الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى أمين عام رابطة العالم الإسلامي قال كلاماً جميلاً عن التسامح والتعايش في مؤتمرٍ عالمي عُقِدَ بمدينة دربان في جمهورية جنوب إفريقيا، لكنه كان مثل «جالب تمر لهجر»، فهو كان يتحدث عن ضرورة التعايش والتسامح في بلدٍ يمارس التعايش والتسامح بالفعل لا بالقول فقط وذلك بشهادة الدكتور العيسى نفسه في الخطاب الذي وجهه للجمهور الذي حضر المؤتمر. والقصة هي أن رابطة العالم الإسلامي نظَّمت مؤتمراً عالمياً في مدينة دربان بعنوان «التعايش الاجتماعي وتنوّع الديانات»، وحضر المؤتمر مسؤولون قياديون من حكومة جنوب إفريقيا وحضره أيضاً ممثّلون مرموقون لمختلف الديانات والأعراق والتوجهات في جمهورية إفريقيا، فألقى أمين عام الرابطة خطاباً جاء فيه أن «الانغلاق الفكري والتقوقع في الدائرة الضيّقة وعدم الانفتاح على الآخرين من الأسباب الرئيسة للصراع»، وأننا «لا بد أن نقرأ أفكار الآخرين وأن نحسن الظن بهم وأن نحبهم من منطلق محبة الخير لهم، وأن نتداول الأفكار والآراء ونتهم آراءنا وأفكارنا قبل أن نتهم غيرنا، حيث لا يوجد منا أحد معصوم عن الخطأ، والصواب يُشع لكل محايد بدليله المادي المقنع». ما ذكره أمين عام رابطة العالم الإسلامي هو، بالطبع، عين الصواب. فالعالم كله يجب أن يتعلَّم كيف يتسامح ويتعايش، لم يعد هناك مفر من ذلك لأن العالم المتباعد الأطراف جغرافياً أصبح بفضل التقنية «قرية صغيرة» يتجاور فيها الجميع. ويمكن أن تكون جمهورية جنوب إفريقيا مثالاً جيداً على أهمية التسامح والتعايش، فهي قد جربت التفرقة العنصرية والثقافية والاحتراب الأهلي ثم وجدت في النهاية أن التسامح والتعايش واحترام الرأي الآخر هي الطريق الوحيد للسلام الاجتماعي تحت عنوان «عش ودع غيرك يعيش». ربما يكون اختيار جمهورية جنوب إفريقيا لعقد المؤتمر هو بسبب ما حققته تلك الدولة من نجاح لافت في التسامح والتعايش. لكنني أتمنى من أمين عام رابطة العالم الإسلامي أن يتوجه بالحديث أيضاً للمجتمعات الإسلامية التي ما زال بعضها يضيق ذرعاً بفكرة التسامح والتعايش ليس بين الأديان المختلفة وإنما أيضاً بين المذاهب والطوائف في الدين الواحد وفي المجتمع الواحد. لقد نقل بعض المسلمين اختلافاتهم المذهبية والطائفية معهم إلى البلدان الأوروبية والأمريكية التي هاجروا إليها حتى أصبحنا موضع تندر وشماتة من أبناء تلك المجتمعات وصار البعض يستغل هذه الخلافات ليهاجم الدين الإسلامي نفسه. فكرة المؤتمر جيدة بلا شك، ولكن يجب أيضاً أن نتحدث إلى أنفسنا أولاً قبل أن نتحدث إلى المجتمعات التي تجاوزت فكرة التسامح والتعايش وصارت تعيشها واقعاً. نحن الذين نعاني من هذه المشكلات لا هُم.
مشاركة :