أشار البيت الأبيض يوم الجمعة 31 مارس/آذار 2017 إلى أنه لن يُسمَح بأن تكون قضايا حقوق الإنسان نقطةَ نزاعٍ عامةً مع مصر، وأنه لن يُخلَط بين ذاك وبين سنواتٍ من السياسة الأميركية جمعت رؤساء كِلا البلدين. ففي الوقت الذي يستعد فيه الرئيس الأميركي ترامب لاستضافة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يوم الاثنين المقبل 3 أبريل/نيسان 2017، في أول زيارة للسيسي إلى البيت الأبيض منذ استيلائه على السلطة في القاهرة من خلال انقلاب عسكري في 2013، أفاد بعضُ المسؤولين أن كِلا الرئيسين سوف يركزان في لقائهما على بعض القضايا الأمنية والاقتصادية. وعلى الرغم من أن هؤلاء المسؤولين قالوا إن حقوق الإنسان لا تزال مصدر قلق، إلا أن السيد ترامب يفضل التعامل مع هذه القضايا وتناولها على انفراد. ويوم الجمعة صدر بيان من البيت الأبيض يشيد بالحرب القوية التي "شنها السيسي على الإرهاب" وما يبذله من جهود لتعزيز اقتصاد مصر، في ظل عدم الإشارة إلى حملة القمع التي يتبعها ضد معارضيه في مصر. وأضاف المسؤول "أن الرئيس السيسي اتخذ عدداً من الخطوات الجريئة منذ توليه الرئاسة في عام 2014، بما في ذلك الدعوة إلى الإصلاح وتجديد الخطاب الديني والبدء في إصلاحات اقتصادية تاريخية جريئة". ويأتي قرار تهميش قضايا حقوق الإنسان في مصر علناً بعد أيام من إعلان إدارة ترامب للكونغرس أنها سوف ترفع شروط حقوق الإنسان التي فرضها الرئيس باراك أوباما، وتستأنف مبيعات الأسلحة إلى دولة البحرين، وهي تعتبر حليفاً مهماً في منطقة الشرق الأوسط والبلدَ المضيف للأسطول الخامس للولايات المتحدة الأميركية. إن هذه التحركات مجتمعةً تعزز الرسالة التي يعزم فيها السيد ترامب على جَعل التعاون الأمني حجرَ الزاوية في نهجه تجاه المنطقة، بدون أن تصبح حقوق الإنسان عقبة في الطريق، وذلك على عكس ما انتهجه الرئيس جورج بوش الذي أكد أيضاً على تطور الديمقراطية، أو السيد أوباما الذي ضغط على الدول لتخفيف حدة القمع. وقالت سارة مارغون، مديرة مكتب هيومن رايتس ووتش في واشنطن: "إن الشيك الذي يقدمه ترامب على بياض فيما يخص مخاوفه من حقوق الإنسان في مصر لا يدهشنا، لكنه يعني أن الكونغرس سوف يُضطر إلى التدخل ومواصلة استخدام سلطاته في الحد من الدعم الأميركي بالنظر إلى مدى خطورة حجم القمع والإيذاء الممارَس في ظل حُكم الرئيس السيسي". وقال توم مالينوفسكي -مساعدُ وزير الخارجية المكلف بقضايا حقوق الإنسان في عهد الرئيس أوباما- إن المساعدات الأميركية لمصر لم تترجم أبداً إلى الدعم المتوقع للسياسة الأميركية. وأضاف "لقد منحنا مصر 70 مليار دولار على مر السنين، ومؤخراً تحققتُ من الأمر ووجدتُ أنه لا توجد طائرات مصرية من طراز F-16 تساعدنا في محاربة داعش في الرقة أو الموصل. وكل ما نحصل عليه من المصريين هو القمع السياسي الذي يجعل من الشباب أشخاصاً متطرفين ويعطي الجماعات الإرهابية حياة جديدة". وأعلن خمسة من أعضاء مجلس الشيوخ أنهم سيعرضون قراراً يحث مصر على تخفيف قمع المعارضة. وحث السيناتور ماركو روبيو، من الحزب الجمهوري في فلوريدا، السيدَ ترامب على "ممارسة الضغط من أجل الإفراج عن السجناء السياسيين في مصر، ويشمل ذلك الأميركيين المسجونين، وتشجيع مصر على إتاحة مساحة أكبر للمجتمع المدني وحرية التعبير للجميع". وبصفته قائداً في الجيش، ساعد السيسي في الإطاحة بحكومة الرئيس محمد مرسي المنتخبة ديمقراطياً، ثم فاز هو بالرئاسة نفسها في انتخابات تشوبها عمليات الاعتقال الواسعة النطاق لرموز المعارضة. ومنذ تولي السيد السيسي السلطة، استهدف جماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي لها محمد مرسي، كما استهدف غيرهم ممن يعارضون حكومته. وقد انتقد تقريرُ وزارة الخارجية السنوي لحقوق الإنسان، الذي قرر فيه وزير الخارجية ريكس و. تيلرسون عدم الحضور شخصياً كما فعل أسلافه، حكومةَ السيسي على قمع الحريات المدنية والحرمان من الإجراءات القانونية الواجبة. وأشار التقرير إلى اختفاء المنشقين وظروف السجون القاسية والتعذيب والاعتقالات التعسفية والقتل والتحرش بمجموعات المجتمع المدني والحد من الحرية الأكاديمية والحرية الدينية ووسائل الإعلام المستقلة. ويشهد العديد من المواطنين الأميركيين، من بين عشرات الآلاف من الأشخاص الذين سجنوا تحت حكم السيسي، وعلى الأخص آية حجازي، وهي العاملة في قطاع المساعدات الإنسانية واعتقلت في أيار/مايو 2014، على ما اعتبر على نطاق واسع اتهامات بارزة بالاتجار وإساءة معاملة الأطفال. وتقول منظمات حقوق الإنسان إن الاتهامات هي جزء من حملة واسعة النطاق ضد جماعات الإغاثة ذات التمويل الأجنبي فى مصر، وهي حملةٌ لقيت انتقادات حادة من بعض الأوساط في الكونغرس. وفي ديسمبر/كانون الأول، قال عضوا مجلس الشيوخ ليندسي غراهام من ولاية كارولينا الجنوبية وجون ماكين من أريزونا، وكلاهما من الحزب الجمهوري، أنهما سيدعمان القيود الجديدة على المساعدات المقدمة إلى مصر إذا تمت الموافقة على قانون جديد مقترح هناك يقيد مجموعات المعونة - وهو مقياس للحدود الممكنة لاحتضان السيد ترامب للسيد السيسي. كافح كل من السيد بوش والسيد أوباما لتحقيق التوازن بين مخاوفهما بشأن الأوضاع الداخلية في مصر والتحالف الطويل الأمد مع الولايات المتحدة. وفي ظل الحكم الاستبدادي للرئيس الذي طال أمده، قام حسني مبارك بإسقاط المعارضة في الداخل في مصر، لكنه كان شريكاً موثوقاً به للولايات المتحدة في ضمان السلام مع إسرائيل ومحاربة الجماعات الإرهابية، إذْ كان يتلقى حوالي 1.3 مليار دولار سنوياً من المساعدات العسكرية الأميركية. وبعد أن قرر السيد جورج بوش تعزيز الديمقراطية كمحورٍ رئيسي أثناء رئاسته، أبقى السيد مبارك على مسافة بعيدة ودفعه إلى إطلاق سراح المعارضين وإجراء الانتخابات، على الرغم من أنه لم يوقف سوى تقدم المعارضة وخفف في وقت لاحق من فترة ولايته. وعندما اندلعت ثورات الربيع العربي في عام 2011، ضغط أوباما على الرئيس مبارك للتنحي ودعم الانتخابات التي أدت إلى صعود السيد مرسي. وبعد أن أطاح السيسي بالسيد مرسي، رفض أوباما أن يطلق عليه انقلاباً عسكرياً ولكنه قطع بعض مبيعات الأسلحة على أمل تخفيف المعارضة. في نهاية المطاف، لم يسفر عن ذلك أي نتائج، لذلك رفع السيد أوباما تجميد الأسلحة، لكنه غيّر بعض قواعد التمويل ورفض دعوة السيد السيسي إلى البيت الأبيض. وفى مؤتمر صحفي تمّ يوم الجمعة قال مسؤولون بالبيت الأبيض إن ترامب ليس مهتماً بحل النزاعات من أجل حقوق الإنسان علناً. وقال إن النهج الذي يتبعه هو التعامل مع هذه القضايا بطريقة أكثر سرية. وفي حالة السيدة حجازي، قالوا إن فريق السيد ترامب يهدف إلى معالجة أسْرها بطريقة تزيد من فرص حلها إلى أقصى حد. ولم يُسمَح للمسؤولين بالكشف عن هوياتهم بموجب القواعد الأساسية التي حددها البيت الأبيض. وفي الوقت نفسه، قال المسؤولون إن البيت الأبيض لا يمكن أن يلتزم بالحفاظ على حزمة مساعدات مصر على المستويات الحالية، مستشهداً بمراجعة الميزانية. وقد اقترح السيد ترامب تخفيضات كبيرة في ميزانية وزارة الخارجية، بينما قال المسؤولون إن المساعدات العسكرية لإسرائيل ستبقى دون مساس، أمّا تخفيض المساعدات المقدمة لمصر فهي قيد النظر. ومن المخطط أيضاً الحديث حول المساعدات المقدمة لحليف إقليمي آخر هو الأردن، ومن المقرر أن يزور العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني البيت الأبيض يوم الأربعاء. وترتبط الأردن، مثل مصر، بمعاهدة سلام مع إسرائيل، وهي شريك استخباراتي مهم للولايات المتحدة. وفي السنوات الأخيرة، زادت المساعدات المقدمة إلى الأردن بشكل كبير، بالتزامن مع استقبالها لمئات الآلاف من اللاجئين الفارين من الحرب الأهلية في سوريا. وبعيداً عن المساعدات، من المرجح أن يتناقش ترامب والسيسي بشأن جماعة الإخوان المسلمين، التي حظرتها مصر. حاول السيسي دفع واشنطن لإدراج جماعة الإخوان باعتبارها منظمة إرهابية، إلا أن طلبه جوبه برفض أوباما. ويناقش مساعدو ترامب هذا القرار منذ توليه الرئاسة في يناير/كانون الثاني، إلا أن الزخم الداخلي المتعلق بهذا الإجراء قد تباطأ خوفاً من أن يؤدي إلى عزل المسلمين الأكثر اعتدالاً، ودفعهم باتجاه الجماعات العنيفة مثل القاعدة وتنظيم "داعش". وفي اجتماع الإحاطة الذي جرى الجمعة، أشار مسؤولو البيت الأبيض إلى عدم اتخاذ قرار بإدراج جماعة الإخوان المسلمين على قائمة المنظمات الإرهابية، إلا أنهم توقعوا ذكر السيسي للأمر. كما أصدر البيت الأبيض بياناً مكتوباً ذكر فيه أن الإرهاب يمثل تهديداً هائلاً لاستقرار مصر، وجاء فيه "تلتزم الولايات المتحدة بمساعدة مصر على اتخاذ الخطوات اللازمة لهزيمة الجماعات الإرهابية في سيناء". وفي مصر، تحظى الرحلة إلى واشنطن بالكثير من الترقب، إذ يرى فيها مناصرو السيسي تصديقاً رمزياً من البيت الأبيض لزعيم رُفض طويلاً بسبب سجله في مجال حقوق الإنسان. ومن المتوقع أن يرافق السيسي وفدٌ تجاري، أملاً في جذب الاستثمارات الأجنبية الضرورية. إلا أن بعض المسؤولين المصريين أعربوا عن انزعاجهم بشكل خاص من الحديث عن خفض المساعدات الأميركية، بحسب بعض المسؤولين الغربيين، كما حاولوا تخفيض سقف التوقعات حول النتائج الملموسة لهذه الرحلة. - هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The New York Times الأميركية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.
مشاركة :