مكانة الأدب التونسي في المسرح والسينما: اعتراف منقوص بقلم: صابر بن عامر

  • 4/1/2017
  • 00:00
  • 12
  • 0
  • 0
news-picture

مكانة الأدب التونسي في المسرح والسينما: اعتراف منقوصعديدة هي الأفلام العالمية والعربية المستوحاة ولو جزئيا من قصص حقيقية مستلهمة من روايات شهيرة، فنجاح الرواية ينبئ بنجاح الفيلم، لذلك يسرع إليها المنتجون والمخرجون لتنفيذها على الشاشة الكبيرة حتى تُغذّي دور السينما بأعمال قيّمة وناجحة تترك بصمة في ذاكرة الجمهور، وهو ما ذهب إليه أيضا المسرح العالمي والعربي اللذان استندا في العديد من أعمالهما إما إلى الرواية وإما إلى الشعر، فكانت على سبيل الذكر “بيت برناردا ألبا” المستلهمة من قصائد الإسباني فيديريكو غارثيا لوركا، و”السقطة” المقتبسة عن رواية تحمل العنوان ذاته للفرنسي ألبير كامو، و”المجنون” المستوحاة من نص للكاتب اللبناني جبران خليل جبران والتي حولها إلى المسرح توفيق الجبالي.العرب صابر بن عامر [نُشر في 2017/04/01، العدد: 10589، ص(15)]الأدب ملهم للفنون الأخرى (لوحة لسعد يكن) كم من فيلم استلهم من الرواية مفرداته البصرية، وكم من مسرحية اقتبست من النص الشعري جمالياتها الركحية، وكم من لوحة تشكيلية تماهت ألوانها وثيمتها مع ما خطّ بين دفّتي كتاب، وبمناسبة الدورة الثالثة والثلاثين لمعرض تونس الدولي للكتاب التي تنتهي فعالياتها الأحد، طرحت “العرب” على بعض المثقفين التونسيين سؤال: هل يقتبس المسرحيون والسينمائيون والمغنون التونسيون من الكتب والدواوين الشعرية التي يقرأونها ليقدموا فنهم الخاص؟ هنا يقول الروائي التونسي محمد بوعمود، الذي كتب حتى اليوم سبع روايات ناطقة بالفرنسية “السؤال يطرح في الحقيقة قضيتين، الأولى: ما هي مكانة الأدب التونسي من المسرح والسينما؟ والثانية: إلى أيّ حد يهتم رجال المسرح والسينما بالأدب التونسي؟”. ويستطرد الروائي التونسي قائلا “إجابة عن السؤال الثاني، الواضح أن المهنيين من السينمائيين والمسرحيين التونسيين لا يهتمون أبدا بالأدب التونسي”. ويعطي بوعمود مثالا على هذا العزوف بقوله “طوال حياتي، لم أشاهد ولو مرّة واحدة مسرحيا أو سينمائيا تونسيا زار معرض الكتاب، لذلك يصبح الجواب عن السؤال الأول: لا مكانة للأدب التونسي في المسرح والسينما، إلا ما ندر”. بين نقيضين يذهب محمد بوعمود بعيدا في طرحه الذي يرى فيه إنكارا مُمنهجا من السينمائيين خاصة لدور الأدب التونسي في إثراء منجزاتهم، في ظل هيمنة ما اصطلح على تسميته بسينما المؤلف التي تجعل المخرج التونسي كاتبا ومخرجا في الآن نفسه. ويقول “لو يطرح السؤال على رجال السينما والمسرح، سيكون جوابهم هو الآتي: ليس هناك قيمة ولا معنى للأدب التونسي”. ويختم بوعمود بقوله “هنا لا بد أن يطرح عليهم السؤال التالي: كم قرأت من رواية تونسية حتى عرفت أنها خالية من الجديد والمفيد؟”. وعلى النقيض تماما مما ذهب إليه بوعمود، يؤكد المسرحي التونسي الشاب حسام الغريبي أن الرواية العربية خصوصا والمدونة العربية عموما سواء كانت شعرا أو نثرا ألهمت المسرحيين، وكانت معينا وطريقا للاقتباس أو حتى التناص.محمد بوعمود: المهنيين من السينمائيين والمسرحيين التونسيين لا يهتمون أبدا بالأدب التونسي ويوضح بقوله “كانت الرواية العربية أو العالمية من أهم المسالك التي التجأ إليها المسرحي لصياغة عمل درامي مسرحي، فلا ننسى أن ‘البحث عن وليد مسعود’ لجبرا إبراهيم جبرا قد تحولت إلى مسرحية، و’الخيميائي’ باتت عملا مسرحيا انطلق من رواية، كما لا ننسى ‘أحدب نوتردام’ التي ترسخت عملا دراميا مسرحيا من أعظم الأعمال”. ويرى استنادا إلى المدونة التونسية المسرحية والأدبية أن الرواية والشعر كانا أكبر معين للعديد من الأعمال، مستشهدا بقوله “على سبيل الذكر لا الحصر عاد محمد إدريس إلى ‘رباعيات الخيام’ فقدم مسرحية ‘حدّث’، بعد أن واجه إشكالا عندما رفض الأديب التونسي الراحل محمود المسعدي المقترح الجمالي الذي قدمه إدريس لتحويل كتابه ‘حدّث أبوهريرة قال’ إلى مسرحية، كذلك عاد أنور الشعافي إلى قصائد كمال بوعجيلة وأنجز مقترحه المسرحي المعنون بـ’ترى ما رأيت’ “. ويعتبر الغريبي أن الرواية والشعر والأدب “تناص لخلق عوالم أخرى تدعم الفعل الدرامي”. واحتفى معرض الكتاب التونسي في دورته الأخيرة بالسينما التونسية بمناسبة خمسينية تأسيس “أيام قرطاج السينمائية” (1966-2016) فقدم ثمانية أفلام تونسية مستلهمة من الأدب التونسي، على غرار “في بلاد الطررني” لفريد بوغدير وحمودة بن حليمة والهادي بن خليفة المقتبس من كتابات علي الدوعاجي، و”عرب” للفاضل الجعايبي والفاضل الجزيري، “وغدا” لإبراهيم باباي من رواية لعبدالقادر بن الشيخ، و”سجنان” لعبداللطيف بن عمار، و”خليفة الأقرع” لحمودة بن حليمة المقتبس من نص للأديب الراحل البشير خريّف، علاوة على تقديم ندوة دولية بعنوان “السينما والأدب”. وحفلت السينما التونسية ببعض التجارب المستلهمة من الرواية، لعلّ أبرزها فيلم “ليلة السنوات العشر” المقتبس من رواية الأديب التونسي الراحل محمد صالح الجابري (1982)، والتي حولها السينمائي التونسي الراحل إبراهيم باباي إلى فيلم عالج فيه الخلفيات السياسية والاقتصادية التي أدّت إلى الأحداث النقابية المعروفة بأحداث 26 يناير سنة 1978 أو “الخميس الأسود”.حسام الغريبي: الرواية العربية أو العالمية من أهم المسالك التي التجأ إليها المسرحي لصياغة عمل درامي مسرحي ومن بين الأفلام التونسية المقتبسة أيضا من الرواية فيلم “كلمة رجال” (2007) لمعز كمون المقتبس من رواية “بروموسبور” (الرهان الرياضي) للتونسي حسن بن عثمان الحاصلة على جائزة الكومار الذهبي التي تمنح سنويا لأفضل رواية صادرة في تونس. ويحكي الفيلم قصة ثلاثة أطفال: عبّاس وساسي وسعد تجمع بينهم صداقة عميقة ومعطّرة ببراءة الطفولة يعيشون في قرية نائية بالجنوب التونسي، تفرّق بينهم أقدار الحياة، ليلتقوا من جديد بعد 30 سنة في المدينة. ويصبح سعد الذي كان إماما في جامع صغير أحد أكبر تجّار الملابس المستعملة، بعد فوزه في لعبة الرهان الرياضي، ويصير ساسي ناشرا مفلسا، وسعد أستاذا جامعيا أطرد من عمله بتهمة التحرّش الجنسي بإحدى طالباته. ويثير الفيلم بجرأة كبيرة العديد من المواضيع الاجتماعية الهامة والخطيرة التي لم يتم التطرق إليها في السينما التونسية من قبل، منها انتشار ظاهرة الزواج العرفي والخيانة الزوجية والتفكّك الاجتماعي، كما يعري بعض الممارسات الخطيرة التي تحدث في الجامعات ومنها تقديم الأطروحات المشكوك فيها. رمزية الاعتراف رغم قلة الأعمال السينمائية التونسية المقتبسة من الرواية، لم تخل المدونة المسرحية التونسية من الاستلهام من الأدب والشعر، فكانت مثلا مسرحية “الوصية” للمخرج الشاذلي العرفاوي المقتبسة من نصّ شعري للراحل محمّد الصغير أولاد أحمد، وهي من المغامرات الفنية المهمة، إذ أنّ التعامل مع النص الشعري بقي محدودا ونادرا في تونس، خاصة مع بعض النصوص الملحمية التي تستطيع أن تتحوّل إلى عمل فيه الكثير من الفرجة، ليتجاوز الشعر كظاهرة صوتية أو كنص مكتوب.محمد علي دمق: المعرض يؤمّن فرصة للتلاقي بين الكتاب والناشرين وبعض المشتغلين على الفن الجمالي عموما وللعرفاوي أكثر من تجربة في هذا الخصوص، حيث سبق له أن قدم مسرحية “مرّ الكلام” عن نص لظافر ناجي و”سهرت” عن قصة شهيرة للكاتب التونسي الراحل علي الدوعاجي. ويقول المسرحي التونسي محمد علي دمق مثمنا الدور الذي يلعبه معرض تونس الدولي للكتاب بعيدا عن استفادة المبدع ممّا يقتنيه “يبقى المعرض منارة للثقافة ولأحباء الكتاب، رغم تراجع عددهم في تونس، لكن تبقى التظاهرة موعدا ينتظره عدد من التونسيين للإطلاع والبحث عن الإصدارات الجديدة”. ويعتبر دمق أن المعرض يؤمّن فرصة للتلاقي بين الكتاب والناشرين وبعض المشتغلين على الفن الجمالي عموما، وقد يثمر هذا التلاقي العفوي بين الكاتب والسينمائي أو المسرحي أعمالا تخرج من الصفحات إلى سيناريو من لحم ودم، مشيرا إلى أن رمزية الاعتراف تبقى هي الدافع المعنوي الوحيد للكاتب أو الشاعر في غياب مكاسب مادية مرتقبة. ويضيف المسرحي التونسي “ربما يكون الاعتراف الأكبر بالنسبة إلى الأديب هو تحويل منجزه الإبداعي إلى عمل مسرحي أو سينمائي، يضاعف من هذا الإبداع ويخلّده”. وفي هذا المنحى قدّم الفاضل الجعايبي مسرحية “جنون” المقتبسة من “وقائع خطاب فصامي” لناجية الزمني، الذي اعتبره النقّاد عملا إبداعيا يفتح الباب أمام تأويلات ومقاربات نقدية متعددة، فهي مادة تتضاعف فيها الصور، وعمل يخفق بنبض الحياة اليومية، وينفتح على عالم انشطار الذات وتضخم المعاداة، وهي تجربة ارتواء التاريخ بآلام وأنين “المعذبين في الأرض”، عالم المهمّشين والمنبوذين الذي أرشفه الجعايبي مرّتين، مرّة من خلال المسرحية، ومرّة أخرى حين حوّله في عام 2008 إلى فيلم سينمائي.الجليدي العويني: القاعدة البسيطة تقول، لكي تكتب يجب أن تقرأ، ومن ثمة فإن المطالعة والاطلاع مسألتان حيويتان لأي مبدع أو مؤلف وعودة إلى سؤال “العرب” حول مدى استفادة مبدعي تونس من الروايات والدواوين الشعرية واستلهامها في منجزهم الخاص سواء كان ذلك مسرحا أو غناء أو سينما، قال الشاعر الغنائي التونسي الجليدي العويني “إن القاعدة البسيطة تقول: لكي تكتب يجب أن تقرأ، ومن ثمة فإن المطالعة والاطلاع مسألتان حيويتان لأي مبدع أو مؤلف”. ويوضح “بالنسبة إليّ شخصيا تكاد القراءة لا تنفصل عن الكتابة، فأنا بصفتي شاعرا وإعلاميا وباحثا ومهتما بشعر اللهجة، أكاد أدعي أني اطلعت على جزء كبير من مدونة هذا الشعر التونسي واستفدت أيما استفادة منه، ومن هناك استثمرت هذا الاطلاع عفويا أو عن قصد في ما كتبت وما أكتب”. ويؤكد العويني أن الدراسات النقدية حول شعر اللهجة (الشعر باللغة العامية) تغريه بقراءتها وتفيده بتنظيراتها، ويقول “حصصي الإذاعية مثلا تقوم في الكثير من مضامينها على دواوين شعراء اللهجة ودراسات وبحوث المهتمين والباحثين في المجال، بل إني أبحث في الكثير من الأحيان على تطويع ما يقترحه الشعر الفصيح من صور وأجراس وبنى في قصيدتي باللهجة العامية، وآمل أن أوفّق في ذلك، وما توفيقي إلا بالاطلاع على رصيد الآخرين المُجيدين”. وفي المحصلة، بدت الأعمال السينمائية والمسرحية التي تم اقتباسها من المدونة الشعرية أو الأدبية التونسية قليلة، لكنها على قلّتها أثرت الفن الرابع والفن السابع على السواء برؤى جمالية مُغايرة تقطع مع السائد والمُكرّر، فتنافذ الفنون وتكاملها لن ينتجا في النهاية إلاّ إبداعا مُضاعفا ينهل بعضه من بعض ويزيد عليه بأدواته ومرجعياته الخاصة.

مشاركة :