كفلت الشريعة الإسلامية والأنظمة والقوانين المعمول بها في المملكة بتجريم "إساءة استعمال السلطة"؛ لما تسببه من ظلم وإقصاء وانتقام وإضرار بالناس واعتداء على حقوقهم وأكل لأموالهم بالباطل، كما تُسهم في ظهور الآثار والنتائج السلبية التي يتكبدها الوطن والمواطن والمقيم، باعتبارها خيانة للأمانة وغياب للضمير، وأحد أشكال الفساد الإداري، وأخطر أنواع الجرائم المتعددة: كجرائم الرشوة والتزوير والاعتداء على المال العام، أو التربح من أعمال الوظيفة، أو التحايل على النظام ونحوه. وعلى الرغم من أن للسلطة حدودا ومعاييرا ثابتة نظاماً؛ إلا أن البعض قاموا بتجاوزها وأساؤوا استخدامها بشتى صورها وطرقها الحديثة، وأخلّوا بأخلاقيات المهنة وشرف الأمانة الوظيفية، من خلال استغلالهم السلطة والنفوذ بشكل جاد ومتقن منتهزين كل الفرص المؤدية إلى بعض الثغرات التي تمكنهم من تحقيق مصالحهم الشخصية على حساب المصالح العامة. وأمام هذا المشهد؛ كان للقضاء العادل والنزيه كلمة الفصل عبر دوره الرقابي والقضائي الهام في إحقاق العدل، وإنصاف المظلوم والحد من تصرفات ذوي النفوذ والسلطة جراء استعمالهم غير المشروع للسلطة ومخالفتهم للتشريعات الإسلامية والتعليمات والقوانين التي سنتها أنظمة الدولة من خلال إصدار الأحكام القضائية بحقهم، وإلغاء قراراتهم التي تحيد فيها عن المصلحة العامة. تحقيق "الرياض" يناقش إساءة استعمال السلطة، ودور الجهات القضائية في معالجة عيوب وإشكالات القرار الإداري. رفع الضرر في البداية أكد د. منصور الشبيب، عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء أن الإسلام حرص على رفع الضرر الذي يقع على المكلف، وكفل له الوسائل الشرعية التي ترفع الضرر عنه، وأرسى مبادئ العدالة والمساواة بين المكلفين، وأعطى كل ذي حق حقه، مشيراً إلى أن الإسلام قد منع الظلم والإضرار بالناس، ومنع الاعتداء على حقوقهم، وشدد في أكل أموال الناس بالباطل، وحرم الكسب الحرام، ونهى عن الغش والخداع بشتى صُوَرِه. وقال: إنه نظراً لأن بعض المكلفين الذين يمنحون سلطة على الآخرين قد يقع منهم إساءة لاستعمال السلطة، والتي تتخذ مظاهر متعددة، مثل: الرشوة، أو التزوير، أو الاعتداء على المال العام بسرقته، أو تبديده، أو التفريط في حفظه، أو التربح من أعمال الوظيفة، أو التحايل على النظام، أو إساءة المعاملة، أو المحاباة والإيثار، والاستئثار، أو الإضرار بالأموال والمصالح، فقد حرم الإسلام مثل تلك الأساليب لكونها خيانة للأمانة، وتعاوناً على الإثم والعدوان، موضحاً أنه ولما كان الملجأ في الفصل بين الناس هو القضاء، فقد جاءت التشريعات النظامية في هذه البلاد المباركة بإناطة النظر في مثل هذا النوع من المنازعات إلى ديوان المظالم، حيث إنه هو المختص ولائياً في مثل هذه القضايا، مضيفاً أنه يضطلع بالدور الرقابي والقضائي على أعمال الإدارة، ويقوم بدور رائد في هذا المجال؛ إحقاقاً للعدل، وإنصاف من يتظلم من أفعال وتصرفات ذوي النفوذ والسلطة الذين يسيؤون استعمال الصلاحيات الممنوحة لهم نظاماً، فهو أداة لرفع الظلم وإحلال العدل. وأضاف أن الأنظمة في المملكة كفلت بتجريم إساءة استعمال السلطة، مؤكداً أنه جاء في نظام الخدمة المدنية الصادر عام (1397هـ) بذلك؛ حيث نصت المادة (12/أ) على أنه: "يحظر على الموظف إساءة استعمال السلطة الوظيفية"، لافتاً إلى أنه وبحكم الاختصاص الولائي في نظر مثل هذه القضايا لديوان المظالم في المملكة فقد قام بجهود كبيرة في نظر مثل هذا النوع من القضايا، ويقوم بالتثبت من الدعاوى التي ترد بهذا الشأن، مشدداً أنه قد قام بإلغاء كثيرٍ من القرارات الإدارية التي يكون منشؤها فيه إساءة لاستعمال السلطة بمفهومها الواسع الآنف ذكره. إلغاء القرار الإداري وأشار د. الشبيب إلى أن هذا الدور الرائد من ديوان المظالم يعمل على تحقيق العدل، وإرساء مبادئ الأمن الاجتماعي، وإنصاف كل ذي حق، إلى جانب أنه لا يكتف بمجرد إلغاء القرار الإداري الناتج عن سوء استعمال السلطة، بل يلحق جزاء تأديبياً وعقوبة تبعية لمن يسيء استعمال سلطته، مؤكداً أنه مثل هذا النوع من القرارات والأحكام القضائية التي يصدرها ديوان المظالم مشكوراً يعد اختصاصاً حيوياً للغاية، حيث إنه يكشف عن مواطن الخلل، وخبايا الفساد، ومعيناً للإصلاح ومحاربة الفساد. تجاوز الصلاحيات من جهته تحدث سعيد العُمري - محام ومستشار قانوني، عن إساءة استعمال السلطة من جوانب عملية بحته، وتحديداً من حيث المفهوم والتكييف القضائي لجريمة إساءة استعمال السلطة، حيث أكد أنها تعرف "تجاوز الصلاحيات والمسؤوليات وإساءة المعاملة باسم الوظيفة التي يتولها الموظف العام وعدم التقيد بالأنظمة والتعليمات التي تحكمه"، مشيراً إلى أن دعاوى إساءة استخدام السلطة كثيراً ما ترفع ضد من طبيعة عملهم تحتاج إجراءات معينة. وقال العُمري: إن ديوان المظالم كان من خلال الدوائر الجزائية هو من يتولى الفصل في هذه القضايا ضمن جميع الجرائم المتعلقة بالوظيفة العامة قبل أن تصبح المحاكم الجزائية مختصة بالنظر في مثل هذه القضايا، مبيناً أن هناك مبادئا قضائية مستقرة في قضايا إساءة استعمال السلطة منها ما قرره الحكم القضائي رقم 96/د/ج/2/ ق لعام 1427هـ والمؤيد بحكم التدقيق رقم 190/ت/ 2 لعام 1428هـ، المتضمن ما يلي "عند نظر قضايا إساءة استعمال السلطة يتعين التفريق بين من يدعي إساءة استعمال السلطة ضده، وقد يكون من ادعى إساءة استعمال السلطة ضده رجلا عاديا سواء كان موظفاً أو أي شخص آخر، وهذا يختلف عما إذا كان الشخص المدعى لإساءة استعمال السلطة من فئة يصعب التعامل معهم ولأفعالهم نتائج إجرامية خطيرة ويعرفون أن عقوباتهم شديدة رادعة وأنه يحاول قدر الإمكان الإفلات من العقاب ومن ذلك المقاومة والعنف والاستفزاز والإيذاء بجميع أنواعه فمثل هذه الطائفة تحتاج إلى إجراء معين وفئة مدربة لكف أذاها". وأضاف: إنه حتى يتضح المقام نضرب مثلاً بالأعمال التي يصاحبها العنف عادة، موضحاً أنه في المقابل؛ فإن هذا المبدأ لا يبرر المبالغة في استخدام العنف في جميع أعمال الضبط وتجاوز الحدود المقررة، مشيرا إلى أن إثبات هذه الجريمة يتطلب توافر ركنين أساسيين وهما الركن المعنوي الذي يثبت بتحقق علم المتهم واتجاه إرادته إلى الفعل، والركن المادي الذي يتمثل في الفعل مثل إطلاق النار بغير مسوغ نظامي، مؤكداً أن من تثبت إدانته في جريمة إساءة استعمال السلطة يعاقب بعقوبة تعزيرية وفقاً لأحكام المادة الثانية والفقرة الثامنة من المرسوم الملكي رقم (43) لعام 1377هـ، بالسجن لا تزيد عن عشر سنوات وغرامة لا تزيد عن عشرين ألف ريال، إضافة إلى إلزام من تثبت إدانته بالتعويض المناسب لمن أصابه ضرر برد المبالغ التي أخذت بغير وجه شرعي. د. اليوسف: رقابة «المشروعية» على الأجهزة الإدارية باب كبير ومهم شدد د. خالد اليوسف - رئيس ديوان المظالم رئيس مجلس القضاء الإداري -، أن رقابة المشروعية على الأجهزة الإدارية أصل من أصول القضاء الإداري وهو باب كبير ومهم، يقرر له مباحثه ومطالبه وفصوله، مؤكداً خلال محاضرة ألقاها مؤخراً بكلية الحقوق والعلوم السياسية بجامعة الملك سعود بعنوان «رقابة ديوان المظالم على مشروعية أعمال الإدارة»، إن مفهوم المشروعية هو تطبيق النظام وأن تكون إجراءات وتصرفات الإدارة خاضعة للنظام وهي من أهم الضمانات القضائية للأفراد والعاملين؛ وذلك من أي انحراف عن الغاية النظامية لجهة الإدارة، موضحاً أن التزام الإدارة بالقانون هدف القضاء الإداري وأن المشروعية تقويم لعمل الجهات الإدارية وفق ما ترعاه من أنظمة تسيّر عمل المرفق. وأوضح: أن رقابة ديوان المظالم ليست رقابة ذاتية وإنما رقابة قضائية، وأن رقابة المشروعية تمثل أساساً وعليه مدار أكثر الأحكام التي تصدر من الديوان، و أن نطاق المشروعية هو جميع الأجهزة الحكومية، موضحاً أن رقابة الديوان لجميع تصرفات الجهات الحكومية وهي أن تكون خاضعة لمشروعية القرار خالية من العيوب سواء الشكل والاختصاص أو السبب والمحل أو الخطأ في تطبيق النظام وتفسيره وتأويله، مشيراً إلى أن أنظمة المملكة مطابقة للشريعة الإسلامية في جميعها وما نص عليه النظام الأساس للحكم من أن (الحكم يستمد في المملكة سلطته من كتاب الله وسنة رسوله ﷺ وهما الحاكمان على هذا النظام وجميع أنظمة الدولة)، وأن قيادتنا الرشيدة وفقهم الله حامين للمنهج الإسلامي القويم بوسطية واعتدال، لافتاً إلى أن أعمال السيادة وحالة الضرورة (الظروف الاستثنائية) والسلطة التقديرية للإدارة تعُد من الاستثناءات من رقابة المشروعية كما جاء في الأنظمة والأنظمة المقارنة، مستشهداً بآثار السنة النبوية، مؤصلاً ذلك على أحكام الشريعة الإسلامية، شارحاً إياه على تطبيقات قضائية من قضاء ديوان المظالم. إساءة استعمال المسؤول لصلاحياته جريمة يعاقب عليها النظام يجب معالجة الثغرات الإدارية التي قد تستغل من قبل ضعاف النفوس د. منصور الشبيب سعيد العُمري د. خالد اليوسف
مشاركة :