ينظر الشخص إلى المشاهير، ليراهم يتزعمون المشهد، فيلفتون الأنظار إليهم بالإعجاب، وينعكس تأثيرهم على مخيلته وتلازم عقله، ليبدأ وجدانه يفكر فيهم ويتابعهم أولاً بأول، ينظر إليهم من حين إلى آخر، وربما يلتقط لهم صورة، ويعلقها على جدران حجرته الخاصة، بل يمكن أن يزداد تعلقاً بهؤلاء النجوم، ويقربهم إليه؛ فيصبحون شركاء في حياته، فيلازمون عقله ولا يفارقون تفكيره. وهكذا، ولدت المتابعة الشديدة للنجوم والحب والشغف والرؤية باستمرار، وينتج منها التعلق بعد أن تتعمق في نفس الشخص المتابع وتتجذر لديه، وربما يصبح الأمر إدماناً، ويتطلب علاجاً لأنه أصبح مرضاً.ما هي المتلازمة؟ عُرفت الحالة النفسية السابقة بـ""، التي تبدأ بلفت الانتباه، ثم الإعجاب، وتطور الأمر إلى الالتزام بالعادة، ثم تتجذر في النفس إلى عبادة وعدم تخلٍّ. نظراً لارتباط المتلازمة بمجالات عدة، مثل الطب، وعلم النفس، والاجتماع، وعلوم الطبيعة، فكان صعباً وضع تعريف عام لها ينطبق على كل المجالات؛ لكنها، في مجمل الأمر، تعبر لفظياً عن التزامن والارتباط، وتُرصد من خلال أعراض. ففي الطب النفسي، هي عبارة عن مجموعة من الأعراض المرضية والعلامات المتزامنة، يسهل ملاحظتها من خلال السمات، أو الإشارات، أو الأعراض، والظواهر، والخصائص التي يكثر ظهورها مجتمعةً؛ ما يجعل ظهور واحد أو أكثر منها، يُنذِر المُعالج باحتمال وجود البقية.تاريخ تشخيص المتلازمة مع تقدم التكنولوجيا، ظهر نوع جديد من المتلازمات، يُعرف بمتلازمة متابعة المشاهير والتعلق بهم، ورُصد من خلال ظواهر كثيرة. فكان أول من تحدث عن متلازمة عبادة المشاهير الكاتب جيمس شابمان عام 2003،، تحدث عنها وأعلن دراسة نشرتها مجلة علمية تحدثت عن التفسير العلمي للمواقف والسلوكيات المرتبطة بعبادة المشاهير، بعد أن ظهر مصطلح "عبادة المشاهير" للمرة الأولى عام 2000.مستويات متلازمة عبادة المشاهير والتعلق بالأشياء وفي عام 2002، أجرى علماء من الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا دراسة على سكان منطقة فلوريدا، لرصد مدى تأثير المشاهير على المستمعين أو المشاهدين لهم، ونشروا تقييماً يوضح التدرج والمقياس في مدى التعلق والعبادة. بدأت أولى درجات التقييم بتشارك السلوك الفردي من قبل المتابعين، مثل المشاهدة والاستماع، والقراءة، والتعلم عن المشاهير، وهو أولى الخطوات، ثم ارتفعت المستويات ممثلة في التعاطف، ومنه إلى العبادة، ووصلت إلى إمكانية الإفراط في تحديد الهوية هوساً بالمشاهير. وفي سياق مساعي معرفة مقياس التعلق بالأشياء أو الأشخاص، استُخدمت دراسات التقييم ومقياس مكوتشون «absorptionaddiction»، لوضع تدرج للمصابين بالمتلازمة؛ فتوصلت إلى أنها 3 مستويات. يتمثل المستوى الأول في تحديد القيم في العلاقات والسلوكيات، ما ينعكس بعد ذلك على التفاعلات الاجتماعية للفرد، والثاني، المستوى المتوسط، وهو اجتماعي ترفيهي، فيلجأ الفرد إلى التعلق بالمشاهير للترفيه، أو في المناسبات الاجتماعية، أما الثالث، وهو أقصى درجات متلازمة عبادة المشاهير، فتظهر الأعراض الكبيرة للمتلازمة المتمثلة في الارتباط الإلكتروني بالمشاهير، أو مرض الاستحواذ، فلا يمكن للشخص السيطرة على نفسه. وأكدت الدراسة على أن مفهوم عبادة المشاهير ليس موضوع اهتمام وسائل الإعلام وحسب، ولكنه حالياً محور التحقيق النفسي بواسطة علماء النفس. وتجدر الإشارة أنه ما بين عام 1980 و1990، كانت هناك محاولات لتشخيص متلازمة عبادة المشاهير؛ لكنها لم تفلح في الوصول إلى التوصيف الحالي، أو حتى توصيف مكوتشون عام 2002. وبدأت معرفة المرض بعد شكاوى من أولياء الأمور من استخدام أبنائهم ألعاباً وتعلقهم بها بعد ظهورها في تلك الفترة؛ ما دفعهم إلى تناول الشكاوى في أبحاث علمية. وكانت أولى الخطوات لاكتشاف "متلازمات جديدة" في الأدبيات الطبية النفسية، التي تتعلق بالاستخدام المفرط للتكنولوجيا، والأنشطة الترفيهية الأخرى، وتشمل ألعاب الفيديو. هوس عبادة المشاهير وملاحقتهم تسبب في حالة نفسية واكتئاب. علاقة متلازمة التعلق بالأمراض النفسية، وانعكاس ذلك على الصحة العامة للإنسان؛ فأشارت إلى أن هناك اضطراباً ناتجاً من عبادة المشاهير، ووجدت إحدى الدراسات أدلة تشي بأن عبادة المشاهير بمتابعتهم إلكترونياً، وتتبع تفاصيل حياتهم الشخصية، تسبب مستويات أعلى من الاكتئاب والقلق والتوتر والمشاعر السلبية. بجانب حالات الاكتئاب، هناك انعكاس أقوى على النفس، وهو الإصابة بأمراض الخيال والتفكك؛ فيُصاب الفرد بمرض التخيل لمدة من الزمن، والتعرض لأفكار شديدة الهلوسة، والتعامل معها كونها حقيقة، فيبني عليها حياته. أما التفكك، فيعني عدم وجود التكامل الطبيعي بين الخبرات، والمشاعر، والأفكار في الوعي اليومي والذاكرة، ما ينتج عنه عدد من المشكلات النفسية.آراء علماء النفس نتائج بحوث فريقه في مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية، فقال إنهم فحصوا بيانات ما يقرب من 3 آلاف شخص، أظهرت حوالي نسبة 1٪ فقط منها ظهور ميول الوسواس، وأظهر 10٪ ميلاً إلى العصبية والتوتر والعاطفية وتقلب المزاج؛ لاهتمامهم الكبير بعبادة المشاهير، بينما ذكر حوالي 14٪ أنهم يبذلون جهداً خاصاً في القراءة عن المشاهير المفضلين لديهم، أما النسبة الأكبر وهي 75٪، فلا يأخذون في اعتبارهم حياة المشاهير. واستنتج عالم النفس أنه في العموم نجد لدى الغالبية العظمى من الناس الرغبة في التعرف على المشاهير المفضلين لديهم، لكن لا يقولون إنهم يقرأون عنهم، أو يفكرون فيهم في كل وقت.المحاكاة طريقة عبادة المشاهير و أنه من الطبيعي للإنسان أن ينظر إلى الأفراد الذين يتلقون الاهتمام لأسباب، منها أنهم ناجحون في المجتمع، وفي عصور ما قبل التاريخ، كانوا ينظرون إلى الصيد والصيادين على أنهم قدوة، فكانت مهارة يتطلع إليها كثيرون، فينظرون إلى من يتقنها بالتبجيل، رغم كون الصيد ليس الآن إلا مهارة أساسية؛ لكن الفكرة تتمحور في المحاكاة، التي تعتبر من أبرز أسباب عبادة المشاهير، من خلال الالتزام بما يفعلونه؛ تحقيقاً للشهرة مثلهم، أو على الأقل، تحقيق نجاحات كبيرة بالنسبة للمجتمع الذي يعيشون فيه. وتفسيراً لذلك، رأى فرانشيسكو، عالم الأنثروبولوجيا التطوري، أنه من المنطقي تصنيف الأفراد وفقاً لمدى نجاح الآخرين في محاكاة الأفضل منهم ومتابعته، لكن يقول روبن دنبار، عالم الأحياء التطوري في جامعة ليفربول، إن محاكاة المشاهير وعبادتهم لا تعني بالضرورة أنهم صُنفوا قدوة بالنسبة لمقلديهم.أعراض الإصابة بمتلازمة المشاهير ولدت عبادة المشاهير بدورها ما يعرف بمطاردة المشاهير، وهي أحد أعراض الإصابة بالمتلازمة، فبعد التعلق، وعدم القدرة على التخلص من الاستحواذ النفسي للشخصية، يبدأ المصاب بالمتلازمة في مطاردة المشاهير. ولهذا وجوه كثيرة، فمنهم من يطارد المشاهير بتتبع تحركاتهم، وأخبارهم، وتفاصيل حياتهم الخاصة والعامة، دون أي مراعاة لخصوصيات الأفراد، والذي بدوره شكل نوعاً من الضغط والقلق لدى بعض هؤلاء المشاهير. ومنهم من يطاردهم على مواقع التواصل الاجتماعي، ولا يمل من التدوين عنهم، أو مشاركة صورهم، وأفكارهم، ومنشوراتهم بصورة دورية لفترات كبيرة. ومن أعراض الإصابة بمتلازمة عبادة المشاهير كذلك، رصد المهووس لتنقلات هؤلاء المشاهير، وأنشطتهم، والذهاب إلى الأماكن التي يترددون عليها باستمرار، ونشر صور لذلك. وهناك أعراض أخرى، تتمثل في انعكاس ذلك على المظهر العام، من خلال المأكل والملبس والشكل، والمظهر، واستخدام الإكسسوارات، والإشارات، سواء باليد أو أجزاء أخرى من الجسد بالتقليد الدائم لهم.
مشاركة :