لا يلجأ إلى الغش في البيع سوى فاقد ضمير وساعٍ إلى المال الحرام، سواء في بيع السلع الغذائية وما أكثر ضعاف النفوس فيها ومن لا يخافون الله. في السر ولا بالعلن، أو حتى في المعاملات اليومية كبيع العقارات أو الأراضي بأسعار تحوم حولها علامات الكذب والغش ساعياً لإرضاء المشتري على الشراء رغم علم البائع بأن هناك غشاً في تعامله مع المشتري. الناس في هذه الظاهرة يتباينون بين من يخاف الله ويحرص على حسن السمعة وكسب ثقة المتعاملين بوحي من ضميرهم وأخلاقهم، وبين من يعرف أساليب الغش ويسعى إليها بكل الطرق والوسائل مع سبق الإصرار أيضاً، وهؤلاء لا يبارك الله في أموالهم لأنها جاءت بطريق الغش والحرام وما بُني على الحرام فالنار أولى به. اذهب إلى السوق، وتجول بين صناديق الفواكه والخضار واسأل عن السعر والنوعية فلا تسمع من البائع سوى المدح والإطراء لبضاعته لكنك حين تغرس يدك أسفل ما في هذا الصندوق من بضاعة غذائية ترى «الهوايل» التي تزكم روائحها أنفك، ومع هذا يبادرك البائع بالاعتذار وكأنه لا يعلم وهو الذي وضع بيده الملوثة بالغش كل السلع الفاسدة. هذه صور يومية نراها بالأسواق أبطالها أولئك الذين فقدوا كل معاني الخلق الرفيع وفقدوا حتى الحرص على سلامة الآخرين وحياتهم. دخل خاتم الأنبياء والمرسلين محمد عليه أطهر الصلاة والسلام إلى السوق فوضع يده الكريمة في أسفل سلعة غذائية لأحد الباعة فابتلت يده الطاهرة من سوء حالة السلعة التي وضعها البائع أسفل البضاعة بالصندوق فقال صلى الله عليه وسلم للرجل أما وضعت هذه في أعلى الصندوق حتى يراها الناس من غشنا ليس منا.. درس كبير يحمل معاني كثيرة لأولئك الذين يمارسون الغش في البيع والشراء وكأن الحياة خالية من معاني – الحلال والحرام. وفي عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله كانت امرأة تبيع الحليب مع ابنتها بالمنزل فأرادت المرأة أن تزيد من كمية الحليب بزيادة الماء عليه حتى يتكاثر وبالتالي تحصل على أرباح أكثر وطلبت من ابنتها مساعدتها وقالت لها إن عمر لا يرانا ونحن نضيف الماء إلى الحليب، فما كان من البنت الصغيرة ذات الضمير الحي والكبير إلا أن قالت لها يا أماه إذا كان الفاروق عمر لا يرانا ونحن نمارس الغش في بيع الحليب فإن رب السماء يرانا.. موقف رفيع لتلك البنت يدل على نظافة قلبها ومخافتها من الله عكس والدتها التي لم تفكر سوى في غياب الفاروق عمر وهو الشرف الذي اسماه به نبي الأمة عليه الصلاة والسلام فكم من بائع بأسواقنا مثل تلك المرأة؟!يوسف الشهاب
مشاركة :