كثيرة هي الجماعات التي تستخدم العنف وقليلة هي المعلومات التي تتوافر عن هذه الجماعات؛ فقد يبدو التحقيق الصحفي أمراً في غاية الأهمية لتوضيح العلاقة بين جماعة الإخوان المسلمين من ناحية والجماعات الجهادية من ناحية آخري التي تعتبر الأب الشرعي لكل التيارات التي استخدمت العنف في الماضي أو التي تستخدم العنف بعد ثورة 30 يونيو. حاولنا التحقيق في أسباب العنف ودواعيه وتأثير ذلك على المستقبل وعلاقة جماعة الإخوان بأحداث العنف التي ما زالت تشهدها القاهرة كعاصمة لأكبر دولة عربية، ومدى تأثير ذلك على باقي العواصم العربية والعلاقة المباشرة بين الإخوان من ناحية والتيارات الجهادية التي نشأت في مصر بعد ثورة يناير 2011. علاقة الإخوان بالتيارات الجهادية بدأت نشأة أنصار بيت المقدس على أرجح الأقوال بعد ثورة يناير 2011، أو ربما أتاحت لها الظهور والعمل على الأقل؛ فأفكار الجهاديين لم تمت رغم سنوات السجن الطويلة لهذه القيادات في السجون ولم تتأثر بالمراجعات التي طرحتها بعض التيارات الجهادية في نهاية التسعينيات من القرن الماضي، فكثير منها ظل على أفكاره القديمة، وخرج بعد ذلك معبراً عنها إما بعفو رئاسي من الرئيس المعزول محمد مرسي أو بإعادة محاكمة هؤلاء، أو من خلال صفقة مع هذه التنظيمات وكان الهدف مساندته في الحرب التي خاضها ضد الأحزاب السياسية والعديد من طوائف الشعب المصري، ولكن يبقى في النهاية أن هؤلاء أتيحت لهم فرصة للعمل وإعادة الإنتاج مرة ثانية، الفرصة الأولى بعد ثورة يناير 2011، والثانية بعد وصول الإخوان للحكم في يونيو 2012. أنصار بيت المقدس نشأت في بيئة أكثر راديكالية وبجوار تنظيمات آخرى كانت لها بصمات واضحة على شبه جزيرة سيناء منذ السبعينيات من القرن الماضي وظهرت جلية في تفجيرات دهب وطابا وشرم الشيخ. وأرجح التفسيرات أن نشأة «أنصار بيت المقدس» كانت قبل 25 يناير 2011 بهدف مساعدة جماعة الإخوان المسلمين، ولكنها بدأت عملها الفعلي بعد الثورة مباشرة وخلال فترة الفوضى الأمنية التي عمت البلاد على خلفية ضرب المؤسسات الشرطية على وجه الخصوص والأمنية على وجه العموم في مصر، ويمكن قبول هذا التفسير إذا اعتبرنا أن هذا التنظيم لم يولد من الفراغ وإنما كانت له بدايات أخرى في ثوب مختلف. فكان أول ظهور حقيقي لها في أبريل 2011 عندما أعلنت مسؤوليتها عن ضرب خط الغاز الذي يصل إلى الجارة إسرائيل، ثم تلا ذلك الظهور الثاني في أغسطس من العام ذاته عندما أطلقت صاروخين من طراز جراد على منتجع إيلات السياحي جنوب إسرائيل الذي لم يخلف وراءه أي قتلى، بعد ذلك حدثت تفاهمات بين جماعة الإخوان المسلمين عندما كانت في الحكم وبين التنظيم الذي أظهر قوته بضرب خطوط الغاز التي تصل لإسرائيل من خلال التفجيرات، وإطلاق صواريخ عليها من قلب سيناء؛ وبالتالي كانت هذه العمليات بداية فجر جديد لتنظيم خرج لتوه بعد مرحلة إعداد لرجاله وإنتاج أيضاً ليفجر هنا وهناك، ولم تقتصر عملياته بطبيعة الحال على سيناء التي شهدت ولادة التنظيم وإنما امتدت لكل المحافظات المصرية في محاولة لإيصال رسالة فحواها أننا أقوياء وقادرون على إيلامكم وبالتالي توسيع دائرة الصراع وضربكم في الصميم. علاقة الإخوان بأنصار بيت المقدس هذه التفاهمات التي حدثت بين جماعة الإخوان المسلمين وأنصار بيت المقدس دفعت التنظيم لإيقاف عملياته الموجهة ضد إسرائيل، وكان المقابل عدم تنفيذ أحكام الإعدام التي صدرت في حق أعضاء تنظيم التوحيد والجهاد التي صدرت في عهد الرئيس المعزول محمد مرسي، وعلى ما يبدو أن الأحكام كانت قاسية وصادمة للتنظيم، ولم يُصدق «مرسي» على الحكم وقتئذ بإعدام هؤلاء الجهاديين ولم ينفذ أنصار المقدس أي عمليات ضد إسرائيل منذ ذلك التاريخ بما يؤكد العلاقة التي بنيت على عدة تفاهمات كما أسلفنا، رغم أن التقارير الأمنية جميعها أوصت الرئيس مرسي وقتها بضرورة التعامل الأمني مع أنصار بيت المقدس، إلا أنه فضل التعامل السياسي وسياسة الاحتواء دون غيرها، خاصة وأن جزءاً من ترويج الإخوان لأنفسهم لدى الإدارة الأمريكية إنهم قادرون على احتواء التيارات الجهادية في سيناء وغيرها، والسيطرة عليهم وهو ما أراد أن يسير على خطاه «مرسي»، ولكن بلا رؤية أو خطة جعلت من هذه التنظيمات تتغول حتى أصبح من الصعب القضاء عليها، وإن أخذت الأجهزة الأمنية فيما بعد خطوات في إطار مواجهتها، ولكن على كل الأحوال حكمت التفاهمات العلاقة بين أنصار بيت المقدس وجماعة الإخوان عندما كانت في الحكم. كان خطف الجنود المصريين النواة الحقيقية لبداية التفاوض بين الجماعة الأم في السلطة آنذاك وبين أنصار بيت المقدس حتى تبنت الأخيرة مطالب جماعة الإخوان المسلمين عندما مرت بمحنة العزل السياسي، ووجدتهم يعبرون عن ذلك في أغلب التسجيلات المرئية التي كانوا يصدرونها عقب كل عملية أمنية يقومون بتنفيذها، وأشهرها محاولة اغتيال وزير الداخلية عندما قال منفذ العملية الانتحاري، الرائد، وليد بدر، إن هذه العملية رداً على ما حدث من قبل الجيش والشرطة تجاه فض اعتصام رابعة العدوية والنهضة، ونقل صوراً لقتلى فض الاعتصامين في رابعة العدوية والنهضة، والمعارك التي دارت رحاها بين الأجهزة الأمنية وهؤلاء المعتصمين. ويبدو أن إرادة رئيس الجمهورية آنذاك التي فرضها على الأجهزة الأمنية وكان محورها احتضان هذه التيارات وعدم مواجهتها أمنياً؛ جعل هذه التيارات الجهادية تشعر بتمددها ويترسخ لديها عامل مهم يتلخص في أن العنف سبيلاً مهماً للحصول على ما تظنه أنه حقاً لها وهو ما دفعها فيما بعد لشن هجمات على قوات الأمن، وبررت ذلك عبر عشرات التسجيلات المرئية بأنه نتيجة لما تقوم أجهزة الأمن ضد أبناء عوائلنا في سيناء، ومن هنا أوقف «مرسي» العملية نسر التي شنتها القوات المسلحة ضد أوكار التيارات الجهادية وبخاصة أنصار بيت المقدس وغيرها ممن تورطوا في ممارسة العنف أو من تأكدت أجهزة الأمن أنهم قد يمارسونه؛ وهذا يؤكد ثمة علاقة كانت قائمة بين التنظيمين؛ تنظيم الإخوان في السلطة آنذاك وتنظيم أنصار بيت المقدس في سيناء الذي كان متهماً بخطف الجنود أو ضمن المشاركين في الخطف على اعتبار أنه ضمن تشكيل مجلس شورى المجاهدين الذي يضم تيارات شتى. تجميد العمليات ضد إسرائيل وما يؤكد هذه العلاقة أن آخر عملية قامت أنصار بيت المقدس بها في سيناء كانت في يوليو 2012، بعدها قررت تجميد عملياتها لحين والانشغال بتدريب أعضائها والالتفات إلى تربية كوادر جديدة والتمدد الرأسي كماً وكيفاً، حتى بدأت تنفذ عملياتها ضد القوات المسلحة والشرطة في تغير إستراتيجي في تكتيكاتهم، وقد وصفتهم بالمرتدين والطغاة، فكانت عملية سبتمبر عام 2013، التي حاولت من خلالها اغتيال وزير الداخلية اللواء، محمد إبراهيم، وبالعودة إلى التواريخ، نكتشف أن هذه العملية جاءت بعد 11 شهراً من آخر ظهور للتنظيم بما يؤكد، أن صمتها طول هذه الفترة كان يحمل عدداً من علامات الاستفهام التي تجيب عن سر العلاقة بين تنظيم الإخوان الذي يمتد عمره الفعلي منذ نهاية العشرينيات من القرن الماضي وتنظيم أنصار بيت المقدس الذي أعلن عن نفسه بعد 2011، وإن كان موجوداً قبل هذا التاريخ في صور أخرى دمجت في كيانات جديدة لتعبر عن شكل ورؤية مختلفة للمشهد السياسي والجهادي. استفادت التيارات الجهادية من فترة الهدنة التي أعطاها لهم الرئيس السابق، محمد مرسي، على خلفية الإفراج عن الجنود الـ 7 المختطفين في تكوين مجلس شورى واحد للمجاهدين تنبثق منه التيارات العامة في العمل المسلح، ولذلك كنا نسمع عن مجلس شورى المجاهدين أكناف بيت المقدس ومجلس شورى المجاهدين أنصار بيت المقدس، وإلى غيرها من المسميات التي كانت تؤكد على أن هناك غطاء نجحت هذه التيارات في الاجتماع تحت مظلته بهدف التنسيق والدعم إزاء العمليات المسلحة التي تواجه بها أجهزة الأمن المصرية.
مشاركة :