ من أستاذ المقرر، تُشكّل لجنة علمية لدراسة الموضوع واتخاذ القرار المناسب، أو يُعاد تصحيح المادة. وإن كان الطالب مخطئاً في توقعاته يدقق في الملاحظات والحقائق كلها، وترفع اللجنة اقتراحها إلى الجهات المختصة ليتخذ القرار المناسب في حق الطالب إن كان مُدّعياً. هنا، وأمام هذا الواقع الذي عرضه بعض الطلبة، نتلمّس مدى ما يُحيق التعليم الجامعي من أضرار تندرج لفداحتها ولا شكّ في خانة الجرائم المادية والمعنوية أحياناً، بسبب عدم إيلاء هذا القطاع الحيوي ما يستحقه من إهتمام سواء من حيث المناهج وطرق التدريس الحديثة، أو توفير البُنى التحتية اللازمة، وكذلك تخصيص موازنات كافية وداعمة للبحث العلمي الذي لا يمكن الجامعات أن ترتقي بعيداً منه. فهل يُدرك القيّمون عليه حجم خسارة الدولة والمجتمع إذا ما بقي طلبة الجامعات تائهين في دهاليزها المُعتمة، ومدى معاناتهم وخيبة أملهم وهم ينتظرون لحظة تخرجهم بفارغ الصبر؟

مشاركة :