أصدق وأنبل قصة حب في الوجود

  • 4/3/2017
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

من يعرف شكل الألم لا يمكن أن يعيد سيرته مطلقاً، وبمحض إرادته، إلا الأمهات!! تتذكر «الأم» تفاصيل آلام الولادة، منذ الغثيان، وعيافة الأكل والحياة، أنين أوجاع الظهر، البطن الممتلئ المنفوخ الذي تحمله على جيدها المنهك.. تتذكر التعب، السهر، تحسس نبض جنينها، ترقب خروجه صحيحاً معافى، وأوجاع ما بعد الولادة التي لا تُحتمل.. الأرق الذي لا ينقضي مع وليدها... كلما غفت أيقظها ببكائه الذي لا تعرف له سبباً، الهالات السوداء التي بدأت تدشن لحياة جديدة وعذابات جديدة.. تتذكر تماماً ملاحقتها له حين يحبو خوفاً من أن يبتلع خطراً أو يولجه إلى أنفه.. تتذكر لهاثها وهي تجري خلفه حين يبدأ في تجريب الهرولة؛ يصطدم بكل من أمامه.. حين يقفز ويتقلب؛ تقفز وتتقلب معه بالتآزر خشية وقوعه أو انزلاقه.. تتذكر إنهاك حمله على ظهرها مريضاً في المستشفى، وترقبها الطويل قطرات المغذِّية الطبية تتنفذ إلى وريده، تتذكر أنه وفي الوقت الذي كان يفترض أن تكون فيه غارقة في النوم تغدو جمرة حرارة في عينيها من طول السهر تجس حرارته، وأنها في وقت المساء الذي كانت فيه تحتسي القهوة بانتشاء وسكينة وروقان أمام التلفاز غدت فيه معلمة من غير أجر؛ تذاكر وتُسمّع وتلقن وتتابع الخط وتغضب لخطأ فتندلع أوجاع الصداع في رأسها ليومين وثلاثة. وفي الوقت الذي كانت تجتمع فيه مع صديقاتها في مقهى وبوح، أصبحت تقضي ساعات واقفة دون شعور منها؛ تلعّب صغيرها، وتلوح له بيدها حين يقترب منها في اللعبة التي تدور، دوّخت رأسها، ليلاحقها ضجيج الملاهي حتى في المنام. تكتئب بقية يومها حين يمتنع عن تناول إفطاره قبل ذهابه للمدرسة، وتنهار حين تتراجع درجاته.. وتهجس حين يتغيب عن مدرسته. وأنها منذ أنجبته ما عرفت راحة الضمير الذي يوجها بوخزه كلما انشغلت عنه. وكلما همّت بوضع حدٍ لمهانة زوجها وإذلاله وتعنيفه، تذكرت وجه طفلها والمستقبل المجهول الذي بانتظاره، فتراجعت واحتملت من المهانة ما لا يحتمله البشر... تتحرى نتيجة تخرجه كأجمل يوم يمر في حياتها.. أجمل من يوم عرسها... تنام وتصحو على حلم توظيفه، وتبتهل إلى الله بأن يوقع في دربه بنت الحلال التي تسعده بكل صدق وتفانٍ... تتذكر الأم فصول القصة بدقة وذاكرة فولاذية... ومع هذا تعيد تجربتها من جديد، مرة ومرتين وثلاثة.. من دون أن تعرف سبب تكرارها، قصة عجيبة فيها من القلق والترقب والخوف والإنهاك أكثر من المتعة!! ومع هذا تعاد بكل فرح وسرور وبهجة، ومن دون مقابل ولا انتظار تعويض، ولا تحري السداد.. ما من ابن أو ابنة في مقدوره سداد فواتير أمه المتراكمة لسنين، تبلغ عنان السماء!! تكتفي الأمهات بشرف تدوين أصدق وأنبل قصة حب في الوجود....

مشاركة :