ترمب: أنا لا أخسر .. لا أحب الخسارة

  • 4/5/2017
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

في منتصف مقابلة في المكتب البيضاوي، أجاب الرئيس دونالد ترمب عن سؤال حول ما إذا كان نادما على أي من تغريداته الجارحة عن الحلفاء والمعارضين السياسيين وحالة العالم؟ يتوقف للحظة، ثم قال "لست نادماً على أي شيء، لأنه لا يوجد ما يُمكن أن تفعله حيال ذلك. أتعرف، إذا أصدرت مئات التغريدات، وبين الحين والآخر تحصل على واحدة غير مُرضية، فهذا أمر ليس سيئا للغاية".رئاسة ترمب لا تشبه أي رئاسة أخرى في تاريخ الجمهورية الأمريكية على مدى 230 عاما. فهو أول قائد أعلى لم يشغل أبداً منصبا حكوميا، وهو قُطب عقارات، ومُضيف تلفزيون الواقع الذي غيّر ولاءه الحزبي خمس مرات. ورغم أنه شعبوي من الناحية الاسمية، فقد عيّن مجلس الوزراء الأكثر ثراءً في التاريخ. كبار مساعديه في البيت الأبيض، بمن فيهم صهره، يبلغ مجموع ما لديهم من أصول أكثر من ملياري دولار.ترمب أربك رأي النخبة في انتخابات العام الماضي ("أنتم خسرتم، وأنا فزت"، كما يُخبر ضيوفه من البداية). اليوم، الجمهوري المولود من جديد يعتقد أن منتقديه في التيار العام مخطئون مرة أخرى. ثقة الشركات ارتفعت ومؤشر داو ارتفع. وترمب يُطالب بأن يُنسَب إليه الفضل: مثل فرانكلين روزفلت في الراديو وجون إف كينيدي ورونالد ريجان في التلفزيون، الرئيس يرى نفسه أنه أقدر الناس على التواصل مع الجماهير.ولديه الدليل. يجأر حول المكتب البيضوي، "أين دان؟ أين دان سكافينو لو سمحتم"؟ في غضون ثوان، سكافينو، لاعب الجولف السابق الذي أدار وسائل الإعلام الاجتماعية الخاصة بترمب خلال حملة عام 2016 والآن يفعل الشيء نفسه في البيت الأبيض، يأتي مع جهاز حاسوب محمول ليذكر أن عدد متابعي الرئيس يبلغ عددهم 101 مليون. يقول ترمب بفخر "لدي أكثر من 100 مليون مُتابع بين "فيسبوك"، و"تويتر" (و) "إنستجرام". أكثر من 100 مليون. لست مضطراً للذهاب إلى وسائل الإعلام المزيفة".التعليقات على "تويتر" تجسد شخصية ترمب: ميال إلى التحدّي، وإن كان دفاعيا إلى حد ما، وعازم على إظهار أنه الرجل المسؤول. في بعض الأوقات ساحر، في أوقات أخرى يثير الرهبة، نمط حُكمه يبتهج بالأمور غير التقليدية. بالاقتران مع اتهامات حارقة تقول "إن إدارة أوباما المنتهية ولايتها أمرت بالتنصّت على المحادثات في برج ترمب خلال الانتخابات الرئاسية، فضلاً عن الأسئلة العالقة بشأن تواصل محتمل بين مساعديه في الحملة وموسكو، جعل بعضهم يتساءل ما إذا كانت إدارة ترمب ستبقى لفترة ولاية كاملة".لكن في الوقت الذي يقترب فيه ترمب من أول 100 يوم له في المنصب، هناك علامات مؤقتة على أن هناك نهجا خلف الصورة الظاهرة أكثر مما يظنه النقاد.ينظر ترمب وفريقه إلى العالم في عام 2017 ويرون أنه يتّسم بالقومية الاقتصادية والرجال الأقوياء من فلاديمير بوتين في روسيا وناريندرا مودي في الهند إلى رئيس الصين تشي جينبينج. يرونه مكانا حيث الولايات المتحدة يجب أن تؤكد فيه مصالحها بقوة.يقول "أنا بالتأكيد أؤمن بالتحالفات. أنا أؤمن بالعلاقات. وأؤمن بالشراكات. لكن التحالفات لم تكن تعمل دائماً بشكل جيد بالنسبة إلينا".تحالفات غير مؤكدةبالنسبة إلى حلفاء مثل المملكة المتحدة وألمانيا واليابان، نهج المعاملات الخاص بترمب أمر يُثير القلق بعمق لأنه يتجاهل الدور الذي لعبته الولايات المتحدة في الحفاظ على السلام، من أوروبا الغربية إلى شبه الجزيرة الكورية وغرب المحيط الهادي. خوفهم هو أن الولايات المتحدة، المُدافعة عن النظام القائم على القواعد الليبرالية خلال العقود السبعة الماضية تمر الآن بمرحلة تحوّل تاريخي؛ من القوة العظمى إلى الإيثار إلى القوة العُظمى للأنانية.هناك تفسير أكثر تفاؤلا، وإن كان أقرب إلى التهكم، وهو أن ترمب يستخدم فقط منصبه الرئاسي القوي كنوع من ممارسة الإضعاف، وهي حيلة افتتاحية في التفاوض تعطيه المجال للتراجع بمجرد أن يكون قد حقق أهدافا اقتصادية ومالية محدودة في السياسة التجارية والأمن الدولي. يصر الرئيس على أنه لا يخادع. ويقول "هذه مشكلة خطيرة جدا جدا نواجهها في العالم اليوم. ولدينا أكثر من مشكلة واحدة، لكن هذه ليست نوعا من المناورة. وهذا ليس نقاشا. كانت الولايات المتحدة تناقش منذ فترة طويلة بما فيه الكفاية وترى الآن نتيجة ذلك، لم تحقق أي شيء. عندما تقول هل هذه مناورة رائعة، الإجابة لا. في الوقت نفسه، أنا لن أخبرك بما سأفعله".الأمر الوحيد الذي أوضحه تماما هو رغبته في تحسين الفرص في ميدان اللعب الدولي. فهو يعتقد أنه يميل فوق الحد إلى مصلحة الحلفاء الذين يتمتعون بحرية كبيرة تحت مظلة الولايات المتحدة العسكرية، أو الاقتصادات الناشئة، ولا سيما الصين، التي يدعي أنها تستغل قواعد التجارة العالمية. وبحسب ما يرى، فإن أمريكا كانت بلدا طيعا.يقول ترمب "لم تكن تلك الخطة فاعلة مع أسلافنا. انظروا إلى أين وصلنا. لدينا عجز تجاري بمقدار 800 مليار دولار". "تفيد تقارير وزارة التجارة بأن العجز التجاري الأمريكي في السلع والخدمات كان أكثر من 500 مليار دولار بقليل في عام 2016".ويستضيف ترمب يومي الخميس والجمعة الرئيس تشي في مارا لاجو، منتجعه الفخم في ولاية فلوريدا. ويشكل هذا الاجتماع ربما الاختبار الأقسى حتى الآن لنهجه المتبع "أمريكا أولا". تعاني الولايات المتحدة عجزا تجاريا حجمه 347 مليار دولار مع الصين، وكان أحد تعهدات ترمب في حملته الانتخابية إطلاق صفة "البلد المتلاعب بالعملة" على بكين، وهذه خطوة فكرت فيها إدارات أمريكية سابقة، لكنها تخلت عنها. الصين، القوة الصاعدة في المنطقة، هي شريك محتمل مهم تماما في المساعدة في احتواء كوريا الشمالية المجاورة. مع ذلك، قبل توليه منصبه، تحدث ترمب إلى الرئيسة التايوانية الجديدة. تلك المكالمة ألقت بظلال من الشك على التزام أمريكا بسياسة "الصين الواحدة" التي تعترف بموجبها واشنطن بأن بكين هي الحكومة الشرعية الوحيدة للصين.مع ذلك، قال ترمب لتشي الشهر الماضي "إنه سيلتزم بهذه السياسة" وهو يبالغ في إظهار الأدب حول تشي الذي سيكون ضيفه قريبا. "أنا أكن له كل الاحترام وكذلك الأمر بالنسبة إلى الصين. لن أكون متفاجئا أبدا إذا فعلنا شيئا سيكون عجيبا جدا وجيدا للغاية بالنسبة إلى البلدين".شعر كثير من المختصين بالقلق من أن الرئيس ترمب يمكن أن يكون متقلبا بشكل خطِر بخصوص السياسة الخارجية. لكن الجمع ما بين بعض الشخصيات القوية في فريق الأمن القومي الخاص به، ولا سيما جيمس ماتيس، وزير الدفاع، والدور الهادئ لجاريد كوشنر، صهر ترمب صاحب النفوذ القوي، يبدو أنه يعمل على موازنة الأمور. توقف ترمب عن التحدث حول نقل السفارة الأمريكية في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس، في الوقت الذي يجري فيه إعادة إحياء المحادثات المتعلقة بإيجاد حل الدولتين المحتمل ما بين إسرائيل والفلسطينيين وتليين الانتقادات الموجهة إلى حلفاء الناتو. أحد الأمور الثابتة هي أنه يرفض بكل حزم قول أي كلمة سيئة في حق بوتين.في الوقت الذي لا يقدم فيه ترمب أي اعتذارات أبدا، تجده قادرا على إجراء تحولات في مواقفه بسهولة. في المقابلة التي أجرتها معه "فاينانشيال تايمز"، كان حريصا على توضيح أنه ليس في قلبه أي ضغينة ضد المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، بعد أن رفض على ما يبدو مصافحتها أمام الكاميرات في البيت الأبيض.يقول "كان لدي اجتماع رائع مع المستشارة ميركل. صافحتها نحو خمس مرات، ومن ثم جلسنا في مقعدين (...) وأظن أن صحافيا قال: صافِحها. لم أسمع ذلك".فيما يتعلق بمسألة "خروج بريطانيا" كان حريصا أيضا على تبديد التلميحات التي تفيد بأن الولايات المتحدة يمكن أن تقبل بكل سرور تفكك الاتحاد الأوروبي. وعند سؤاله عما إذا كان يعتقد أن عددا من البلدان الأخرى من المرجح أن تحذو حذو المملكة المتحدة، قال ترمب "كنت أعتقد عندما حصل هذا الأمر أن مزيدا من البلدان سيحذو حذوها، لكنني أعتقد حقا أن الاتحاد الأوروبي يرتب الآن أوضاعه ويوحد صفوفه".لا خداع في التجارةعلى صعيد السياسة التجارية، يبدو ترمب عمليا أكثر مما افترضه كثير من المراقبين في البداية. بعد أن وبخ المكسيك بأنها المصدر الرئيسي للهجرة غير الشرعية والممارسات التجارية غير العادلة بموجب اتفاقية التجارة الحرة في أمريكا الشمالية "نافتا"، تعمل الإدارة الآن على تغيير السياسة. مثلا، يسعى ويلبر روس، وزير التجارة وصديق ترمب منذ زمن طويل، إلى إيجاد حل لنزاع طال أمده حول السكر، مدركا أن الفشل في إيجاد حل من شأنه أن يعزز قدرة أندريز مانويل لوبيز أوبرادور، وهو نائب يساري راديكالي رشح نفسه للانتخابات الرئاسية المكسيكية التي ستجري في عام 2018.ويحذر روس، الذي انضم للمقابلة، من أن الناس يجب أن لا تستهين بترمب. ويقول "الخطاب القاسي مفيد بالتأكيد في الفترة التي تؤدي إلى المفاوضات، لكن الرئيس لا يخادع".إذا كانت سياسته الخارجية أقل ثورية مما كان يُخشى في البداية، فإن جدول أعمال ترمب الداخلي لا يزال مثيرا للجدل. فقد دُفِع إلى الرئاسة بعد موجة شعبوية، لأن الجمهوريين وعددا كافيا من العمال الديمقراطيين احتشدوا دعما لقضيته، وبالتالي تخلوا عن هيلاري كلينتون، المرشحة التي تفضلها المؤسسة. في خطابه الافتتاحي الذي تحدث فيه عن "المذبحة في أمريكا"، قدم ترمب التحية لأنصاره ومؤيديه معلنا "لن يعود هناك نسيان للرجال والنساء المنسيين في بلادنا".ناصر الرئيس قضية التصنيع الأمريكي، متقربا بذلك من الشركات الأمريكية والأجنبية ليجعلها تفكر في إعادة المصانع والوظائف مرة أخرى إلى أمريكا. مع ذلك، يجد ترمب الذي يعتبر نفسه خبيرا في صنع الصفقات، أن الإدارة أكثر صعوبة مما كان يتصور، على الرغم من أن الحزب الجمهوري يتمتع بالأغلبية في مجلسي الكونجرس، النواب والشيوخ.بدأت الأمور في التفكك عندما حرص على استخدام السلطات التنفيذية للسيطرة على مسألة الهجرة – وكانت النتيجة عرقلة كل من المحاولتين الأولى والثانية من قبل المحاكم. والأكثر أهمية كان النكسة الأخيرة في الجهود المبذولة لاستبدال قانون الرعاية الصحية "أوباما كير".تخلى القادة الجمهوريون عن التصويت بعد الفشل في الحصول على الدعم الكافي لإقرار قانون تم تجميعه بصورة عاجلة. يقول ترمب "لم أكن أريد التصويت. قلت في نفسي لم ينبغي لي التصويت؟"، وهو الذي تعهد بإلغاء قانون "أوباما كير" فور توليه مهام منصبه رئيسا للبلاد. ردا على سؤال حول شعوره إزاء النكسة، وهو لا يزال يشعر بالألم "نعم، أنا لا أخسر. لا أحب الخسارة".وشدد على أن أعضاء الكونجرس الجمهوريين لا يزالون يحاولون التوصل إلى اتفاق. لكنه يقول "قد يكون من الجيد" إذا بقي أعضاء "تجمع الحرية"، وهي جماعة من المحافظين المتشددين الذين هم من المعارضين الشرسين لنظام "أوباما كير" وغير الراضين أيضا عن مشروع القانون الأول، من الرافضين.يقول الرئيس "إن لم نحصل على ما نريد، فسنبرم اتفاقا مع الديمقراطيين وسنحصل في رأيي على شكل غير جيد من نظام الرعاية الصحية". ويضيف "لكننا سنحصل على شكل جيد جدا من الرعاية الصحية. سيكون شكلا للرعاية الصحية بمشاركة الحزبين".اعتبر البيت الأبيض في البداية عملية إصلاح نظام "أوباما كير" أنها "المفتاح لتسهيل الطريق"، وتوليد الأموال اللازمة لتسهيل عملية إقرار التشريع الرئيسي لإصلاح النظام الضريبي الأمريكي، الذي سيكون الإصلاح الأول منذ عام 1986، إضافة إلى برنامج البنية التحتية الجديد بتكلفة تريليون دولار. لكن من غير الواضح الآن كيف يمكن للإدارة إقرار التشريع الضريبي الذي من شأنه إرضاء أصحاب النظرة المحافظة فيما يخص المالية العامة، من خلال عدم رفع العجز.ويبدو أن ترمب ينوي الاحتفاظ بمواقفه لنفسه في الوقت الحاضر. يقول "لا أرغب في التحدث عن التوقيت. ستكون لدينا عملية إصلاح ضريبي قوية جدا وضخمة جدا". والأمر الذي لم يتم التطرق إليه هو أن فريقه يبحث بشكل مستميت عن سبل جديدة لتمويل التخفيضات في الضرائب، التي تحتاج إلى أن تكون محايدة في جانب الإيرادات ليتم إقرارها من قبل مجلس الشيوخ بأغلبية بسيطة.وما لم يتمكن ترمب من إنقاذ عملية إصلاح قطاع الرعاية الصحية، فسيمضي أول 100 يوم له في المنصب دون تحقيق أي نجاحات ملحوظة. واختياره نيل جورسيتش ليشغل منصب قاض في المحكمة العليا أشاد به الجمهوريون، لكن الديمقراطيون يهددون بعرقلة التصويت في مجلس الشيوخ.ويعمل مستشاروه لإيجاد سبل لتجاوز الكونجرس - بشكل رئيسي من خلال سلسلة من الأوامر التنفيذية وغيرها من الإجراءات. وهذا ما يسميه ستيف بانون، كبير الاستراتيجيين في البيت الأبيض، بشكل ينبئ بالسوء "تفكيك الدولة الإدارية". أنشأ بانون "غرفة عمليات" في الجناح الغربي، حيث أدرج جميع التعهدات التي أطلقها ترمب خلال حملته الانتخابية على لوح أبيض كبير. الأسئلة التي هي في غاية الأهمية تتعلق بما إذا كان في مقدور ترمب ترجمة تلك التعهدات، خصوصا تعهده بأن يجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى، بحيث يصبح ذلك سياسة عملية، وما إذا كان يستطيع الاحتفاظ بالمصالح التجارية مستقلة عن العمل الرسمي. ترمب حريص على أن يبدد أي أوجه تشابه مضللة مع التاريخ العالمي. بعد أن وقف لتصويره أمام صورة أندرو جاكسون، أول رئيس أمريكي شعبوي، رافق ضيوفه إلى غرفة مجاورة، عُلِّقت فيها صورة للرئيس ثيودور روزفلت، الذي يثني عليه باعتباره رئيسا استطاع تغيير قواعد اللعبة. أحد الزائرين يذكر ترمب بِرِفْق أنه في حين إن هذه الملاحظة صحيحة، إلا أن هناك فرقا حاسما. كان ثيودور روزفلت يتباهى بأنه يحمل معه عصا غليظة، إلا أنه أيضا كان يستفيد من الحديث بلهجة ناعمة لمصلحته.Image: category: FINANCIAL TIMESAuthor: ليونيل باربر وديمتري سيفاستيبولو وجيليان تيت من واشنطنpublication date: الاربعاء, أبريل 5, 2017 - 03:00

مشاركة :