الكويت ولبنان: ثقافة الحكي

  • 5/4/2014
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

النسخة: الورقية - دولي كتبت قبل أعوام مقالة بهذا العنوان، مستغرباً الحضور الطاغي إعلامياً لهذين البلدين الصغيرين غير المؤثرين مباشرة في الفعل السياسي. ربما تغيب مصر والسعودية وإيران عن دوائر الاهتمام الصحافي فترة، بينما الكويت ولبنان حاضران دوماً. كنت أظن حينها أن انشغال المجتمع العربي بأحداثهما وقضاياهما نتيجة بقايا سطوتهما الإعلامية التي امتدت حتى نهاية الثمانينات، ما جعل متابعة شؤونهما مستمرة بحكم الاعتياد، إلى أن ينحسر الحضور بمرور الوقت ويسقط بالتقادم. البلدان اليوم خارج كل دوائر التأثير الإعلامي ومن دون أية سطوة، إلا أن قصصهما لا تزال ساخنة وجذابة، وأحداثهما متجددة تسد النقص حال شح الأخبار، وتوفر مادة تجتذب القراء حتى إن كانوا غير معنيين بالشأنين اللبناني والكويتي، تماماً مثل أخبار النجوم وقصص الفضائح والطرائف. والحق أن هذين البلدين يصنعان نجوماً غير اعتياديين، فنواب مجلس الأمة الكويتي نجوم، وسياسيو لبنان الكثر نجوم. يستمد لبنان حيويته الفنية هذه من طائفيته أساساً وكثرة مراكز القوى فيه وتعدد الولاءات وتبدلها، بينما تتوافر للكويت صيغة ديموقراطية هجينة، كانت في البدء نقية، ثم شابتها قبلية وموجات صحوية أثمرت هذا النوع الفريد من الجاذبية. وعلى رغم التباينات المتنوعة بينهما، إلا أنهما يشتركان في الصخب المستمر، فلا يعرفان هدوءاً ولا استقراراً. لا شيء يحدث في البلدين في إطار النمو الفعلي، فلبنان فقد كل نقاط حضوره التي جعلته محجة سياحية، وعاد إلى تشكيلاته المتصارعة التي تهدد استقراره، واستعاد وجوهه التي أدارت الحرب الأهلية بصيغ ومقاربات مختلفة. الكويت التي كانت مركز الخليج ثقافة وإنجازاً وتقدماً إلى نحو عقدين تنازلت عن مقعدها التنويري البارز في الخليج، وانكفأت إلى حروب لا تنقطع بين نوابها تدور حول التجهيل والتخوين، وربما التكفير، وبدلاً من أن يكون مجلسها الفريد عربياً بوابة استشراف ومنشأ قوانين وضوابط تدفع بالبلد إلى الأمام، أصبح صورة متكررة من الخيبات والتصادمات مع الحكومة فرشت حال سكون تنموية طويلة. نقطة اختلافهما عن بقية الدول العربية أنهما لا يعرفان حفظ السر، ويتحاشيان الستر، ويستمتعان بفضح الخصوم، ويخوض النجوم فيهما حروباً كلامية لا تنقطع. وهناك دوماً قصص مثيرة عن سرقات الآخر وتلاعباته، وأسرار دارت في مجالس خاصة، وتسريبات صادمة عن المعارضين والتحريض عليهم، والعمل على المحاصصة في السلطة، وعدم التوافق على رؤى مشتركة. هذه الصفات ليست دوماً داخلية، بل إن بعض الأصوات توظف من قوى خارجية لتمرير رسائل معينة، بمعنى أنها تتحول إلى وسائط تخدم توجهات معينة في المنطقة. دائماً هناك حكومة تسقط وأخرى تتشكل، ونقص في النصاب، وتعطيل للحكومة وتشكيك فيها، والرهان على الفردية أو الجماعة، واليقين لدى كل فرد سياسي أنه أحق من غيره وأولى بالسلطة، بينما العالم من حولهما يمضي ويتقدم متجاوزاً إياهما، وإن كان يتسلى بنشاطاتهما الصاخبة، ويعيد تدوير حكاياتهما الممتعة والمثيرة، خصوصاً في محيط سماته الطاغية، هي المحافظة والحذر والكتمان والسرية. هما مركز الكلام ودائرة «الحكي» عربياً، لغياب المحظورات والولع بكشف المستور عبر كل وسيلة ممكنة، حتى إن لم يبقَ سوى مطاعم بيروت أو ديوانيات الكويت. كل صراع يستجلب اتباعاً جدداً، ويؤسس لنجوم آخرين يحاولون أن يجدوا لهم مكاناً، إن في اللغة الحادة، أو تبديل سريع لموقف، أو استقطاب الإعجاب من الخارج. كل الخيارات والوسائل متاحة ما دامت حصيلتها الصعود إلى منطقة الضوء والاهتمام الإعلامي. في الكويت الآن أحداث ساخنة، مجالها المنصات والبيانات والتصريحات، ومحصلتها حضور الصوت وغياب الفعل. وفي لبنان تتبدل الكراسي والمواقف، كسباً لرئيس جديد أو إعاقة لظهوره، في إعادة مطورة لمشهد متكرر في كل حال رئاسية. الكويتيون واللبنانيون ربما لا يستطيعون تجاوز هذا الوضع أو الخروج منه، على رغم مآسيه المتفق عليها، لأنه أصبح سمة اجتماعية وعلامة امتياز وملمح خصوصية، ثم إن الاعتياد عليه لأعوام طويلة جعله جزءاً من النشأة السياسية وبوابة قبول وبروز لا يمكن النجاح من دونها. شهوة الكلام برّاقة ومغرية، إلا أن إدمانها لا يصنع فعلاً ولا يحدث فرقاً، لأن اللسان هو العضو الوحيد النشط!

مشاركة :