احتفلت جامعة الدول العربية (أمس) بيوم المخطوط العربي، وقال الأمين العام للجامعة أحمد أبو الغيط إن الاحتفال يأتي في ضوء «النزاعات والصراعات الخطيرة التي تعتصر العديد من الدول العربية وتهدد الإرث الحضاري والثقافي، الذي يعد أحد أهم عناصر الهوية العربية والذاكرة الحية للأمة، ولذلك فإن هذا الموروث يشكل ثروة ثقافية ووطنية يجب المحافظة عليها من التدمير والضياع والإهمال ومحاولات الطمس والتشويه». ويعتبر أبو الغيط في الكلمة، التي ألقتها نيابة عنه الأمين العام المساعد رئيس قطاع الإعلام والاتصال السفيرة الدكتورة هيفاء أبو غزالة، نظراً لارتباطه بمحادثات في لوكسمبورغ مع وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي، التراث المخطوط الذي يقدّره معهد المخطوطات العربية بحوالى ثلاثة ملايين، جزءاً لا يتجزأ من هذا الموروث الثقافي والحضاري، حيث «يمثّل كنزاً حضارياً وتاريخياً وثقافياً نظراً لما يمثله من قيمة علمية وتاريخية ويظل دائماً شاهداً على مدى تقدم العرب في مختلف مجالات العلوم». وكان وزراء الثقافة العرب أطلقوا مبادرة «يوم المخطوط العربي» عام 2013، والذي يوافق تاريخ إنشاء معهد المخطوطات العربية في عام 1946. وقال أبو الغيط في كلمته في الاحتفال والتي جاءت تحت عنوان «التراث في زمن المخاطر»، إن «منطقتنا العربية شهدت عبر التاريخ حروباً ضارية أثرت سلباً في تراثها المخطوط، إذ كان يتم تدمير المخطوطات إما إغراقاً أو حرقاً، كما تعرض هذا التراث للسرقة والترحيل إلى الخارج». وأشار إلى أن نهايات القرن الحادي عشر الميلادي شهدت أول وأكبر عملية إعدام للتراث المخطوط في الشام ومدنه، حيث دمرت الحملة الصليبية الأولى مئة ألف مخطوط من المخطوطات النفيسة في مجالات العلوم والأدب والفلسفة والفلك. وتابع: «وفي منتصف القرن الثالث عشر الميلادي اجتاح المغول بغداد – أكبر عاصمة للمخطوطات في العالم - وقاموا بإغراق تراثها المخطوط في نهر دجلة. ومع نهاية القرن الخامس عشر الميلادي شهدت الأندلس جريمة أخرى ارتُكبت في حق التراث المخطوط، حيث تم إحراق مليون مخطوطة في كل من قرطبة وغرناطة». وعبّر أبو الغيط عن أسفه لـ «تواصل التدمير الممنهج لإرث المخطوطات في بدايات القرن الحادي والعشرين الميلادي مع الاحتلال الأميركي للعراق واجتياح المتحف الوطني بالدبابات، حيث تم تدمير المخطوطات وتهريبها إلى الخارج». ولفت إلى الدمار الذي حلّ بسورية «حيث نال الإرهاب الغاشم من التراث، ودُمر التراث المخطوط في مدينة حلب جراء القصف المستمر للمساجد والمكتبات الحاضنة لهذا التراث». كما أشار إلى «ما حل بدولة فلسطين التي وقع تراثها المخطوط في براثن الاحتلال الإسرائيلي الذي قام بتشويهه وطمسه وتزويره واستخدامه في دعم مزاعمه الباطلة». ونوه إلى اهتمام الجامعة بالحفاظ على تراث الأمة العربية وترسيخ عملية الحفاظ على هذا التراث، وذلك بموجب المادة السادسة من المعاهدة الثقافية التي أقرها مجلس الجامعة عام 1945، والتي تنص على أن دول الجامعة «تتعاون على إحياء التراث الفكري والفني العربي والمحافظة عليه ونشره وتيسيره للطالبين بمختلف الوسائل». وأشار إلى إنشاء معهد المخطوطات العربية - أو معهد إحياء المخطوطات كما كان يُطلق عليه في السابق - بهدف رصد التراث العربي المخطوط، والحفاظ عليه وصيانته، وتحقيقه ونشره، وفهرسته ودراسته. وأشار إلى إنشاء الجامعة للجنة دولية للحفاظ على التاريخ الوطني الإنساني، بمشاركة منظمات اليونيسكو والألكسو والإيسيسكو والبرلمان العربي، والتي وجّهت بإعداد موسوعة التراث الثقافي العربي، مؤكداً حرص الجامعة على تخصيص يوم للاحتفال بالتراث الثقافي العربي وهو يوم 27 شباط (فبراير) من كل عام، إضافة إلى الجهود المبذولة لصياغة استراتيجية عربية لحماية التراث العربي المهدد بالتدمير، وإطلاق مرصد التراث المعماري والعمراني في البلدان العربية من قبل المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم تنفيذاً لقرار مؤتمر الوزراء المسؤولين عن الشؤون الثقافية في الوطن العربي عام 2012. وشدد أبو الغيط على أن العالم العربي «بحاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى مضاعفة الجهود للاستمرار في حماية التراث الثقافي العربي المهدد جراء عمليات التدمير والنهب والسرقة». وخص بالذكر إرث المخطوطات المهدد والمُرحل الذي ينبغي العمل على حمايته واسترداده سواء أصول هذه المخطوطات أو مصوراتها، وإنشاء فهرس عربي موحدٍ لها، ووضع الأطر القانونية لمنع سوء التصرف بها والحفاظ عليها، داعياً الدول العربية إلى الاستئناس بالقانون النموذجي لحماية المخطوطات في البلدان العربية الذي أقره وزراء الثقافة العرب عام 1987 باعتباره قانوناً نموذجياً لحماية المخطوطات وصيانتها وترميمها والحيلولة دون تشويهها وتسربها، وذلك لوضع «تشريعات قانونية للحفاظ على تراثنا المخطوط باعتباره ثروة قومية كان له دور فاعل في صنع الحضارة الإنسانية». وكرّم الاحتفال مؤسسات وشخصيات حققت إنجازات وإسهامات ملموسة في مجال الحفاظ على التراث المخطوط: مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث بدولة الإمارات العربية المتحدة (مؤسسة العام التراثية)، والدكتور عادل سليمان جمال (شخصية العام التراثية)، والدكتور المهدي عيد الرواضية (كتاب العام التراثي). كما هنأ الاحتفال مصر بمناسبة إعلان مدينة الأقصر عاصمة للثقافة العربية لعام 2017.
مشاركة :