تصاعد الجدل الإعلامي مؤخراً حول قرار إغلاق أو إعادة دراسة مجلة اليمامة، التي تمثل هوية جيلين متتاليَيْن من السعوديين، شكلت خلالهما مفهوماً محلياً للطرح المثير، وصوتاً وطنياً يعنون للتاريخ. إن صناعة الصحافة الجماهيرية هي كذلك صناعة سعودية تُصدَّر للخارج. واقع المجلة المرير عايشته مع أوائل دخولي لعالم الصحافة، وكنت أستقطع من مصروفي خمسة ريالات لأقرأ المقالات العميقة للدكتور محمد القنبيط، وأستمتع بصفحتَيها الحواريتَين 5050. تطور عملي الصحفي لأفكر في إصدار مجلات متخصصة داخل منطقة عسير، وطالعت مجلات متنوعة سعودية مهاجرة، وخليجية، ومصرية، ولم تكن اليمامة ضمن خياراتي طرحاً أو شكلاً حتى أيقنت أنها مجلة ديكورية لمؤسسة عريقة، تصدر أقوى الصحف المحلية إعلانياً، وفي مرتبة متقدمة جداً توزيعاً. القرار الأخير بالإغلاق، الذي تحول بعد الثورة التويترية إلى توقف لغرض التطور والتجديد، فتح الباب نحو توقعات أهل الصحافة بما يمكن أن يعيد للمجلة المنحورة وهجها وتأثيرها وقوتها.. لكنهم تفرقوا بين نظرتين متضادتين، إحداهما ترى الموقف الصائب (الإيقاف)، والأخرى تحارب لأجل عودتها بكلام رومانسي فسَّره بشكل مباشر رئيس تحرير صحيفة الرياض في لقاء عن ذلك عبر روتانا خليجية مع علي العلياني وضيوفه فهد العرابي الحارثي وجاسر الجاسر، وقال: يجب أن يؤخذ رأي ناس أصحاب تجربة ناجحة، مرت بهم حالات في التطوير والتراجع، وعرفوا كيف يتصرفون. وبالطبع، تحمل هذه الكلمات رسالة من تركي السديري، بها كثير من التهكم والسخرية للضيفين اللذين لم يستطيعا الرد على من يعلمون قوته وسيطرته وعمق علاقاته وسط جميع فئات المجتمع. واقع المجلات المحلية يمر بمرحلة حرجة، لكنه لدى المؤسسات الكبيرة عربياً، مثل الأهرام وأخبار اليوم، لم يؤثر في تعدد إصداراتهما من صحف ومجلات، تفوق ما يصدر سعودياً، وبطاقم عامل يتجاوز ضعف العاملين في الصحف السعودية مجتمعة، وهي السوق الإعلانية التي مرت بفترات ركود إعلاني مخيف. مجلة اليمامة تبحث عن رؤية جديدة وطرح يدفع القارئ العادي لدفع قيمتها؛ ليجد مادة صحفية متنوعة وعميقة الطرح، وملفات جديدة من الداخل السعودي بعيداً عن التلميع أو الاعتماد على مواد تطرح من مكاتب خارجية، كانت في سنوات ماضية وصمة عار على كبرى المجلات الخليجية. وحتى لا أدخل في تصنيف السديري، فهنا أقدم توقعات لما يمكن أن يساهم في عودة اليمامة ناجحة جماهيرياً على أقل تقدير. فمثل هذه المجلة رهانها الرابح سيكون على مجالين مهمين، ينعدمان في معظم الصحف السعودية، هما الشأنان الاقتصادي والثقافي بصورة محلية. فالقصص التي تتناول حكاية رجل أعمال، أو فكرة مشروع، تستحوذ على اهتمام الكثير، وحققت مجلات كبيرة تفوقاً وقوة توزيعية من خلالها، وبخاصة مجلة فوربس بطبعاتها العالمية اقتصادياً، ومجلة رولينغ ستون الأمريكية ثقافياً، التي تمثل تياراً معيناً، منحها قوة انتشار ضخمة. ومحلياً بطبعات دولية مجلة الرجل التابعة للمجموعة السعودية للأبحاث. واقع اليمامة يعطي الفرصة للعودة حتى وإن كانت بصفة شهرية، تعطي قارئها مواد صحفية عميقة ودسمة سياسياً واقتصادياً وثقافياً، وبملفات مثيرة للجدل، وتطرح الأسئلة الممنوعة على الجوانب الحياتية كافة؛ بما يعطيها الصفة المرجعية لكل باحث عن الشأن السعودي عالمياً، وتمنح الفرصة للمواطن البسيط ليفهم ويعرف ما يدور في وطنه دون تلميع أو تزييف. شخصية الغلاف التي كسبت بها مجلة التايم حضوراً عالمياً هي كذلك فرصة ومحاولة، ربما لن تحقق الصدى المطلوب في السنوات الأولى، لكن باستمراريتها ستكون فرصة لليمامة للتميز، خاصة إن كونت لها لجنة محايدة بمشاركة فريق التحرير. وأثق بأنه ستكون اليمامة يوماً ما محطة سباق على من يظهر على غلافها، ومجرد تنظيم وتدقيق ظهور هذه الشخصية يعني بشكل مباشر ترويجاً لها في كل الدول. إعلانياً، يبحث المعلن عن انتشار المطبوعة التي يضعها ضمن خطة إعلانات منتجاته كل عام، وغالباً يكون الطرح المتخصص خياراً مفضلاً للمعلن، لكنه ينظر كذلك لكمية التوزيع ونوعية القراء رغم أن سوق التوزيع تتصدره مجلات المرأة والأزياء وبعض المجلات الدينية. خيارات النجاح لمجلة اليمامة مرهونة بحماس القائمين عليها لعودتها بشكل غير مألوف للمجلات الرسمية التابعة للمؤسسات الصحفية، وبفريق يعرف احتياجات القارئ، ورغبات المعلن في المحتوى الشامل للمجلة.
مشاركة :