الشريم في خطبته؛ لقد أكرم الله أمة الإسلام بشريعة غراء والتي جاءت لتحقيق المصالح ودرء المفاسد

  • 4/1/2017
  • 00:00
  • 11
  • 0
  • 0
news-picture

بدأ إمام وخطيب المسجد الحرام فضيلة الشيخ الدكتور سعود بن إبراهيم الشريم خطبته بوصاية الناس بتقوى الله سبحانه وتعالى فما خاب من عض عليها بالنواجذ واتقى ربّه في منشطه ومكرهه وغضبه ورضاه . وقال أيها المسلمون لقد أكرم الله أمة الإسلام بشريعة غراء كاملة بإكمال العليم الخبير لها هي قوام الأمة المسلمة وهي دين القيمة قاله تعالى (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) نعم عباد الله إنها شريعة الكمال التي لا يعتريها النقص بوجه من الوجوه وشريعة الحسن التي لا يشوبها عيب ولا اعتلال، كيف لا والمشروع هو من لا تخفى عليه خافية، من يعلم ونحن لا نعلم، من لا تحيط المخلوقات بشيء من علمه إلا بما شاء من يعلم ما كان وما يكون ولو كان كيف يكون قال جل وعلى(والله يعلم وأنتم لا تعلمون). عباد الله: إن الكلمة الجامعة المختصرة التي يمكن أن توصف شريعة الإسلام بها هي أنها جاءت لتحقيق المصالح ودرء المفاسد، أو فتح أبواب الخير وإغلاق أبواب الشر، في العقيدة والتشريع والخبر والإخبار فلا تدع ضرورة من الضرورات الخمس إلا سعت إلى تحقيق المصالحة فيها ودرء المفسدة عنها في ضرورة الدين وضرورة العقل وضرورة المال وضرورة العرض وضرورة النسب تدعو إلى النفع فيهن وتحض عليه، وتمنع الضرر والإضرار فيهن بدفعهما قبل وقوعهما أو برفعهما بعد الوقوع والدفع في شريعتنا الغراء أولى من الرفع فإن الوقاية خير من العلاج. وأضاف فضيلة الشيخ سعود الشريم : أيها المسلمون: إنكم لن تجدوا أمرا من أمور الدين والدنيا إلا هو راجع إلى أحد هذين الأصلين العظيمين، ولما كان الضرر و الإضرار خطيرين عظيمين ومفسدتين ظاهرتين أحاطتهما شريعتنا بسياج منيع يحمي الأمة فردا وجماعة من الوقوع في شركهما أو الالتياث ببعدوا هما؛ لذلك جاء من مشكاة النبوة ما يدل على منعهما والنهي عن مقاربتهما فضلا عن الواقع بهما فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "لا ضرر ولا ضرار"رواه ابن ماجه والدار قطني وغيرهما. لقد نفى النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه الضرر والضرار وهو ليس نفيا لوجودهما فإن الواقعين فيهما من أمته كثير غير أن النفي هنا نفي للإقرار على إيقاعه ونفي للإقرار بعد وقوعه ؛ ليكون النفي والنهي شاملين الضرر والإضرار بكل معانيهما وأحوالهما على مستوى الفرد والمجموع , فالضرر هو ماكان دون قصد , والضرار هو ماكان عن قصد , ويستوي في المنع الضرر والضرار بنفسه أو بغيره غير أن الضرار بالغير أعظم جرماً وخطيئة ( ولاتضاروهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن ) , ومن هنا اتفق أهل العلم قاطبة على قاعدة مشهورة كبرى تعد قواما في الفقه وحفظ الشريعة وهي قاعدة "الضرر يزال" نعم عباد الله الضرر ممنوع كله والضرار ممنوع كله فإذا تحقق أحدهما أو كلاهما في أمر وجب إزالته إن وقع أو دفعه قبل وقوعه , وقد رتب الشارع الحكيم الأجر والمثوبة على ذلكم كما قال النبي ( ص ) "وتميط الأذى عن الطريق صدقة" متفق عليه. وهذا يعم كل أذى ضرر صغيرا كان أو كبيرا قاصرا كان أو متعديا، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم "أنه نهى أن يتعاطى السيف مسلولا" رواه أبو داوود والترمذي، والمعنى نهى عن تناول السيف غير مخبأة في غمده حتى لا يجرح من تناوله. واستطرد الشريم فأنظروا يا رعاكم الله كيف جاءت تلكم النواهي عن تناول السيف مسلولا والإشارة بالحديدة في وجه المسلم فكيف بما هو أعظم من ذلكم من اقتتال المسلمين وإهراق دماء بعضهم بعضا بغير وجه حق وإيذاء بعضهم بعضا ومضارة بعضهم بعضا بالمكر والحقد والحسد والغيبة والنميمة والهمز واللمز والشحناء والبغضاء وأكل بعضهم أموال بعض ومضارتهم في دينهم وأعراضهم وعقولهم. عباد الله: إنه مهما كانت العقول البشرية من النضج والتفكير والمعرفة لم ولن تستطيع أن تأتي بأكمل ولا أتقن ولا أعدل من هذه القاعدة الشرعية العظيمة؛ لأن العقول مهما كبرت فهي صغيرة أمام علم الله وحكمته سبحانه وتعالى، والأفهما مهما اتسعت فهي ضيقة أمام إجاطة الله بكل شيء قال سبحانه جل في علاه(صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة)(ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون). إن صبغة الله ظاهرة جلية في منع الضرر والضرار حيث تعم كل ضرر كان سابقا أو حاضرا أو لاحقا؛ لأن الضرر والضرار جهل وفسوق يحجز المجتمع البشري عن الفلاح للفرد والأسرة والبيئة والمجتمع ما لم تكن إزالة الضرر والضرار من أولوياته في تشريعه وسلوكه ورقابته، فإن أذية المسلم من أعظم ما نهى الله عنه ونهى عنه رسوله صلى الله عليه وسلم، وهل الأذية إلا ضرر وضرار قال سبحانه (والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا)، وقد قال صلى الله عليه وسلم"كل مسلك على المسلم حرام عرضه وماله ودمه، التقوى هاهنا بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه" رواه مسلم. وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال"سباب المسلم فسوق وقتاله كفر". واستهل فضيلته الخطبة الثانية قائلاً: الحمد لله إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد ألاإله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله الدعي إلى رضوانه صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا أما بعد فاتقوا الله عباد الله واعلمو أنه رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم قد تركنا على البيضاء فلم يدعي خيرا إلاحذرنا منه ثم لينظر أحدكم إلى نفسه كيف أنها لاترضى بأن يضرها أحد من البشر أيا كان جنسه ولونه فكذلك الأخرون لا يرضون بمضارة أحد لهم؛ لذلكم كان الضرر بالغير علامة ضعف الإيمان لأن من مقتضيات الايمان إحترام الآخرين واحترام حقوقهم. عن أبي أمامة ـ رضي الله عنه ـ قال: (إن فتى شابا أتى النبيَّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: يا رسول الله، ائذن لي بالزنا!، فأقبل القوم عليه فزجروه، وقالوا: مه مه، فقال: ادنه، فدنا منه قريبا، قال: فجلس، قال: أتحبه لأمك؟، قال: لا واللَّه، جعلني اللَّه فداك، قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم، قال: أفتحبه لابنتك؟، قال: لا واللَّه، يا رسول اللَّه جعلني اللَّه فداك، قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم، قال: أفتحبه لأختك؟ قال: لا واللَّه، جعلني اللَّه فداك، قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم، قال: أفتحبه لعمتك؟ قال: لا واللَّه، جعلني اللَّه فداك، قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم، قال أفتحبه لخالتك؟ قال: لا واللَّه جعلني اللَّه فداك، قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم قال: فوضع يده عليه وقال: اللَّهمّ اغفر ذنبه وطهر قلبه، وحَصِّنْ فرْجَه، فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء) رواه أحمد . ويختتم فضيلة الشيخ الدكتور سعود الشريم خطبته قائلاً: ألا وإن من سماحة الإسلام وعدله ألا يدفع الضرر بضرر مثله، ولا بضرر أعلى منه، ولا منكر بمثله ولا بأنكر منه، وإذا ما تزاحمت الأضرار في الأمر الواحد فيرتكب الضرر الأصغر لتفويت الضرر الأكبر، وهذا من تمام الحكمة والعدل والمنطق مثل ما أنه ينبغي تحصيل أعلى النفعين كذلك ينبغي درء أعظم الضررين، ألا ترون أن القاتل يقتل، والزاني يرجم أو يجلد، والسارق تقطع يده، وشارب الخمر يجلد، فهذه كلها مضرات تلحق الجاني ليدفع بها ضرر أكبر وفي المدينة ذكر إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف فضيلة الشيخ الدكتور علي بن عبدالرحمن الحذيفي في خطبة الجمعة اليوم : أن الله جل وعلا كثّر أبواب الخير وطرق الأعمال الصالحات تفضلاً ورحمة وجوداً وكرماً من رب العزة والجلال ليدخل المسلم أي باب من الخيرات ويسلك أي طريق من طرق الطاعات ليصلح الله دنياه ويرفعه درجات في أخراه قال الله تعالى (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) . وذكر فضيلته : أن من طرق الصالحات والطاعات ومن الأسباب لمحو السيئات الاستغفار ، فالاستغفار سنة الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام ، قال الله تعالى عن أبوي البشر – صلوات الله ورحمته وبركاته عليهما : (قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) وقال عن نوح – عليه السلام : (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) وقال – عز وجل – عن الخليل – عليه السلام : (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ) وأضاف فضيلته : ويُشرع أن يطلب العبد المغفرة للذنب المعين لقول النبي – صلى الله عليه وسلم : (إن عبدًا أذنبَ ذنبًا، فقال: يا ربّ! إني عملتُ ذنبًا فاغفِر لي، فقال الله : علِم عبدي أن له ربًّا يغفرُ الذنب، ويأخذُ به، قد غفرت لعبدي) ، كما يُشرع أن يطلب العبد المغفرة مطلقًا، فيقول: رب اغفر لي وارحمني. و أوضح فضيلته أن دعاء العبد ربه بمغفرة الذنوب دعاء إخلاصٍ وإلحاح وسؤال تضرع وتذلل يتضمن التوبةَ من الذنوب، وسؤال التوبة والتوفيق لها يتضمن الاستغفار، فكل من الاستغفار والتوبة إذا ذكر كل منهما بمفرده تضمن الآخر، وإذا اجتمعا في النصوص كان معنى الاستغفار طلب محو الذنب وإزالة أثره، ووقاية شر ما مضى من الذنب وستره ، والتوبة الرجوع إلى الله بترك الذنوب ووِقاية ما يخافه في المستقبل من سيئات أعماله والعزم على ألا يفعله. وقد جمع بين الاستغفار والتوبة بقولُه تعالى: (وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ). ونوه فضيلته : أن العبد محتاج إلى الاستغفار دائما أشد الحاجة، ولاسيما في هذا الزمان ، لكثرة الذنوب والفتن، ليوفقه الله في حياته وبعد مماته، ويصلح شأنه. فالاستغفار باب خيرات ، ودافع شرور وعقوبات، والأمة بحاجة شديدة إلى دوام الاستغفار، ليرفع الله عن الأمة العقوبات النازلة، ويدفع العقوبات المستقبلة، وأضاف : ولا يزهد في الاستغفار إلا من جهِل منافعه وبركاته، فأمر بالاستغفار مع هذه الطاعات وبعدها، قال صلى الله عليه وسلم : (من قال أستغفرُ الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوبُ إليه ، غُفِرت ذنوبُه وإن كان قد فرَّ من الزحف) وعن أبي سعيد الخُدري – رضي الله عنه عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: (من قال حين يأوي إلى فِراشِه: أستغفرُ الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوبُ إليه ثلاث مرات، غفرَ الله له ذنوبَه وإن كانت مثلَ زبَد البحر ) كما يشرع أن يستغفر المسلم للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إحسانا وحبا وسلامة صدر، ونفعا للمسلمين، وشفاعة لهم عند الله، قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) فأقبلوا على ربكم بالاستغفار، تروا كرمه وجوده وفضله وبركاته، وتجدوا محو السيئات، ورفع الدرجات. عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم ( والذي نفسي بيده ، لو لم تذنِبوا لذهبَ الله تعالى بكم، ولجاء بقومٍ يُذنِبون فيستغفِرُون الله فيغفِرُ لهم)لأنه – جل وعلا واسع المغفرة جواد كريم يحب أن يسأل ويُدعى . وفي الخطبة الثانية أوصى فضيلته بتقوى الله وطلب مرضاته والعمل بطاعته واجتناب محرماته ، وأضاف : فقد مكنكم ربنا من العمل الصالح وجعل هذه الدنيا دار عمل والأخرة دار جزاء وقد فاز في هذه الدار العاملون المخلصون المحسنون وخاب المبطلون المعرضون ، وأهل القبور يتمنى أحدهم أن يرجع إلى الدنيا ليصلي ركعتين ويستغفر كثيراً ولكن هيهات أن يجاب قال تعالى : ( حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ). واختتم فضيلته الخطبة بالصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ودعا فضيلته أن يصلح الله أحوال المسلمين ويقوي عزائم المستضعفين في كل مكان وأن وينصرهم بنصره، ويتقبّل شهداءهم، ويشفي مرضاهم، ويجبر كسيرهم، ويحفظهم في أهليهم وأموالهم وذرياتهم ، اللهم فرج كربهم وارفع ضرهم وتولى أمرهم وعجل فرجهم واجمع كلمتهم يا رب العالمين ، اللهم وفق خادم الحرمين الشريفين واحفظ ولاة أمور المسلمين وأعز بهم الدين ووفقهم لما فيه خير للإسلام والمسلمين ، ولما فيه صلاح البلاد والعباد يا رب العالمين الله هم تُب علينا إنك أنت التواب الرحيم واغفر لنا إنك أنت الغفور الرحيم . 0 | 0 | 3

مشاركة :