طرقوا أواني الطهو، وقرعوا طبول الحرب، ولوحوا بأعلام الحركة، فدقت قلوب الناس طرباً وحلقت أحلامهم في الفضاء. فمن أقدر على تحريك الأحلام وزحزحة الهموم وإيقاظ الآمال لشعب كاد يفقد الأمل بحاضره، فما بالك بمستقبله، إلا شباب وشابات في عمر الزهور، يمتلكون صوتاً عالياً ويحوزون وعوداً براقة، والأهم من هذا وذاك يقهرون الممنوع ويتحدون المرفوض؟ أعلامهم الضخمة البيضاء، وملابسهم البسيطة السوداء، وهتافاتهم الغريبة جذبت الانتباه الحذر، وسرعان ما ضمنت التعاطف وأحرزت النجاح بتواجدها الجريء والفريد. فقد فاجأت حركة 6 أبريل الشعب الساكن الهامد الراضي بقليله والذي يحاول التأقلم مع واقعه تارة بإيجاد مبررات لسجّانه وتارة بالتعلق بتلابيب إرادة السماء. وانشقت السماء لتكشف عن غضب الشباب، حيث لا استكانة ولا مهانة، ولا قناعة ولا شماعة. غضبوا فقرعوا الطبول، وهاجوا فأطفأوا الأنوار، وظُلِموا فأقاموا الثورة على من ظلمهم. قالوا للشعب «لو غضان خليك في البيت» احتجاجاً، وشجعوا أقرانهم من الشباب على رفع الملابس الداخلية أمام منزل وزير الداخلية اعتراضاً. لكن الحركة التي تأسست كما أعلن مؤسسوها من الشباب «غير الحزبي وغير المؤدلج» تضامناً مع إضراب العمال في 2008 احتجاجاً على تردي الأحوال تبنت فكرة تحويل الإضراب من عمالي إلى عام، وهي الدعوة التي انتشرت انتشار النار في الهشيم بفضل الشبكة العنكبوتية والرسائل النصية التي حولت الدعوة إلى ما يشبه الحركة الشعبية. ومن حركة شعبية إلى ثورة شعبية قامت في كانون الثاني (يناير) وسط فرحة كبيرة وترقب أكبر سرعان ما تحولت عبر ثلاث سنوات من الفوضى والتخبط، وركوب الموجات وصراع الأقوياء، إلى نقمة على رؤوس المصريين. حركة 6 أبريل التي اكتسب شبابها مكانة النجوم وحظوا بمعاملة الساسة المخضرمين والأتقياء المخلصين اتُهمت منذ ضلوعها في ثورة يناير - وإن كان على استحياء - بالخيانة والعمالة والتبعية لأنظمة أجنبية تحمل الشر لمصر، وتحولت على مدى السنوات الثلاث الماضية من الحركة الشبابية المخلصة للمصريين من أوجاع عقود إلى جماعة شباب باعوا وطنهم ورضوا بالخيانة من أجل مصالح شخصية. الرسالة رقم 69 من المجلس الأعلى للقوات المسلحة - الذي كان يدير شؤون البلاد في المرحلة الانتقالية الأولى قالت حرفياً بإن «الفتنة التي تسعى إليها حركة شباب 6 أبريل للوقيعة بين الجيش والشعب ما هي إلا هدف من الأهداف التي تسعى إليها منذ فترة». وأخذت أصوات المصريين تتعالى ناعتة الحركة وشبابها بالخيانة والعمالة. وتسللت هذه النعوت إلى جدران الغرافيتي حيث عبر بعضهم عن رأيه بعبارات مثل «حركة 6 إبليس» «ويسقط 6 أبريل الخونة» وغيرهما. وتنامى هذا الشعور لدى قطاعات عريضة من المصريين، لا سيما مع تفجر الانشقاقات الداخلية والانشطارات الذاتية بين شباب الحركة. فولدت جبهات، وتفجرت أجنحة، وبدأ شبابها يرشقون بعضهم بعضاً بالاتهامات على شاشات الفضائيات، وهو ما تحول إلى مسامير تدق في نعش الحركة، على الأقل من المنظور الشعبي. لكن الشعب في ظل حكم الإخوان وجد نفسه بين نارين، إحداها نار اتهامات الخيانة الموجهة للحركة الشابة والثانية نار الجماعة الصادرة عن مكتب الإرشاد الآخذ في الهيمنة على مصر. وكان وصف القطب الإخواني صبحي صالح جماعات مثل ألتراس وجبهة الإنقاذ و 6 أبريل بأنها «كيانات غير قانونية» كافياً ليجعل قطاعات من المصريين تحاول إقناع نفسها بأن 6 أبريل ليسوا خونة ماداموا ضمن القائمة الإخوانية السوداء. وإن كانت محاولات الاقتناع تأثرت سلباً بجنوح أحد أجنحة الحركة إلى دعم «مرشح» الرئاسة الدكتور محمد مرسي في انتخابات عام 2012 باعتباره «مرشح الثورة». ومن «مرشح الثورة» محمد مرسي إلى «خائن الثورة» محمد مرسي وذلك كما أشارت «أجزاء» من الحركة التي شاركت في تظاهرات 30 حزيران (يونيو) الماضي للمطالبة بإسقاط حكم المرشد ومعه ذراع الجماعة الرئاسية. وعلى رغم ذلك، ظل موقف الشارع، حيث الغالبية الصامتة و«حزب الكنبة» هاتان الكتلتان الساكنتان اللتان لا تتحركان إلا لـ «الشديد القوي» فتزلزلان الأرض وتقلبان الموازين، يجتاحه التوجس تجاه «6 أبريل» وأجنحتها وجبهاتها المتضاربة حيناً والمتشابكة حيناً والغامضة دائماً. المسيرة الاحتجاجية التي شاركت فيها 6 أبريل قبل أيام في محيط «قصر الاتحادية» بغية إسقاط قانون التظاهر كانت بمثابة قياس لموقف الشارع الذي أعلن وضع الحركة ضمن قائمته السوداء الطويلة. وتتراوح الأسباب هنا بين «مللنا من التظاهرات» و«هرمنا من الاحتجاجات» و«أوشكنا على الجوع وهؤلاء العيال الذين ينفق عليهم آباؤهم أو من يحركونهم يساهمون في وقف الحال أكثر» و»كل شيء اتضح. يبدو إن حكاية العمالة أصحت مؤكدة». لكن يظل هناك في الشارع من مازال ينظر إلى 6 أبريل - أو على الأقل أجنحة بعينها دون أجنحة أخرى- باعتبار شبابها أنقياء أطهاراً عملت الظروف ضدهم، أو شوه بعضهم سمعتهم، أو استغلت جهات شريرة حماستهم وثوريتهم لتجندهم دون علمهم. المحصلة النهائية هي إن النبرة السائدة في الشارع مالت إلى «حظر» الحركة شعبياً، وهو ما يفسر ربما عدم مبالاة الرأي العام تجاه القرار القضائي الذي صدر قبل أيام بحظر الحركة والتحفظ عن مقارها، وذلك في الدعوى التي رفعها محام اتهمها فيها بالقيام بنشاطات تضر بسمعة مصر في الخارج بالإضافة إلى ضلوعها في التخابر. رد فعل الحركة جاء متناغماً وروحها الشبابية على الأقل ظاهرياً. فبين تعليقات ساخرة من المنتمين اليها بإن الحركة لا تملك مقار أصلاً، أو آخرين طالبوا بميراثهم الشرعي في المقار المتحفظ عنها. حتى الوقفة الاحتجاجية التي نظمتها الحركة على سلالم نقابة الصحافيين رفعت لافتات كتب عليها «الحظر صابني ورب العرش نجاني». أما مقترحاتها في شأن خطوة الحركة المقبلة بعد قرار الحظر فقد اقترح أحدهم بأن تصبح الحركة «5 أو 7 أبريل» بديلاً من «6» المحظورة. حظر 6 أبريل وضعها في الخانة نفسها مع جماعة الإخوان، وهي ليست المرة الأولى التي تجمعهما إما المصادفة أو التوجه. احتفلت الحركة الشهر الماضي بالذكرى السادسة لتأسيسها وبعدها بأيام نزلت الى الشارع لتحتج على قرار حظرها القضائي. وتبقى المعضلة الرئيسية في كيفية تصرف شباب الحركة بأجنحتها المتعددة والمتشعبة والمتناحرة كثيراً والمتفقة نادراً في موقف الشارع منها حيث كثير من التشكك والتخوين وقليل من التضامن والتدعيم. شباب
مشاركة :