أليس في بلاد العجائب.. متلازمة مَرضية من جاء أولاً الرواية أم المرض؟

  • 3/30/2017
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

"أليس في بلاد العجائب" رواية كتبها لويس كارول عام 1865 وتم تمثيلها في فيلم كرتوني وكانت ذا وقع مؤثر على الأطفال والكبار. تدور أحداث الرواية عن وقوع الفتاة أليس في حفرة وابتداء رحلتها في عالم العجائب حيث الأشياء الصغيرة تبدو أكبر، والمسافات تبدو مشوهة، وتمرّ أليس بأوقات تفقد فيها الشعور ببعض أعضاء جسمها، في حين تشعر بأن رأسها أكبر من باقي جسمها وغير متناسق معه في بعض الأحيان. على الرغم من أن الرواية كُتِبَت عام 1865، فإن الطب استغرق 100 عام لاكتشاف ماهية بلاد العجائب التي زارتها أليس، كُتِبَ عنها للمرة الأولى عام 1952 عندما وصف الدكتور ليبمان حالة هلوسة الصداع النصفي، حيث اعتبر الاضطرابات البصرية والسمعية والحسية نتيجة لحالة شديدة من الصداع النفسي التي تصيب المصابين بالشقيقة على سبيل المثال لا الحصر. أما في عام 1955، فقد قام الدكتور توود (الذي تُسمّى المتلازمة اسمه في بعض المراجع) بتوثيق وصف أكثر دقة حول المتلازمة وأعراضها الغريبة.هل المتلازمة اضطراب عصبي أم بصري؟ تقع الأولية والباحة البصرية الثانوية في الفص القفوي من الدماغ. الجهاز البصري المعروف بالعينين، والأعصاب البصرية وكل اللوازم الفسيولوجية المتعلقة به تعمل على تشكيل السيالات العصبية البصرية عند رؤية شيء ما، وترسلها إلى الباحة البصرية الأولية التي تفسر السيالات على شكل صورة حقيقية نستطيع رؤيتها. في حين يكمن دور الباحة البصرية الثانوية في إدراك الصورة، أي فهمها والقدرة على وصفها. إصابة هذه الباحة الثانوية تؤدي إلى ما يسمى "العمه البصري"، في حين أن إصابة الباحة البصرية الأولية تؤدي إلى "العمى". إذاً، العملية البصرية السليمة تتعلق بسلامة الجهاز البصري، سلامة تشكيل السيالات العصبية وانتقالها، سلامة الباحتين البصريتين الأولية والثانوية. في متلازمة "أليس في بلاد العجائب"، لا تُلاحَظ أي مشكلة خلال هذه العملية! إنما يتعلق الأمر بتعامل الدماغ مع السيالة العصبية المفَسّرة فتثبت الدراسات أن السبب الرئيسي للمتلازمة هو اضطراب عصبي ينتج عنه أعراض بصرية بالإضافة إلى أعراض أُخرى. قامت الطبيبة شينا أورورا بتصوير رنين مغناطيسي لأول مرة لطفل ذي 12 عاماً مصاب بمتلازمة "أليس في بلاد العجائب" حينها عن تدفق دموي غير طبيعي باتجاه الفص الجداري للمخ خلال نوبة بصرية.أعراض متلازمة أليس شعور المصاب باختلاف صورة جسمه: أي إن المصاب يشعر بأن أعضاءً معينة من جسمه تكبر أو تصغر بشكل غير متناسق مع أعضاء أخرى، وذلك يشابه وضع أليس حين تزور مملكة الأخت الشريرة في الفيلم المنتج من هوليوود، وأيضاً حين تحبس أنفاسها داخل إبريق الشاي هرباً من جنود الملكة. اضطراب تحديد المسافات، حيث يشعر المصاب بأن الأشياء أقرب أو أبعد إليه مما تكون عليه في الحقيقة. فقدان الإحساس بالوقت والحيز الذي يحتويه، مما يولد اضطراباً في الإحساس بالسرعة. فمثلاً قد يمشي المصاب مسافة قصيرة جداً ببطء شديد، في حين أنه يشعر لأنه يمشي مسافة كبيرة وبسرعة عالية. وقد طُرِح هذا العرض بالفيلم بشكل كوميدي في أثناء رحلتها مع جوبيتور للوصول إلى الملكة الصالحة. أعراض عامة قد تترافق مع الإصابة بهذه المتلازمة تتعلق بنظريات أخرى حول أسباب الإصابة مثل ارتفاع درجة حرارة الجسم، والتهاب الحلق، وتضخم العقد اللمفاوية ونسمة صداع الشقيقة. تكون هذه الأعراض على شكل نوبات تحدث عدة مرات في اليوم الواحد يكون المريض خلالها مرتعباً ومذعوراً، في حين غالباً ما يواجهها الأطفال بهدوء دون إدراك أن ما يرونه مخالفاً للطبيعة، كما حدث مع طفلة تروي والدتها اكتشاف المتلازمة لدى ابنتها عند موعد النوم. أخبرت الطفلة والدتها بأنها تشعر بصغر كل محتويات الغرفة عداها، عندها تذكرت الوالدة أعراض كانت تواجهها في الصغر تشابه ما سمعته من ابنتها، فبدأت بالبحث حتى تعرفت على متلازمة "أليس في بلاد العجائب". لاحقاً، تبين أن طفلها أيضاً مصاب بالمتلازمة نفسها ولم يفصح عن الأعراض من قبل. هنا، نعيد ذكر الطبيبة شينا أورورا التي تابعت الدراسة على سلالة كاملة من العوائل، تبين لها أن هذه المتلازمة قد تكون بنسبة كبيرة وراثية. أبيغيل موس، فتاة في الرابعة والعشرين من العمر تعاني متلازمة "أليس في بلاد العجائب" وتتحدث عن الأعراض التي تواجهها في هذا الفيديو: من جاء أولاً؟ المتلازمة أم الرواية؟ لويس كارول، كاتب رواية "أليس في بلاد العجائب"، اسمه الحقيقي تشارلز دودسن وهو محاضر رياضيات في جامعة أكسفورد، يذكر بعض أصدقائه أنه سرد قصةً عن طفلة تدعى "أليس" وقعت في حجر الأرنب ثم وجدت أرضاً خيالية عاشت فيها. تقول بعض المصادر إن تشارلز نفسه مصاب بمتلازمة "أليس في بلاد العجائب" وأنه كتب الرواية في محاولةٍ منه للتنفيس عن أعراض لم يكن يشعر بها غيره في ذلك الوقت، فكان يعبر عن نفسه بالكتابة، في حين استوحى شخصيات قصته من محيطه؛ فالقط الموجود في الرواية والمتميز بابتسامته العريضة يشبه تماماً النحت الجداري لقط في كنيسة سانت بيتر بكروفت في دارلينغتون، حيث كان والده يعمل قساً. لذلك يمكننا القول إنه وفقاً لروايات كثيرة ولبحث مطوّل قامت به شبكة BBC، فالمتلازمة والرواية كانتا متوافقتَين معاً في شخص الكاتب. لكن مهما كانت الحقيقة، لا تزال رواية "أليس في بلاد العجائب" والفيلم المنتج عنها بنسخه المتعددة متعةً ومغامرةً حقيقية عاشها الأطفال والكبار منذ صدورها.علاج متلازمة "أليس في بلاد العجائب" حسبما ذكرنا في بداية المقال، سبب المتلازمة بحد ذاته لا يزال مجهولاً بدقة، في حين أن أغلب العلاجات الحالية تتوجه نحو علاج الأعراض. أهم علاج هو أخذ قسط من الراحة. تعد الراحة علاجاً أساسياً للمصابين بهذه المتلازمة؛ للابتعاد عن حالة الهياج التي قد تصيبهم نتيجة عدم تأقلمهم مع المحيط. أما باقي العلاجات المقترحة، فمعظمها يرتبط بعلاجات الصداع النصفي (الشقيقة)؛ إذ تعد مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بمتلازمة "أليس في بلاد العجائب" منذ بداية اكتشافها. الأدوية مثل مضادات الاكتئاب، وحاصرات بيتا، وحاصرات الكالسيوم وحاصرات القنوات، تُستخدم أيضاً في العلاج. لكن أيضاً التوجه المسبب الأقرب يلعب دوراً في اختيار المعالجة الدوائية. فمثلاً، إذا وُجِدَ عند المصاب مشكلة في الفص الصدغي، فأدوية اللاميكتال والفينوباربيتول قد تُستخدم لتجاوز النوبة، وذلك قد يساعد في التقليل من شدة الأعراض مع الزمن. في حين أن الترجيح المعظم في الأسباب يتجه نحو الشقيقة، فعلاجات الشقيقة كمضادات الاكتئاب وحاصرات بيتا قد تضاف إلى إخضاع المصاب لحِمية الشقيقة بشكل حازم أكثر، ويتجسد ذلك بالابتعاد عن التناول الكثيف للشوكولا، والجبنة وأي مأكولات تسهم في إثارة الشقيقة. كذلك، يُنصَح المصابون بمتلازمة "أليس في بلاد العجائب" بالمشاركة في مجموعات دعم ومقابلة مصابين مشابهين لحالاتهم؛ ليتعلموا كيف يستطيعون ضبط أفكارهم بخصوص النوبات المتكررة. النقاشات الجماعية مع المصابين وتبادل الخبرات تسهم في منع تطور هذه الإصابة نحو اضطراب نفسي أو ربطه بمشكلات أخرى قد تكون وهمية في معظمها.

مشاركة :