إعداد: محمد هاني عطوي هل يمكن الاستفادة من البرق لتخزين كمية كبيرة جداً تصل إلى مئات الملايين من الميجاواط، يمكن استغلالها كهرباء نظيفة تساهم في حل مشكلة الطاقة؟ حتى وقت قريب كانت الإجابة، لا يمكن، لأن البرق تيار لحظي ويلزمه تصميم مكثف بمواصفات خياليه، كما أنه لا توجد منطقة تتوافر بها الصواعق بشكل مستمر.الأكثر جنوناً هو نجاح المهندس المعماري الصيني تشان لين في تصميم أبراج قادرة على استعادة الطاقة من البرق، أو بمعنى دقيق ناطحات سحاب تغوص في المياه لتجذب البرق من أجل التقاط الطاقة، وهذا التصور للمباني المستقبلية بغية مواجهة مشاكل البيئة، كان في إطار مسابقة أجريت لمهندسين معماريين في جميع أنحاء العالم، وحاز خلالها لين جائزة المشروع الأكثر جنونية. للوهلة الأولى، تبدو الفكرة ممتازة فالبرق كما هو معروف عبارة عن تيار كهربائي عملاق يسري بين السحاب والأرض، ودفقة واحدة في السماء تمثل مئات الملايين من الفولتات، بل هي أقوى بكثير من 220 فولتا المعروفة في التيار الكهربائي المتوفر في منازلنا أو حتى 400 ألف فولت المنقولة عبر خطوط الجهد العالي. وهكذا نجد أن المعضلة تمثلت في منطقة يستمر بها البرق، وعثر عليها المهندس تشان لين وهي مدينة ماراكايبو في فنزويلا، التي تم اختيارها لبناء أبراج البرق. الواقع أن البحيرة المحاذية للمدينة تضربها آلاف الصواعق البرقية كل ليلة، وهي من أكثر المناطق التي تتعرض للبرق في العالم، وتتفاوت التقديرات حول عدد هذه الضربات خاصة أنها ليست بالمهمة السهلة، ويعتقد الباحثون أن عددها يبلغ ما معدله 230 ضربة برق في الكيلومتر المربع الواحد سنوياً. وتبلغ مساحة البحيرة الإجمالية 13000 كم مربع، أي ما يجعلنا نحصد تقريبا 3 ملايين ومضة برق في السنة. ويأمل المهندس الصيني استخدام هذا الخزان من الكهرباء لتصفية وتنظيف البحيرة نفسها. لماذا؟ لأنها ملوثة بسبب أنشطة استخراج النفط وطرح سكان ماراكايبو للفضلات الناتجة عن استخداماتهم اليومية، يضاف إلى ذلك ظاهرة أخرى هي ملوحة البحيرة، بسبب قربها من البحر الكاريبي. فندق البرق يبدو أن تشان لين لم يبسط المهمة، ففي مشروعه نجد أن كل ناطحة سحاب مجهزة بأشرعة تدور حول العمود المركزي، وعندما تهب الرياح يؤدي هذا الدوران إلى تشغيل توربين يولد الكهرباء، مثل طاحونة الرياح ما يؤدي إلى تدفق الكهرباء من خلال لفائف (بوبينات) تعمل على توليد مجال كهرومغناطيسي في أعلى البرج. هذا المجال يفترض أن يجذب البرق حيث يتم تخزين طاقة البرق في خزان هائل أو مكثف عملاق يزود نظام تصفية وتحلية المياه في البحيرة. علاوة على ذلك، خطط لين أيضاً بناء فندق حول العمود المركزي لكل برج، ومطعم بانورامي في القمة.من هنا نرى أن هذا المشروع جنوني بالفعل بغض النظر عن صعوبة جذب الزبائن في فندق يحصل على الكهرباء طوال الليل من البرق، وبالتالي الإشارة إلى مشكلة فنية تتمثل في أن المجال المغناطيسي لا يجذب الصواعق. ولكن حتى ولو لم يتمثل الأمر في جمع الطاقة من البرق، فإن أسهل طريقة، وأكثرها فعالية وأقلها كلفة لجذب البرق هي مانعة الصواعق (عبارة عن صارية يعلوها قضيب معدني). ويقول جيروم كسباريان بشيء من الفكاهة، وهو فيزيائي في جامعة جنيف (سويسرا): «هذا أمر نعلم على الأقل أنه يعمل». وطالما أننا نريد تشغيل التوربينات، فلماذا لا نستخدم مباشرة الطاقة التي تنتج؟. الشحنات الكهربائية باختصار، المشروع الجميل دفن قبل مولده، ولكن ذلك لم يمنع من طرح السؤال الحقيقي: هل يمكن بالفعل أن نستعيد الطاقة التي ينتجها البرق؟ فقوته المتغيرة جدا تعتمد على ارتفاع السحب والشحنات الكهربائية المتراكمة فيها وهذا يقاس عادة بعشرة جيجاواط أي عشرة مليارات واط، ولكن عمليا، ماذا تعني هذه القدرة؟ الواقع أنها في الأجهزة الكهربائية، تعني تدفق الإلكترونات اللازمة لعمل الجهاز فمثلا يستهلك السخان الكهربائي 1000 واط، وبالتالي ضربة البرق يمكنها تشغيل 10 ملايين سخان كهربي في نفس الوقت.. وذلك فقط لحظة حدوث البرق التي لا تتجاوز 0.025 ثانية. ويتصور الباحثون حلولا لاسترداد هذه الطاقة، وفقا لمبدأين مختلفين: أبسطها ينطوي على التقاط البرق واستخدام الكهرباء المنتجة لملء خزان (مكثف) يقوم بتوزيع الكهرباء بشكل مستمر حتى حدوث ومضة البرق التالية. أما المبدأ الثاني وهو الأكثر تعقيدا، فيتمثل في عدم استخدام الكهرباء مباشرة من البرق، ولكن استخدامها لتسخين المياه. فالواقع أن الشحنة الكهربائية التي تتحرك تزيد من درجة حرارة المواد التي تمر من خلالها وهذا ما يسمى بتأثير جول. ولذا فإن الشحنات الكهربائية القادمة من البرق ستحول الماء إلى بخار وهو بدوره سوف يعمل على تشغيل التوربينات لتوليد الكهرباء. 3 مشاكل سواء اخترنا هذا الحل أو ذاك فإن ثمة ثلاث مشاكل رئيسية تبقى مطروحة. الأولى هي أن ننجح في تخزين فعال للكهرباء المولدة لعدة أسابيع أو أشهر. فالبرق يضرب في أي وقت وليس بالضرورة عندما نحتاج للكهرباء فيها. ولذا أحصت (Météorage) وهي الهيئة التي تراقب البرق في فرنسا عام 2015، حوالي 455000 ضربة برق في الأراضي الفرنسية، وكانت الغالبية العظمى منها بين شهري يوليو وأغسطس. ولو تمكنا من التقاط هذه الطاقة، ينبغي علينا أن ننجح في الاحتفاظ بها حتى فصل الشتاء، وهي الفترة التي يحتاجها الناس لتشغيل السخانات الكهربائية. وحتى الآن، لا يعرف الباحثون حقا كيف يفعلون ذلك. والمعروف أن البطاريات التي تشغل هواتفنا المحمولة فعالة جدا لهذا، ولكن من المستحيل بناء بطاريات فائقة الحجم من هذا النوع الذي يعمل بالليثيوم لأن احتياطي هذا المعدن الذي يستخدم في هذه البطاريات على الأرض ليس كافيا. وبالعودة إلى بحيرة ماراكايبو، نجد أن صواعق البرق تضربها بشكل مستمر تقريبا إذ يمكننا الاستمتاع بمشاهدة البرق على مدى تسع ساعات كل ليلة ولحوالي 200 ليلة في السنة.وفي هذه الحالة بالذات، يمكننا الاستغناء عن نظام التخزين إلا أنه لا يحل المشكلة الثانية وهي أن كمية الطاقة الناتجة عن ومضة البرق ليست كبيرة كما تبدو عليه ولنأخذ صاعقة برق «متوسطة» ذات قدرة تبلغ 20 جيجاواط فهذه القدرة هي طاقة البرق مقسومة على الزمن (0.025 ثانية)، وبالتالي فإن الطاقة التي تحتويها تبلغ 20 جيجاواط مضروبة بالزمن 0025 ثانية، أي 500 ميجا جول (MJ) أو 500 مليون جول. ومن المعروف أن الجول هو وحدة لقياس الطاقة في جميع أشكالها، بداية من عضلاتك وحتى البرق. وفي حالة الطاقة الكهربائية، غالبا ما نستخدم وحدة أخرى، وهي واط/ ساعة التي تساوي 3600 جول. وبالعودة إلى السخان الكهربائي نجد أنه يستهلك 1000 واط بشكل مستمر، ولذلك فإنه يحتاج إلى كمية من الطاقة تبلغ كيلوواط/ ساعة كي يسخن. والآن سنجد أن ومضة برق واحدة تحتوي فقط على 138 كيلو واط أي (500 مليون جول مقسومة على 3600 جول) ما يعني أن الطاقة القادمة منها لا تكفي لتشغيل سوى سخان واحد لستة أيام فقط. ولكن لو كان هناك عدد كبير من ومضات البرق، كما هو الحال في ماراكايبو، فهل يمكننا زيادة كمية الطاقة المستردة؟ الواقع، إذا تمكنا من التقاط الكهرباء المخزنة في ال 3 ملايين ومضة برق التي تضرب هذه المنطقة، وننطلق من افتراض يقول إن كل واحدة منها لديها طاقة تبلغ 500 ميجا جول، فحينها نكون قادرين على توفير نحو 50 ميجاواط على مدار سنة. وذلك وفقا للعملية الحسابية التالية: 500 ميجا جول (طاقة البرق) نضربها في 3 ملايين ومضة برق ثم نقسم الناتج على عدد الثواني في عام (31536000)، فيكون النتاج 47 ميجاواط بالضبط أي الطاقة الكهربائية لتزويد 50 ألف منزل، وهو ما يعتبر قليلا مقارنة مع ال 500 ألف منزل التي يتم مدها بالطاقة بواسطة مفاعل نووي واحد ينتج 900 ميجاواط. نقطة مؤسفة لتزويد 50000 منزل بالكهرباء ينبغي التقاط ثلاثة ملايين ومضة برق، ولفعل ذلك يجب أن نغطي بالكامل سطح البحيرة بأبراج البرق المقترحة من المهندس الصيني تشان لين، والواقع أن قضيب صاري البرق الذي يرتفع إلى 60 مترا يجذب الصواعق ضمن دائرة نصف قطرها 30 مترا حوله، وهذا يمثل في البحيرة مساحة سطح قدرها 2800 متر مربع، مع العلم أن بحيرة ماراكايبو تبلغ مساحتها 13 ألف كمتر مربع أي اننا نحتاج إلى أكثر من 4 ملايين برج أي واحد لكل 50 مترا.ويرى الباحث جيروم كسباريان أن النقطة الأخيرة هي المؤسفة بشكل كبير فليس هناك أي شك في أننا يمكن في المستقبل إيجاد حلول لتخزين الطاقة، ولكن هذا المشروع ليس واقعيا. فلبناء الأبراج فقط، ينبغي استهلاك كمية هائلة من الطاقة، سواء لإنتاج المواد، وحفر البحيرة لوضع الأساسات أو حتى لتوفير معيشة للعمال، ولذلك، ينبغي تشغيل النظام لسنوات عدة من أجل استرداد الطاقة المستخدمة في تصنيع الأبراج فقط. ونحن هنا لم نتحدث عن التكلفة المالية بعد. ولنتخيل أن لدينا ميزانية قدرها 10 مليارات يورو وهو المبلغ المقدر لمحطة الطاقة النووية الفرنسية التي يجري بناؤها في Flamanville، التي ينبغي أن توفر 1650 ميغاواط. مع هذا المبلغ الضخم، فإنه سيتعين علينا إنفاق 2500 يورو لكل برج في بحيرة ماراكايبو.. وهكذا نرى أن استعادة هذه الطاقة، بقدر ما هي جذابة في عيون تشان لين، ليست بالفكرة المذهلة حتى اللحظة.
مشاركة :