رواية جزائرية تنبأت بالثورات العربيةمن سمات الرواية الجنس الأدبي الأبرز اليوم، أنها تمتلك قدرة كبيرة لما تحوزه من ليونة، على التعبير عن الواقع، وسرد أدق تفاصيله ووصفها وتقديمها للقارئ في منطقة يمتزج فيها خيال الكاتب بأفكاره بالواقع، ثلاثة عناصر تجعل من النص الروائي ذي قوة هائلة على الانتشار، لكن ورغم غنى العالم العربي بالظواهر الاجتماعية وخاصة السياسية والحكايا الواقعية، مازالت الروايات العربية قاصرة على التطرق إليها. العرب [نُشر في 2017/04/05، العدد: 10593، ص(15)]أول عمل سردي عربي متكامل يكرس موضوعه حول شخصية السياسي المستبد الجزائر- يتناول الروائي الجزائري إبراهيم سعدي في طبعته الجديدة لروايته “الأعظم” ظاهرة “الطاغية” السائدة في الواقع السياسي العربي من منظور جمالي. تقع الرواية، الصادرة مؤخرا عن “دار فضاءات” بالعاصمة الأردنية عمان، في 384 صفحة من القطع المتوسط. وتعد أول عمل سردي عربي متكامل يكرس موضوعه حول شخصية السياسي المستبد، حيث يدور عالم الرواية حول حاكم يحتكر السلطة مدة أربعين سنة في بلد عربي متخيل أيضا، اسمه “المنارة”، قبل أن يرثه ابنه من بعده في الحكم. صدرت الرواية في طبعتها الأولى في أكتوبر 2010، عن دار الأمل بالجزائر، قبيل اندلاع شرارة الربيع العربي في تونس في 17 ديسمبر 2010. يقول إبراهيم سعدي “عندما انتهيت من كتابة رواية ‘الأعظم‘، في أكتوبر 2010، كنت في الواقع أبعد من أن أتوقع أن تندلع، بضعة أشهر بعد ذلك، انتفاضة الجماهير في تونس، لتمتد إثر ذلك مثل النار في الهشيم إلى مختلف بلدان العالم العربي. وذلك على الرغم من أن الرواية تتحدث بشكل صريح عن الظاهرة الدكتاتورية العربية وعن لازمتها المتمثلة في التوريث والفساد، وعن طابعها العابر لحدود الدولة الوطنية، وعن بوادر ثورة قادمة”. رواية “الأعظم” غير مرتبطة بتاريخ بلد عربي معين محدد جغرافيا، لأنها حرصت على الإشارة إلى الطابع العربي للظاهرة التي أصبحت تعرف اليوم بـ”الاستبداد”. ولهذا جاءت شخوص الرواية مُعرفة بأسماء يُحيل كل واحد منها إلى بلد عربي معين، لذا كانت مزيجا ذكيا من الكاتب في بناء شخصياته وتشكيلها حتى تتمكن من التعبير عن واقع عربي عام متشابه أحيانا إلى درجة التطابق، رغم الخصوصيات الجزئية لكل قطر عربي على حدة. ولا تحيل شخصية “الأعظم” تاريخيا إلى “دكتاتور” عربي محدد، بل هي صورة قابلة للتعميم، بالنظر إلى التشابه الجوهري للتجربة السياسية العربية المعاصرة، كما يدل على ذلك الارتباط العضوي الذي قام في ما بينهم من حيث المصير. وفي هذا الصدد، يقول الروائي الجزائري، في أحد حواراته “إنها دولة عربية متخيلة، ولكنها في آن واحد صورة لواقع الحكم في البلدان التي يحكمها الطغاة العرب، فالاختلاف الوحيد إذن هو في الاسم فقط. ولهذا تلاحظ أنني أعطيت لشخصيات الرواية أسماء متداولة في مختلف البلدان العربية، وليس في بلد عربي بعينه، إشارة إلى أن الطاغية الذي أتحدث عنه ليس رئيس هذا البلد العربي أو ذاك، بل جميعهم، وهذا ما حداني إلى تفادي التحديد الجغرافي والقطري”. وتعد رواية “الأعظم” تحليلا وغوصا في أغوار شخصية المستبد، وهو الموضوع الغائب في السرد العربي على نحو يستحق البحث عن أسبابه، بالنظر إلى استفحال هذه الظاهرة السياسية العربية وتجذرها واستمرارها منذ عقود، ما تكاد تختفي حتى تظهر من جديد وبحلة جديدة أحيانا. وبخصوص قلة الروايات العربية التي تناولت شخصية الطاغية أو الدكتاتور، يقول سعدي “من المؤكد أن الرواية العربية لم تتصد لظاهرة الاستبداد السياسي بصورة مباشرة وصريحة، ويعود ذلك، ربما، إلى عامل الخوف من قبل المبدعين الروائيين أو الحذر من العواقب التي سوف تنجم عن تجاوز الخطوط الحمراء للأنظمة السياسية السائدة في العالم العربي. ولا ننسى أيضا دور الرقابة المفروضة على دور النشر في بلداننا، وهي تمثل عامل حد من حرية الكاتب”. وكان من الوارد أن تصبح رواية “الأعظم” من الماضي خاصة بعد الربيع العربي الذي انطلق في 2011، ولكنها في ظل الواقع الحالي تصبح دليلا على ظاهرة لا تزال تميز الحاضر العربي بكل قسوة وحدة، وإن بشكل مختلف ظاهريا. ونلفت إلى أن إبراهيم سعدي يعد من أبرز المثقفين والروائيين الجزائريين المعاصرين، له ثماني روايات مطبوعة، منها: كتاب الأسرار، المرفوضون، النخر، فتاوى زمن الموت، وبوح الرجل القادم من الظلام، بالإضافة إلى إصدارات في الميدان الفكري والنقد الأدبي والثقافي على غرار: مقالات ودراسات في المجتمع العربي، دراسات في المجتمع الجزائري وثقافته، مقالات في الرواية.
مشاركة :