عذراً.. لن أكون صحابية

  • 4/6/2017
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

لطالما كان يلفت نظري منذ بدأت خوض غمار الحياة وأنا في سن المراهقة، ذاك العنوان البراق "كوني صحابيّة" أراه على مواقع التواصل الاجتماعي أو في بعض المحاضرات والندوات النسائية، كما أنه يكاد يكون مطلباً مشتركاً عند بعض الرجال المتدينين والمحافظين في مجتمعنا، "هيا كوني صحابية" ودون أدنى تفكيرٍ في أن دور الصحابية الناشطة في شتى مجالات الحياة من التعليم والطب والسياسة وكافة المجالات المستحدثة اليوم قد لا يشبه المرأة التي يريدون فعلياً "هم" إن انتقلت المرأة لمجال تطبيق ما يقولون. قد بدأت الكثيرات من الفتيات بالتعرف على شخصيات الصحابيات والنساء اللواتي ذكرهن القرآن، لكنني كنت أرى كلما حاولتْ إحدى الفتيات جاهدة الظهور بجوهر واحدة منهن انهالت الاتهامات على شخصياتهن وكأنهن عاصيات للقبيلة والمجتمع ومتمردات على الدين، حتى اكتشفتُ نقطةً توصّف إشكالية المطالبين بتطبيق هذا العنوان "إنها أشبه بالفجوة بين ما يقولون وبين ما يريدون فعلياً". أكاد أسمع صوت إحداهن وهي تقول: أن أكون صحابية لا يعني أن أتّبع الظاهر في "لباس ما" كان يلبسنه الصحابيات نوعاً من عادات مجتمعهن، بل الاتباع يكون فيما هو ثبت بأنه فرض علينا جميعاً، مراعين خصائص الفرض وصفاته لا بتطبيق ما هو تراث مجتمعي. أن أكون صحابية لا يعني أن تُطربوني بأن الصحابيات كُنّ معلمات للرجال ومحاورات وصاحبات جُرأة في الرأي، وقد كانت السيدة عائشة تُوصف بأنها "رَجُلة الرأي"، وما إن رأيتم جُرأتي في الرأي وصفتموني بالوقحة. أن أكون صحابية هو أن أكون بذات إحساس ذاتي وقناعة بأني أحمل رسالة كأم سلمة -رضي الله عنها- يوم سمعت الرسول ينادي على المنبر: يا أيها الناس، فقالت لماشطتها: استأخري عني إنه يدعونا، فقالت لها ماشطتها: إنما دعا الرجال ولم يدعُ النساء، فقالت: ويلك أولستُ من الناس؟ أكاد أرى مهاجمتنا للنساء الداعيات لإدراك النساء لأنفسهن وذواتهن ومعرفة دورهن في الحياة، وتوصيفهن بالنسويات المتطرفات، مع أن المواضيع التي يُطالبن بها في المجتمعات ذات الخلفية الإسلامية اليوم من احترام وتقدير لهن وعدم تهميشهن لهي من الحقوق الإنسانية البسيطة. وهل لي بأن أُضيءَ على ما كانت عليه السيدة عائشة -رضي الله عنها- وكيف أنها كانت كثيرة السؤال والتفكر، وكان الرسول -عليه الصلاة والسلام- يجيبها بكل حب، هل لي بأن أسأل سبب إنكاركم علينا للسؤال والتفكر وتوصيفنا بالمنحرفات، وهناك من سيقاطعني ليقول: هل كانت السيدة عائشة تسأل تلك الأسئلة التي يسألها فتيات اليوم؟ لأرد وأقول: هل من المنطق أن تسأل فتيات اليوم بأمور تخص عصر عائشة وزمانها؟ فمن الطبيعي أن يتساءل فتيات اليوم بأمور وتحديات تخص زمانهن كما فعلت عائشة تماماً، وتساءلت وفقاً لتحديات زمانها، حتى إن مريم بنت عمران -عليها السلام- قد اصطفاها الله لتنجب نبياً يحمل رسالة لقومها، بدون زوج واختارها الله لهذه المهمة وهي "أنثى"، رغم حساسية وصعوبة الأمر في مجتمعها، تأكيداً على أنها قادرة على إتمام ما اختيرت له ولو كان صعباً في نظر المجتمع، بينما نحن ما زلنا نُحدُّ من أدوار المرأة ونختار لها ما يناسب عُقدنا النفسية بحجج واهية، منها أنها عاطفية لا تحسن تحكيم عقلها، ومنها أنها لا تستطيع القيام بذاك العمل، وآخر صعب عليها، دون تكليف أنفسنا بأن نسألها يوماً: "هل أنتِ قادرة؟ وهل يناسبكِ ذلك؟". حتى إن تربية الأطفال التي نتفق جميعاً على أنها مهمة رفيعةٌ تُخرّج أبطالاً ومنقذين ومصلحين لهذا العالم، استخففتم بها حد جعلها الدور الوحيد البسيط الذي لا يصلح للنساء أن يقمن بغيره، دون قرار نابعٍ منهن، أورثناهن بالفرض والاستخفاف معنى الرعاية التي اقتصرت على الطهي والتنظيف والمراقبة لا أكثر، وأبعدناهن عن معنى التربية من غرس للقيم والأفكار والجلوس بساعات نوعية لا كمية مع الأولاد والعائلة. إني لا أُراهِن على خروج جيل مُصلح من أيدي نساءٍ لم ينشغلن يوماً في البحث عن معنى لوجودهن، لم يدركن من أسرار الحياة أكثر من الطريقة التي يأتي بها الأطفال للعالم، لا نجاح لمربية لم تدرك تحديات العالم وهي منعزلة عنه، وكأن العالم مختزلٌ ببيتها لتُخرّج جيلاً معطوباً ومنعزلاً يعمل على استرجاع أوهام وتطبيق أفكار خاطئة اكتسبها عن العالم، غير قادر على ابتكار حلول واقعية لإصلاح خلل ما. إن بلقيس التي حكمت قومها بحكمةٍ وكانت مثالاً لامرأة وازَنَتْ بين عقلها وعاطفتها، نعتبره نحن نموذجاً استثنائياً نظراً لما أكسَبناه للمرأة عندنا من أفكار واهية عاطفتك تفوق عقلانيتك، مع أني أرى أن الإنسان السويَّ إن كان ذكراً أو أنثى هو الموازن لقوى العقل والقلب في ذاته مدرك لمتى؟ وأين؟ يَستخدم كل جانب في نفسه عقليّاً كان أم عاطفيّاً لمواجهة مواقف الحياة، وبعد جدلية الاقتداء بالتعميمات يأتي من يُلزمنا بتطبيق التخصيصات التي جاءت لنساء الرسول دون سواهن من "وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ"، و"وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ"، مع العلم أن ما هو مخصص لنساء النبي لا يُعمم "يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ". فعذراً لن أكون تلك الصحابية التي تريدون والتي هي بالأصل امرأة من صنعكم لا ترقى لدور الصحابية، لن أكون تلك المثقفة العقلانية التي يريدها المجتمع "بشرط" ألا يكون عقلها موجهاً لتقويم زوجها وأولادها ومنزلها. لن أكون تلك المرأة المتقوقعة على ذاتها التي بحسب وصفكم تفوح منها رائحة الحياء والخجل؛ لأنها بالأصل تخشى أن تتكلم بما تُفكر حتى لا تنقص أعداد العرسان من صفها، مع إيماني بأن الحياء ورجاحة العقل والفكر لا يتعارضان، وإظهار الحياء في غير موضعه ضعف في الشخصية لا قيمة دينية. لن أكون تلك المرأة التي تخشى أن تجاهر فيما تُفكر، وأن تكون سيدة فكرها، خوفاً من أن تُوصف بأنها مسترجلة، فحتى موازين الاسترجال مختلّة في مجتمعنا، فما زلتُ أخشى الصراصير والفئران رغم استقلالي الفكري ولم ينقص من عاطفتي شيء. لن أكون أيضاً تلك التي ستدخل المجال العلمي والمهني المقبول مجتمعياً، وأتجنب ذلك المجال الذي أحبه والذي أرى رسالتي تتبلور من خلاله على اعتبار أن ذلك سيُصعِّب عليَّ إيجاد زوج في المستقبل، متناسية أن أصحاب الطموح وغير العاديين يبحثون عن بعضهم البعض، ويعاون بعضهم بعضاً على الوصول لما يطمحون إليه، وأنهم يفضّلون العزوبية على تشكيل عائلات تقليدية غير منتجة وغير مؤثرة في المجتمع. إنني أرى حقاً أن نموذج المرأة القوية والناشطة هو نموذج إسلامي، لكنه وجب الاعتراف بأنكم تحبون الضعيفات. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مشاركة :