واصلت أسعار النفط مكاسبها السعرية في الأسواق الدولية لليوم الثاني على التوالي، بدعم من الصعوبات التي أدت إلى تعطل الإنتاج الليبي وتوقف حقول رئيسية هناك، وهو ما قلص المعروض النفطي العالمي بشكل مفاجئ، كما تلقت الأسعار دعما من انخفاض الدولار إلى جانب التأثير الأهم والأكبر الناتج عن توقعات تمديد العمل باتفاق خفض الإنتاج بين "أوبك" و"المستقلين" ليتم مد العمل به على مدار العام الجاري 2017.ويكبح تحقيق مزيد من المكاسب استمرار تسجيل المخزونات النفطية مستويات مرتفعة تحد كثيرا من خطط استعادة التوازن في السوق، ويؤكد بعض المراقبين أن عدد المنتجين في منظمة أوبك المؤيدين لتمديد اتفاق خفض الإنتاج العالمي لمدة ستة أشهر أخرى حتى أواخر هذا العام بلغ ستة أعضاء، وقد أعلنوا ذلك بشكل نهائي ومباشر، بينما ما زال الباقون يدرسون الموقف، لكن الجميع أقرب إلى الإقتناع بأن علاج ارتفاع المخزونات يتطلب تمديد العمل بالاتفاق.وفي هذا الإطار، يقول لـ "الاقتصادية"، بيرنارد لوني مدير مشاريع المنبع في عملاق الطاقة بريتيش بتروليوم "بي بي"، "إن الجهود المبذولة للسيطرة على فائض المعروض جيدة خاصة أن كبار المنتجين يقومون بها وعلى رأسهم السعودية وروسيا"، مشيرا إلى أن توازن السوق وتعافي الأسعار سيؤديان إلى انتعاش مواز في الاستثمارات بما يؤمن الإمدادات على المدى الطويل".وأضاف لوني أن "المرحلة الراهنة التي تتسم بزيادة الشكوك في جدوى الاتفاقيات وفي معدلات النمو للاقتصاد العالمى وتذبذب السوق وزيادة تقلبات الأسعار تتطلب جهودا خاصة في تفعيل التعاون، خاصة على مستوى الشركات" معتبرا أهم مجالات التعاون في تقديره - إلى جانب جذب التكنولوجيا ورفع الكفاءة - ضرورة العمل على توحيد معايير الإنتاج والتصنيع في صناعة النفط، لافتا إلى أن هذا الأمر سيؤدي إلى زيادة جهود التعاون وتقليل تكاليف الإنتاج لجميع الشركات وبالتالي ستمتد الفوائد من هذا الأمر إلى استفادة المستهلكين أيضا.ونوه لوني بوجود جهود مكثفة ومتسارعة في أغلب الدول المنتجة للحد من الانبعاثات الضارة وتفعيل خطة التحول في مجال الطاقة نحو زيادة الاعتماد على الغاز وموارد الطاقة المتجددة مع تحسين كفاءة الإنتاج في مجال النفط الخام، متوقعا أن نمو انبعاثات الكربون سيتباطأ بشكل كبير مستقبلا من 2.1 في المائة سنويا على مدى السنوات الـ 20 الماضية إلى 0.6 في المائة سنويا على مدى السنوات الـ 20 المقبلة.وقال لوني "إن دور النفط والغاز سيستمر مهما ومؤثرا في منظومة الطاقة العالمية وسيقطع إنتاجهما خطوات قوية وسريعة بأكثر من المتوقع في مجال تقليل الانبعاثات وسيمثلان معا النصف من مزيج الطاقة في العالم بحلول عام 2035"، وأضاف أنه "سيتم استخدام النفط بكفاءة أكبر في السنوات المقبلة، وأن الاعتماد على النفط الخام سينمو بنسبة 0.7 في المائة سنويا في السنوات المقبلة كما سينمو المعروض النفطي بنحو 15 مليون برميل يوميا ليصل الإنتاج إلى 110 ملايين برميل يوميا بحلول عام 2035".من ناحيته، أوضح لـ "الاقتصادية"، أمبرجيو فاسولي مدير مركز دراسات الطاقة في مدينة لوزان السويسرية، أن طفرة الإنتاج الأمريكي وزيادة المخزونات ما زالت تثقل كاهل السوق وتحول دون تعافي الأسعار وهو ما جعل فكرة تمديد العمل باتفاق خفض الإنتاج بين "أوبك" و"المستقلين" مرجحة على نحو واسع حتى نهاية العام مع وجود آمال واسعة في أن يشهد الإنتاج الامريكي بعض التباطؤ بما يسمح بعودة انتعاش الأسعار مرة أخرى.وأضاف فاسولي أن "اجتماع لجنة مراقبة اتفاق خفض الإنتاج في الكويت نهاية الأسبوع الماضي أكد أن فرص تمديد العمل بالاتفاقية كبيرة خاصة أن المخزونات ما زالت عند مستويات قياسية في الارتفاع، كما استفادت الأسعار خلال اليومين الماضيين وعلى نحو جيد بتوقف الإمدادات الليبية بشكل مفاجئ إضافة إلى هبوط الدولار نتيجة إخفاق الإدارة الأمريكية في السياسات الصحية وهو ما عزز أيضا نمو أسعار النفط".من جانبه، يقول لـ "الاقتصادية"، ردولف هوبر الباحث في شؤون الطاقة ومدير أحد المواقع الإلكترونية المتخصصة، "إن بعض التقارير الإعلامية الروسية أشارت إلى أن موسكو تستعد للتأقلم مع مستوى سعر 40 دولارا للبرميل"، لافتا إلى أن هذا الأمر محل استغراب خاصة أن روسيا تقود بالتعاون مع دول "أوبك" اتفاقا للحد من المعروض النفطي وخفض الإنتاج دعما للأسعار، معتبرا أن الأمر ربما يكون وثيق الصلة بالمخاوف من طفرة أكبر من الإنتاج الصخري الأمريكي تضعف جهود تعافي السوق واستعادة الأسعار الملائمة.وأوضح هوبر أن وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك أكد أيضا أن الأسعار الحالية حول 50 دولارا للبرميل جيدة وأن توازن العرض والطلب ليس بعيد المنال، مشيرا إلى أن مستوى 40 دولارا للبرميل من الصعب أن يكون مرضيا للميزانية الروسية الضخمة التي تتعدد فيها أوجه الانفاق خاصة أنها تخوض صراعات سياسية في أوكرانيا وسورية. وتوقع هوبر أن يكون هدف حديث روسيا عن سعر 40 دولارا مجرد عوامل نفسية ورسالة للمنتجين الأمريكيين تؤكد القدرة على الصمود والمنافسة تحت أى ظروف ولكن عمليا لا الاقتصاد الروسي أو اقتصاديات دول "أوبك" قادرة على تحمل فاتورة العودة مرة أخرى إلى مستويات أسعار النفط الخام المتدنية. من ناحية أخرى وفيما يخص الأسعار، فقد عززت أسعار النفط أمس المكاسب التي حققتها في الجلسة السابقة على الرغم من بيانات أظهرت زيادة في مخزونات الخام الأمريكية وذلك بدعم من تعثر إمدادات النفط الليبية وتوقعات بتمديد العمل باتفاق خفض الإنتاج الذي تقوده "أوبك".وبحسب "رويترز"، فقد ارتفعت عقود أقرب شهر استحقاق لخام القياس العالمي مزيج برنت 41 سنتا إلى 51.74 دولار للبرميل، وزادت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط 34 سنتا إلى 48.71 دولار للبرميل. وتسببت احتجاجات نظمها مسلحون في تعطل إنتاج الخام من حقلي الشرارة والوفاء في غرب ليبيا ما قلص الإنتاج بنحو 250 ألف برميل يوميا ودفع المؤسسة الوطنية للنفط إلى إعلان حالة القوة القاهرة.وقال جريج ماكينا كبير محللي الأسواق لدى "أكسي تريدر" للوساطة "إن تعثر الإمدادات من ليبيا إلى جانب تصريح وزير النفط الإيراني بأن هناك احتمالا لتمديد اتفاق خفض الإنتاج ساعدا على ارتفاع أسعار النفط الخام في الأسواق الخارجية".ويأتي ارتفاع أسعار النفط على الرغم من زيادة مخزونات الخام الأمريكية في الأسبوع الماضي، وقال معهد البترول الأمريكي "إن مخزونات الخام الأمريكية زادت 1.9 مليون برميل إلى 535.5 مليون برميل"، بينما أشارت توقعات مسح "بلاتس" إلى ارتفاع قدره 300 ألف برميل، في الوقت الذي تراجعت فيه مخزونات البنزين 1.1 مليون برميل خلال الأسبوع الماضي في حين هبطت مخزونات نواتج التقطير – التي تشمل وقود التدفئة والديزل – مليوني برميل.Image: category: النفطAuthor: أسامة سليمان من فييناpublication date: الخميس, مارس 30, 2017 - 03:00
مشاركة :