بمجرد أن ظهرت عليه الأعراض الأولى للمرض وهو في الثامنة عشرة من عمره، بدأ بابلو رحلة شاقة استمرت عشر سنوات من التردد على عيادات الأطباء والمستشفيات، تم تشخيص مرضه بعدها على أنه داء لايم، أشهر مرض نادر يسببه فيروس تنقلة القرادة أو حشرة الفراش، ومن أبرز أعراضه تعب العضلات، وترجع ندرته في صعوبة تشخيصه أو تحديد أسباب الإصابة به. في تصريحات لوكالة الأنباء الألمانية (د .ب. أ) يقول بابلو /31 عاما/ "شعرت بالارتياح لأني عرفت في النهاية سبب العلة التي أعاني منها". يعد داء لايم أشهر داء منقول عن طريق القرادة في نصف الكرة الأرضية العلوي، حيث تنتقل بكتيريا البوريليا عن طريق عضة القراد المنتمي لنوع اللبود، وتبدأ أعراض المرض بالحمى وآلام الرأس والإرهاق والحمامى الهامشية (أحد أشكال الطفح الجلدي المميزة لداء لايم). في حال لم يتلق المصاب العلاج؛ تتطور الحالة لتشمل أعراضا تصيب القلب والمفاصل والجهاز العصبي. و قد سعى بابلو للبحث عن مرضى تم تشخيصهم بنفس المرض، وانتهي به الأمر بتصميم أول خريطة للمصابين بالمرض النادر عبر الانترنت. "في الأسبوع الأول سجل 1000 شخص أنفسهم، ووصل العدد الآن إلى ثلاثة آلاف و 254 شخصا، من بينهم عشرة من الأطباء، ومثلهم من الباحثين وثلاث جمعيات متخصصة". بعد فترة وجيزة من تصميم بابلو لخريطته، التي تعمل بنفس آليات شبكات التواصل الاجتماعي، أخبرته رفيقته العاطفية، إليسا أنها أيضا مصابة بمرض نادر، يعرف باسم "متلازم كرون"، أو التهاب الأمعاء الناحي، الذي يمكن أن يصيب اي جزء من الجهاز الهضمي من الفم إلى الشرج، ومن هنا قرر الاثنان إنشاء موقع " diseasemaps.org". بعد عام ونصف على هذه المبادرة الفريدة من نوعها، لا تزال هي الخريطة الوحيدة في العالم للأمراض النادرة، وتضم 850 تشخيصا مرضيا، لأكثر من 120 ألف شخص بين مرضى وأطباء وباحثين، فضلا عن معلومات مفيدة مترجمة إلى سبع لغات. وترفع الشبكة شعارا ثلاثيا: "تواصل - توعية - مساعدة"، وهي الأهداف الثلاثة للمشروع. "مهما بلغ دعم أسرتك لحالتك، فإنهم لا يدركون ما تمر به مثل شخص يعاني من نفس مرضك. في هذه الحالة تجد دعما حقيقيا لا يضاهى. وإذا كان لديك مشكلة مع طبيب، فيمكنك الحصول على استشارة طبية ومشاركة التجربة"، يوضح بابلو وإليسا المقيمان حاليا في العاصمة الإسبانية مدريد. يقول بابلو "بالتأكيد الجانبان لهما نفس الدرجة من الأهمية: الجانب الطبي والجانب المعنوي. حتى وقت ليس ببعيد، لم يكن أحد يستفد من الخبرات أو التقدم الذي يحققه الآلاف من المرضى المصابين بأمراض نادرة، ولكن مع مشروع بابلو وإليسا، وبفضل التقدم التكنولوجي المذهل، أصبح ممكنا تجميع كل هذه الخبرات وتحقيق الاستفادة الأمثل منها". كما يؤكد أن "الكثير من الأشخاص المصابين بأمراض نادرة لا يكفون عن البحث عن أساليب تساعد على تحسن أحوالهم الصحية. ويستغرق الأمر سنوات في حالة الأمراض المزمنة، ولا يحدث مطلقا التحسن المنشود". سعى بابلو وإليسا منذ البداية لأن تتمتع شبكتهما بطابع عالمي، فقدما المحتوى بعدة لغات من بينها الإنجليزية والإسبانية والألمانية والبرتغالية، بالإضافة إلى البولندية والتشيكية، ويقومان في الوقت الراهن بترجمة المحتوى إلى العربية والصينية والإيطالية. أما غالبية المستخدمين لشبكة خريطة الأمراض النادرة فمن الولايات المتحدة وأوروبا وأمريكا اللاتينية أيضا. يجد متصفح الخريطة، عند الدخول على أي من الأمراض المسجلة بها، معلومات وافية عن تشخيصه، عدد المرضى الذين يعانون منه في جميع أنحاء العالم، وأماكن تواجدهم، فضلا عن الجمعيات المتخصصة، والأطباء والمتخصصين، بالإضافة إلى قوائم بأسماء أقارب ومعارف كل مريض. كما يجد المستخدم أيضا معلومات عن أسباب المرض وأعراضه وتطوراته ... إلخ. هناك ايضا إحصائيات، أسئلة، ومنتديات، يطلق على أحدها اسم "حكايات" وهو فضاء يتيح لكل مريض أن يحكي تجربته مع المرض، وهناك منتدى آخر لتداول المعلومات، وطرح الأسئلة والشكوك والمخاوف، بالإضافة إلى الحصول على إجابات. يضم موقع الشبكة أيضا فضاء يطلق عليه "توائم الروح" يتيح التوفيق والارتباط بين أشخاص مصابين بنفس الأمراض والأعراض. نظرا لإصابتهما بالمرض والنوبات التي يتعرضان لها، فإنهما يحصلان على أجازات مرضية لفترات طويلة من عملهما، فيضطر بابلو لأن يمضي معظم الأيام جالسا على الأريكة لساعات طويلة يتابع تطورات شبكته، مؤكدا أن هذا المشروع أمده بطاقة الأمل التي ساعدته على الصمود برغم الألم. تجدر الإشارة إلى أن بابلو وإليسا نفذا مشروعهما بدون رأس مال تقريبا، مستفيدين من التطورات الهائلة التي شهدها عالم الواقع الافتراضي وشبكات التواصل الاجتماعي. "أصبح لدينا على سبيل المثال منظومة ترجمة تعاونية تطوعية، تتيح لأي شخص الاتضمام للشبكة وترجمة أي نص يرغب فيه". يعمل بابلو مهندسا صناعيا، أما أليسا فتعمل مدرسة، وقد تعارفا في المستشفى عن طريق أصدقاء مشتركين، ضموهما لمجموعة أصدقاء على "تطبيق واتس آب". يلازم بابلو المنزل معظم الوقت، نظرا لأنه يشعر بالتعب الشديد من أقل مجهود، إلا أن حالته الآن مستقرة بعد تجاوزه فترة بالغة التعقيد. أما إليسا فقد كانت تعمل مدرسة للغة الإنجليزية، وبرغم تحسن حالتها كثيرا، إلا أنها تستبعد عودتها لقاعات الدرس قريبا. والآن هدفهما المشترك، تحويل مشروعهما إلى شبكة احترافية، والحصول على تمويل، للتفرغ للمشروع بدوام كامل، لكي يتمكنا من توصيل شبكة الأمراض النادرة لأكبر عدد ممكن من البشر. "من الممكن أن تكون سعيدا مع إصابتك بالمرض. يجب التركيز على ما يستطيع المرء القيام به وليس العكس"، يؤكد بابلو، أما إليسا فتتذكر بشجن "لو لم نصب بالمرض، بالتأكيد لم نكن لنتقابل مطلقا"، بينما تواصل تصفح شبكة الأمراض النادرة.;
مشاركة :