رغم تأكيد ابتعاد الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد من سباق الترشح للانتخابات الرئاسية، فإن اسمه ما زال أكثر الأسماء إثارة للجدل في المشهد السياسي الإيراني؛ ففي حين يواجه انتقادات واسعة من حلفاء الأمس في التيار المحافظ، فضلا عن خصومه في ائتلاف الرئيس الحالي حسن روحاني بسبب تصريحات يشتبه أنها موجهة للمرشد الإيراني علي خامنئي، قلل رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان، علاء الدين بروجردي، من أهمية المخاوف حول نشاط أحمدي نجاد الانتخابي بقوله إنه «يضفي حماسا على الانتخابات»، مؤكدا أنه «يجب ألا يؤخذ على محمل الجد». تزامن الجدل مع استمرار الشكوك في معسكر الإصلاحيين والمعتدلين حول وجود مرشح «ظل» إلى جانب روحاني، وذلك في حين أعلنت لجنة الانتخابات الإيرانية الجدول الزمني للسباق الرئاسي الذي يبدأ في الحادي عشر من أبريل (نيسان) بتسجيل المرشحين. وبعد عشرة أيام تفتح لجنة الانتخابات الإيرانية أبواب الترشح للانتخابات الرئاسية، ويعد حميد بقائي المرشح الوحيد الذي تأكد ترشحه للانتخابات بينما تحوم الشكوك حول الأسماء المتداولة الأخرى بما فيها الرئيس حسن روحاني. ولم يعلن روحاني حتى الآن صراحة نيته الترشح للانتخابات على الرغم من مرور أكثر من أسبوعين على تأكيد ائتلاف المعتدل والإصلاحي دعم ترشح روحاني لتولي فترة رئاسية ثانية. وكانت تقارير تناقلت عن مصادر مقربة من روحاني ترشحه للانتخابات عقب حصوله على الضوء الأخضر من خامنئي. وكان آخر خطابات أحمدي نجاد في 22 من مارس (آذار) الماضي في الأحواز جنوب غربي البلاد، أول ظهور علني له إلى جانب المرشح حميد بقائي، في تراجع واضح من الموقف الحيادي الذي أعلنه سابقا. وفي خطابه المثير للجدل يوجه أحمدي نجاد انتقادات لاذعة للحكومة بسبب تجاهل أوضاع الأحواز البيئية، والإصرار على تحويل مجرى الأنهار، كما ينتقد تجاهل الوضع المعيشي لسكان المنطقة، بينما هي تنتج أكبر معدل للنفط والغاز الإيراني. ولم يتوقف الأمر عند ذلك، بل وجه أحمدي نجاد سهام النقد إلى مسؤول رفيع يتجنب ذكر اسمه بسبب قطع الدعم المالي الذي أقرته حكومته للأسر الإيرانية. وشبّه أحمدي نجاد مسؤولا رفيعا في النظام بالسلطان الذي يستأثر برأي دون ثمانين مليون إيراني، كما يتجاهل نحو 70 في المائة من الإيرانيين الذين يطالبون باستمرار الدعم الحكومي. ومنذ أكثر من عشرة أيام لم يتوقف الجدل حول هوية المسؤول المقصود بانتقاد أحمدي نجاد. فبينما اعتبر مقربون من أحمدي نجاد أن المقصود هو روحاني، دفع مقربون من روحاني باتجاه أن يكون الشخص المقصود في التصريحات هو شخص خامنئي. وتعمق الجدل حول تصريحات أحمدي نجاد عندما عزز سكرتير مجلس تشخيص مصلحة النظام والقيادي في الحرس الثوري، محسن رضائي، الشبهات بمطالبة أحمدي نجاد سحب تلك التصريحات وتكذيب صحة ما ورد على لسانه. ردا على ذلك، اعتبر المستشار الإعلامي الحالي لأحمدي نجاد، علي أكبر جوانفكر، أن سكرتير مجلس تشخيص مصلحة النظام أدلى بتلك التصريحات تأثير «تلقين شيطاني من وسائل الإعلام المعارضة». بدوره نشر محمد علي رامين، المساعد الإعلامي في وزارة الثقافة في زمن رئاسة أحمدي نجاد مقالا انتقاديا عبر حسابه في شبكة «تليغرام» يصف رئيسه السابق أحمدي نجاد ومساعديه اسفنديار رحيم مشائي وحميد بقائي بـ«المهرجين الثلاثة في الربيع». واستخدام الربيع هنا استعارة من الشعار الذي يرفعه تيار أحمدي نجاد، وخطف المقال اهتمام المواقع المعارضة لأحمدي نجاد والمقربة من روحاني؛ لأن صاحبه يعتبر من المحسوبين على أحمدي نجاد حتى وقت قريب. في الجهة الأخرى، فإن مقربين من روحاني حاولوا خلال الأيام الماضية دفع الأمور باتجاه تعزيز الشكوك حول أن تكون التصريحات موجهة إلى خامنئي. وبعد هجوم لاذع من المساعد السياسي في مكتب الرئيس الإيراني حميد أبو طالبي، اتهم أحمدي نجاد بـ«كسر الأعراف السياسية» دخل المستشار الإعلامي لروحاني على الخط عبر نشره استفتاء في حسابه على شبكة الإنترنت يتساءل فيه: «من هو المقصود في خطاب أحمدي نجاد هل هو الرئيس الإيراني أم المرشد أم المحافظون؟». وذلك في وقت أبدى مراقبون مخاوفهم أن يستغل أنصار أحمدي نجاد تلك التهم التي تلاحقه «لإنقاذ» موقفه في المشهد السياسي الإيراني. على صعيد المعسكر المحافظ، فإن التوقعات تشير إلى أن الجبهة الشعبية للقوى الثورية (جمنا) تتجه إلى ترشيح إبراهيم رئيسي رئيس الهيئة «الرضوية». وأفاد موقع «انتخاب» الإيراني أمس عن مصادر مطلعة، بأن رئيسي سيعلن موقفه النهائي من الترشح للانتخابات بعد أيام في الثامن من أبريل، وتحديدا بعد 24 ساعة من اجتماع ائتلاف المحافظين «جمنا». من جانبه، قال المتحدث باسم لجنة «صيانة الدستور» عباس كدخدايي إن على إبراهيم رئيسي تقديم استقالته من اللجنة المشرفة على الانتخابات الرئاسية إذا قرر خوض السباق الرئاسي، حسب ما نقلت عنه مجلة «مثلث» السياسية. كذلك آثار كدخدايي مرة أخرى النقاش حول إمكانية رفض أهلية روحاني في الانتخابات المقبلة، وفي إشارة إلى ما تردد عن حصول روحاني على موافقة المرشد قال: إن اللجنة ستقوم بعملها بمعزل عن ذلك. ونفي كدخدايي أن يكون قرار خامنئي في إبعاد أحمدي نجاد من الانتخابات الرئاسية ساريا على مقربين من أحمدي نجاد، وشدد على أنه لا يعتقد بأن الرئيس الإيراني ينوي الترشح للانتخابات. في هذا الصدد، أعلن المتحدث باسم الوزارة الداخلية الإيرانية، سلمان ساماني، قائمة المناصب التي يترتب على المسؤولين تقديم الاستقالة قبل خوض الانتخابات الرئاسية، ووفق ساماني فإنه يترتب على المسؤولين الذين لديهم صلات مباشرة باللجان التنفيذية والمشرفة على الانتخابات تقديم الاستقالة قبل إعلان الترشح للانتخابات الرئاسية. وقال ساماني إنه يتوجب على أعضاء اللجنة المشرفة على الانتخابات واللجان التنفيذية وأعضاء لجنة صيانة الدستور تقديم الاستقالة قبل الترشح للانتخابات. كما اشترط على منتسبي الأجهزة العسكرية والأمنية تقديم الاستقالة وقبولها قبل فتح أبواب الترشح للانتخابات. في شأن متصل، فإن ائتلاف التيار الإصلاحي والمعتدل لم يحسم بعد قرار النهائي حول وجود مرشح «ظل» إلى جانب حسن روحاني، وتداولت فكرة وجود مرشح «ظل» إلى جانب الرئيس الحالي خشية تعرضه لضغوط من التيار المحافظ في الانتخابات الرئاسية. وقال نائب رئيس كتلة «الأمل» الإصلاحية في البرلمان محمد رضا تابش، أمس: إنه «من الضروري وجود مرشحين آخرين» إلى جانب روحاني «نظرا لأحداث من الممكن أن تحدث في الانتخابات» وفق ما أفادت وكالة «إيلنا» الإصلاحية. وكان عضو اللجنة المركزية في حزب «عمال البناء» (أسسه هاشمي رافسنجاني) غلام حسين كرباستشي السبت الماضي في تصريح لوكالة «ايلنا» ربط وجود مرشح «ظل» بقرار الرئيس الإيراني حسن روحاني، وفي إشارة إلى مناظرة تلفزيونية مرتقبة بين المرشحين للرئاسة قال: إن وجود مرشحين آخرين من شأنه أن يخفف عن روحاني مقابل الأسئلة المطروحة من مرشحي التيار الآخر.
مشاركة :