السعوديون يعيدون رمضان أيام زمان مع غياب «المدفع» و«ابن ماجد»

  • 7/31/2013
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

الرياض: بدر الخريف للعام السابع على التوالي يحل شهر الصوم في أغلب المناطق السعودية في أجواء صيفية لاهبة، وهو ما أجبر السكان على وضع برنامج خاص لرمضان يتناسب مع هذه الأجواء، أهم بنوده تعديل الساعة البيولوجية لأفراد الأسر، وتحديد نوعية الأطباق والوجبات المقدمة لوجبتي الإفطار والسحور، مع الحرص على إبقاء مظاهر رمضان وسماته الماضية والتي اختفى الكثير منها ولم يتبق إلا ذكريات تحفظها ذاكرة كبار السن، والإبقاء على الأطباق السائدة والتي ارتبطت شرطيا بشهر الصوم وطالتها يدا التغيير، فقد اختفى مدفع رمضان الذي يطلق قذائفه وقتي الإفطار والإمساك، ولم يعد يسمع نظرا لاتساع المدن وكثرة الضوضاء التي تحجب سماع صوته، وحلول الفضائيات محل الإذاعة الوحيدة، وانصراف الناس عن متابعة الاستماع إلى المذياع خصوصا أذان المغرب الذي كان ينقل عبر الإذاعة على الهواء مباشرة بصوت المؤذن الراحل الشيخ عبد العزيز بن ماجد أحد أشهر مؤذني الجامع الكبير في الرياض والمعروف حاليا بجامع الإمام تركي بن عبد الله، ويعقبه بدء السكان في تناول القهوة والتمر ثم أداء صلاة المغرب في المسجد القريب من الحي والعودة إلى التحلق على مائدة الإفطار وتناول محتوياتها بدءا بشراب التوت ثم الأطباق السائدة وعلى رأسها طبق الحساء (الشوربة)، ومتابعة مسلسل «يوميات أم حديجان»، وهو المسلسل الرمضاني الشهير الذي يبث في شهر رمضان ويقوم بجميع أدواره الممثل الشعبي عبد العزيز الهزاع والذي يملك قدرة على تقليد 15 صوتا مختلفا لنساء ورجال وأطفال في وقت واحد. ووضع السكان في السعودية برنامجا خاصا لشهر رمضان، نظرا لطبيعة الشهر وحلوله في الإجازة المدرسية، حيث ضبطت أغلب الأسر الساعة البيولوجية لأفرادها، في حين فضل البعض من الأسر التوجه إلى المصايف لقضاء شهر الصوم في أجواء معتدلة، وسجلت الطائف المحطة الأكثر طلبا للإقامة فيها خلال الشهر لعوامل تتعلق باعتدال مناخها وقربها من مكة المكرمة، لزيارتها كل يوم وتأدية الصلوات فيها خصوصا صلاتي التراويح والقيام، ثم العودة إلى الطائف خاصة أن الوصول إلى مكة من وإلى الطائف أصبح مسيرا ولا يستغرق سوى نصف ساعة، كما فضل البعض من السكان الإقامة في أبها والباحة خلال شهر الصوم استفادة من الأجواء المعتدلة في هاتين المنطقتين وسط توقعات بتجاوز أعداد السياح خلال الموسم المليوني سائح. وأعادت الأجواء الحارة خلال شهر الصوم للعام السابع على التوالي والذي سيحل أغلبه في شهر يوليو (تموز) وأيام من شهر أغسطس (آب) اللهاب حيث ذروة الحرارة التي تصل معدلاتها إلى 45 درجة مئوية وقد تلامس الخمسين، ذكريات حفظتها ذاكرة الآباء والأجداد عن معاناة الصائمين في العقود الماضية وكيف تجاوزوا الصعوبات التي واجهوها وهم يؤدون الركن الرابع من أركان الإسلام، في حين وضعت الأسر برنامجا خاصا لرمضان يتناسب مع الأجواء الساخنة التي حل بها الشهر. ومع أن الجيل الجديد من السعوديين عايشوا شهر الصوم في فصل الصيف خلال السنوات السبع الماضية بعد نقلة كبيرة وتغييرات مفاجئة في أسلوب المعيشة لدى السكان، فإن كبار السن ممن تجاوزوا العقد الخامس من عمرهم يحملون ذكريات عن تلك السنوات ومظاهر رمضان في أجواء مختلفة، كما تختزن المنازل الطينية في المدن والقرى التي هجرها السكان إلى مساكن حديثة كنوزا من الذكريات مطمورة فيها وفي أزقتها عن الصوم ومظاهره ومعاناة ساكنيها من قضاء الشهر في أيام الصيف وأسلوب التعامل مع هذه الأجواء. وبدأت الأسر في إعداد أطباق رمضان المشهورة التي يأتي في طليعتها الحساء (الشوربة)، والمعكرونة والفطائر المختلفة والسمبوسة واللقيمات والمهلبية والكستر (التطلي)، بالإضافة إلى طبق الفول مع أرغفة التميس الشعبية، في حين تظل الكبسة السعودية سيدة مائدة السحور، وخلال السنوات الست الماضية التي حل فيها شهر رمضان خلال الصيف حرص السكان على تطعيم موائد الإفطار بالعصائر المختلفة لإطفاء عطش الصائمين مع تناول الفواكه الصيفية بعيد الانتهاء من تناول وجبة السحور ومنها البطيخ (الحبحب أو الجح) والشمام (الجرو) ليكون زادا للصائمين خلال النهار، وعمد المقاولون والشركات العاملة في قطاع البناء والتشييد إلى تنظيم الأعمال خلال الليل باستخدام الأنوار الكاشفة لإراحة عمالهم في ساعات النهار الساخنة. ولا يرى المعمّرون وجود صعوبات في الصوم خلال الأجواء الحارة الحالية قياسا بالأجواء المماثلة قبل عشرات العقود بسبب تغير أسلوب المعيشة وتوافر أجهزة التكييف والتبريد والإنارة وإمكانية إرجاء الأعمال الحرفية إلى الليل، حيث إن أغلب السكان في الزمن الماضي يعملون في الزراعة وبعض الأعمال الحرفية الأخرى، ويتذكر البعض أنه صام رمضان في أجواء مختلفة وفي ظل ظروف بالغة الصعوبة، حيث كان يعمل في مزرعة الأسرة خلال نهار قائظ، وواجه متاعب كثيرة لدرجة تعرضه لحالة إغماء بسبب العطش والإجهاد، خصوصا في موسم صرام النخيل (إنزال التمور من رؤوس النخيل بعد اكتمال نضجها ووصولها إلى مرحلة التمر وتعبئتها في صناديق أو أكياس). والبعض يتذكر جيدا كيف كان يعمل في رمضان بهمة ونشاط منذ الفجر وحتى وقت الضحى ليرتاح قليلا عند بركة الماء التي تسقي المزرعة ويؤدي صلاة الظهر في المسجد، ثم العودة للعمل في المزرعة، وقد بدا عليه الإجهاد، في حين أن ربة البيت كانت تعمل في المطبخ لإعداد وجبة الإفطار التي لا تتعدى طبق الحساء (الشوربة) المعد من القمح الذي تنتجه المزرعة، وطبق جريش أو مرقوق يصنعان من المادة نفسها، إضافة إلى القهوة والتمر، وأحيانا تجمّل المائدة بكميات من المريس (نقيع التمر) أو الأقط المجروش مضافا إليه الماء، إضافة إلى قطع من الإترنج المغموس بالماء والمضاف إليه السكر لإطفاء لهيب العطش، في حين لا تتعدى وجبة السحور طبقا من الأرز، أو الجريش أو المرقوق أو المطازيز (رقائق من القمح تطهى مع اللحم والبصل والطماطم)، وتتجنب الأسر الإكثار من الملح في كل وجبات السحور أو إعداد أكلات يحتاج من يتناولها إلى شرب كميات من الماء كالقرصان مثلا حتى لا يتسبب ذلك في متاعب للصائم نهارا، وكانت الروائح التي تنبعث من مطابخ المنازل الطينية عند إعداد وجبات الإفطار باستخدام السعف والجريد والحطب في ذلك مظهرا من مظاهر رمضان قديما، والجميع يتضورون جوعا انتظارا لحلول وقت الإفطار، بل إن روائح الأطعمة الرمضانية كانت تُشَمّ في جميع أرجاء المنزل إن لم يكن في كل أرجاء الحي. وكانت القهوة والتمر يمثلان عاملا مشتركا في مائدة الإفطار في كل المنازل، في حين أن اللبن مطلب في وجبة السحور، أما الطبق الرئيس بل والوحيد فهو المرقوق مع قطع البصل المطبوخة أو قطعة من القرع أو خضار مع أرغفة القرصان الخالية من الملح أو الجريش. ويستعيد كبار السن شيئا من معاناة السكان مع الصوم خلال أشهر الصيف، حيث إن جميع أبناء القرى والمدن يعملون إما في الزراعة أو الرعي أو المهن الحرفية كالنجارة أو الحدادة أو البناء، وقلة تمتهن الوظيفة الحكومية أو التجارة، لذا فإنهم يعانون من متاعب في النهار بسبب العطش، لدرجة أن البعض منهم يضطر إلى النوم إما بجوار القرب (مفرد قربة وهي أداة تبريد الماء مصنوعة من جلد الماشية) أو بالقرب من الأزيرة (أوان فخارية لتبريد الماء ومفردها زير)، كما أن البعض يضطر إلى النوم في حوض النخل المبلل بالماء، أو رش المياه على الملابس والسباحة في اللزاء (بركة تجميع المياه)، وحصلت للبعض حالات إغماء إما بسبب الإصابة بداء السكري ارتفاعا أو نقصا، أو بسبب العطش الشديد وعدم وجود أجهزة طاردة للحر باستثناء «المهفة»، وهي مروحة يدوية مصنوعة من الخوص ولها مقبض خشبي مصنوع من جريد النخل. وكانت الشعثاء (خليط من التمر والأقط والسمن) يتم تناولها في وجبة الإفطار وهي منتشرة عند أبناء البادية، وقد انتقلت هذه الخلطة إلى الحاضرة وهي مفيدة للصائم بعد ساعات كانت المعدة خالية، كما أنها مفيدة لمن يعاني من الإعياء بسبب العطش.

مشاركة :