لطالما قرأنا أرقامًا ضخمة جدًا صُرفت على مشروعات توسعة الحرمين الشريفين تفوق إن اجتمعت ميزانيات دول كبيرة أو متوسطة سواء لنزع الملكيات أو الهدم أو البناء بأعلى مستويات الفخامة التي تتجاوز كل التصورات، ولكن يندر أن نقرأ معلومات وإحصائيات عن تكاليف التشغيل والصيانة للمسجدين الشريفين التي إن فكرنا فيها أيقنا مجددًا أنها تفوق ميزانيات دول كبيرة أو متوسطة، ولكي نتخيل ضخامة ما ينفق على الحرمين الشريفين يوميًا دون منٍّ أو أذى لا يلزمنا إلا أن نتصور أنهما منشأتان ضخمتان تبلغ مساحاتهما ملايين الأمتار، تستقبلان ملايين المصلين خمس مرات في اليوم حين يدخلون ويخرجون بعد كل صلاة، فلو دخل مليون واحد من البشر فقط إلى كل مسجد وخرجوا خمس مرات يوميًا فكم تكون تكلفة النظافة والإنارة والفرش والسقاية والحراسة والتكييف؟ إلى غير ذلك مما قد لا يحصيه العادّ إذا عدّه، وسبق أن ناقشت هذه المسألة مع مسؤول في أحد المتاحف العالمية الكبرى في الغرب، وسألته لو أن مليون زائر يدخلون ويخرجون إلى المتحف خمس مرات في اليوم ويمكثون في كل مرة قرابة ساعة، كم ستكون تكلفة استقبالهم ووداعهم أو دخولهم وخروجهم، فأجابني بأنه يصعب استقبال مثل هذا العدد ولو لمرة واحدة في اليوم، فكيف بخمس مرات، ولو افترضنا ذلك جدلًا فنحن نتحدث عن أرقام فلكية تتجاوز عشرات الملايين يوميًا لنغطي النظافة والتكييف والحراسة والإنارة وسوى ذلك كثير، والقياس هنا مع الفارق بالطبع مع مراعاة أن زوار المتاحف يشترون تذاكر دخول قد تغطي تكاليف دخولهم وتحقق ربحًا ما، بينما يدخل الحجاج والمعتمرون وتقدم لهم كل الخدمات دون أي مقابل ابتغاء وجه الله ناهيك عن اختلاف أجناسهم وألوانهم ومستوياتهم الاجتماعية وعاداتهم وتقاليدهم التي تستدعي الكثير من الصبر والروية والأناة بخلاف أن يكونوا جميعًا من مستويات ثقافية متقاربة كزوار المتاحف على سبيل المثال. وكل ذلك تتحمله حكومة المملكة العربية السعودية دون منٍّ أو أذى منذ عشرات السنين، ويشهد قاصدو المسجدين الشريفين كل عام قفزات نوعية بشكل يومي في مستوى الخدمات المتوفرة وقدرة استيعابية متزايدة باستمرار ويبارك الله في الزمان والمكان، ويستطيع كل زائر أو معتمر أن يدرك كل الصلوات وأن يجد له مكانًا مناسبًا براحة تامة فيصلي فوق سجاد نظيف في جو مكيف بديع، وإلى جانبه ماء زمزم يرتشف منه كيف شاء. وكما يقال دومًا: ليس من رأى كمن سمع، ولم نسمع إلا عبارات الشكر والثناء من كل قاصدي الحرمين على مدى عشرات السنين ولله الحمد والمنة، وهي كفيلة بالرد على كل المزايدين والمرجفين وما تقوم به المملكة في هذا الشأن وحده يفوق ميزانيات دول كاملة ناهيك عما ينفق على مشروعات التوسعة والخدمات وسوى ذلك كثير لا يُحصى.. وذلك وحده كفيل بأن تبقى محفوظة مكلوءة من لدن رب العالمين إلى يوم الدين بإذنه تعالى.
مشاركة :