أسس عازف التشيللو يو- يو ما مجموعة طريق الحرير في عام 1998 بهدف تبادل الأفكار والتقاليد بين البلدان الواقعة على طريق الحرير التاريخي، واستكشاف دور الفن في تبادل المفاهيم العالمية. وسعت المجموعة التي تضم مجموعة موسيقيين من أكثر من 20 دولة من بينهم عازف الكلارينت السوري كنان العظمة إلى ربط العالم من خلال الفنون، وذلك عبر توفير عروض وبرامج تعليمية موسيقية وتعزيز مستوى التعاون الثقافي حول العالم. ومنذ بداية القرن الحادي والعشرين رسمت ملامح جديدة للموسيقى الكلاسيكية، وقدمت رصيداً فنياً يختزل مختلف القارات والأزمنة لتمثل باقة متنوعة من الثقافات العالمية، كما أرست أشكالا جديدة للتبادل الثقافي من خلال العروض وورش العمل وبرامج الإقامة. ورسم موسيقيوها لوحات تراثية غنية من جميع أنحاء العالم تعكس الهوية الإنسانية المعاصرة ومتعددة الجوانب، تجمع بين الغريب والمألوف لتبدع لغة موسيقية جديدة. سجلت المجموعة 6 ألبومات حتى الآن. وتم تسجيل الألبوم الجديد "غن لنصل إلى الوطن" الحائز على جائزة غرامي عام 2017 بالتزامن مع إطلاق الفيلم الروائي الطويل "موسيقى الغرباء: يو- يو ما ومجموعة طريق الحرير" من إخراج المبدع مورغان نيفل الحاصل على جائزة الأوسكار. ويتم عرضه حالياً على قناة صندانس في دولة الإمارات العربية المتحدة، وقد أقامت أخيرا حفلا بقيادة عازف التشيللو العالمي وسفير السلام للأمم المتحدة، "يو- يو ما" الحائز على جائزة "غرامي" الموسيقية 18 مرة، وذلك ضمن فعاليات البرنامج الرئيسي للدورة الرابعة عشرة من مهرجان أبوظبي لعام 2017 على مسرح قصر الإمارات. عزفت المجموعة عدداً من المقطوعات الموسيقية، عكست رؤية مؤسسها "يو- يو ما"، ومن بينها مقطوعات "يانزي ـ أغنية السنونو" لدجاو لين، و"الملك أشوكا" و"المدينة الصامتة"، ومقطوعة "زفاف" من تأليف كنان العظمة، والتي تعكس أجواء العرس في القرى السورية، وهي إحدى أغاني البوم "غن لنصل إلى الوطن" الحائز على جائزة "غرامي" لعام 2017. وقدمت المجموعة عرضها بالعزف على عدة آلات موسيقية متنوعة ما بين آلات النقر، والوتريات الغربية، والتي تعكس تنوع عناصر التقاليد الإنسانية التي تصنع التراث الثقافي المشترك. مقطوعة "زفاف" للموسيقار السوري كنان العظمة هي الحركة الموسيقية الثالثة والأخيرة من مقطوعة للعزف الارتجالي والأوركسترا ألفها في عام 2007 لفرقته الثلاثية "حوار"، وحاول من خلالها طمس الحدود بين التأليف والارتجال لإيمانه بأن أفضل المؤلفات الموسيقية هي العفوية والارتجالية وأفضل أنواع الارتجال هو المنظم. وتستند هذه الحركة إلى المبدأ ذاته متيحة للعازفين المنفردين فرصة العزف بحرية في الكيان الأكبر للعمل الموسيقي. وتحاكي "زفاف" الجو العام لحفلات الزفاف في القرى السورية، والتي تقام عادة في ساحة عامة ليتمكن الجميع من الحضور وتزخر بالحماس والبهجة والمفاجآت. وقد أهدي "كنان" المقطوعة إلى جميع السوريين الذين وقعوا في شباك الحب خلال السنوات الست الأخيرة. وسردت المقطوعة الموسيقية "الملك أشوكا" كما أوضح الموسيقار نيكولاس كوردز قصة الملك أشوكا حيث تبدأ بصورة سمعية تستحضر إلى الأذهان اعتناق "أشوكا" النهائي للبوذية، وذلك من خلال صوت الأجراس والترانيم المقدسة. وبعدها تفسح الضربات الإيقاعية الأولى الطريق أمام ألحان التشيللو لتعكس لحظة اعتناق أشوكا للبوذية. وجسد لحن التشيللو، المستوحى من أنغام راج بيرافي، عنصرين متناقضين في قصة "الملك أشوكا" حيث يجمع هذا اللحن الهندي التقليدي بين هدوء الطبيعة عند شروق الشمس وآلهة الحرب عند الهندوس في آن معاً. وتتطور هذه المعزوفة لاحقا إلى سلسلة إيقاعات أكثر تعقيداً وميلا للموسيقى الحربية، فتتصاعد بعدها حتى تبدو على غرار مقطوعة اكتسبها داس من معلمه الروحي بانديت كيشان مهراج، وتصور أصوات إطلاق المدافع. وعلى خلاف أعمال الارتجال التي قام بإعدادها داس في المجموعة، يعتبر التداخل الإيقاعي المعقد في عمل "الملك أشوكا" ثمرة جهود طويلة من أعمال التأليف والتدوين الموسيقي. أما مقطوعة "المدينة الصامتة" فقد اسـتمدت إلهامها من تدمير مدينة حلبجة في إقليم كردسـتان العراق، وهي تختزل بذلـك قصص جميع المـدن والمجتمعات التي عانت من الدمار. وتتمحـور حول تجدد الحياة بشـكل دائم منبثقة من رحم الدمار والمعانـاة. وكما هو الحال في مقطوعة "الملك أشـوكا"، يتجلى السرد الموسيقي بصورة عكسـية انطلاقاً من أنقاض المدن. المشهد الافتتاحي عبارة عن أجواء موسيقية هامسة ومتناثرة تجسد عالماً من الدمار والخراب. وتتردد فيها أصداء أصوات بعيدة تتكاثـف ببطء حتـى تبلغ الذروة. ويعتبر الجزء الأول مـن هذه المقطوعة ارتجاليـاً تماماً متيحاً لنا العمل على إبداع شـعور بالإشباع وسط هذا العالم القاحـل. وبعد ذلـك، تنطلق ترنيمة الرثاء على آلة الكمانتشـه بناء على لحن تقليدي من الموسـيقى التركيـة. ويليها لحـن كردي يتكرر متخطياً حدود العالـم المتناغم كثيـر التغيرات ليثمر في نهاية المقطوعة عن رقصة فرح ضمن مسـاحة 8/7 أمتـار تصور بوضوح عودة الحياة من جديد. حول لتأسيسه للمجموعة قال "يو- يو ما" المؤسس والمدير الفني "إن العالم يتغير بسرعة هائلة، وإحدى التغيرات التي يشهدها هي أن تـأثير الأشخاص على بعدهم الجغرافي بات أكثر وضوحاً اليوم فيما يدعى بظاهرة العولمة. وقد دهشت عندما أخبرني أحد أصدقائي بأنها ليست ظاهرة حديثة، وأن البشر لطالما عرفوا الكثير عن الثقافات الأخرى وتأثروا ببعضهم البعض لكن بوتيرة أبطأ من الآن، ويعد طريق الحرير التاريخي خير مثال على ذلك. وقد استقيت إلهامي في تأسيس مجموعة طريق الحرير وفرقتها من الخوف الذي قابل به الناس العولمة، ورغبتي بأن أختبر الحوار كجزء من منافع الحياة في عالمنا المترابط اليوم. وأكد أن شغفه بالتعرف على الناس يضاهي شغفه بالموسيقى، التي تساعدني في التواصل مع الآخرين بما أقدمه لهم وما يشاركونني به. ومن بين الأشياء العديدة التي تعلمتها من عملي مع مجموعة طريق الحرير هو تفرد وترابط موسيقى الحضارات، وكان هذا الاكتشاف من أسعد تجاربي في الحياة". وذكر "يو- يو ما" إبان تشكيلنا للمجموعة، أذكر أن رجلا يابانياً أخبرني بأمر مهم بقي راسخاً في ذهني، إذ قال لي "لو تمعنت عميقاً في أي شيء محلي، ستجد أن له أبعاداً عالمية"، وأنا أرى أن الثقة عنصر أساسي في أي تعاون سواء كان موسيقياً، أو دبلوماسياً، أو حتى على مستوى تنظيم حفل عشاء. وأعتقد أن السبيل إلى هذه الثقة يكون بالبحث المتواصل عن البعد العالمي في الأشياء المحلية، وفهم الأمور التي يثمنها الآخرون والبحث عن عناصر مشتركة معهم. ولفت إلى أن المجموعة تحب العمل مع الموسيقيين الشباب، وقال "نسعى لذلك كلما سنحت لنا الفرصة في الجولات الموسيقية. إننا نغدو أفضل كمعلمين حينما نستمر في التعلم". وحول الخطوة التالية في مسيرة مجموعة طريق الحرير أشار يو- يو ما إلى أنه في غاية الحماس لتقديم عمل "ليلى والمجنون" بالتعاون مع مجموعة مارك موريس للرقص. وقد تم تقديم هذا العمل للمرة الأولى في سبتمبر/أيلول الماضي طيلة أمسية كاملة جمع خلالها بين رقصات من تصميم مارك موريس وموسيقى حية من مجموعة طريق الحرير برفقة المغنيين الأذربيجانيين عليم قاسيموف وفارجانا قاسيموفا. وها نحن اليوم وسط جولتنا العالمية، وأشعر بالفخر بأن المجموعة تشارك فنون العالم الإسلامي اليوم مع جماهير جديدة. كما نعمل على مشاريع أخرى مثل برامج الورشة العالمية للموسيقيين وثقافة موسيقى الشباب غوانغدونغ التي تشارك بعضاً من تجاربنا على مدى عقدين من الزمن تقريباً في مجموعة طريق الحرير. محمد الحمامصي
مشاركة :