محمد حسن | يتوقع البعض أن تكون التفجيرات الإرهابية التي استهدفت محطة القطارات في مدينة سانت بطرسبورغ، بداية موجة أخرى من موجات تلك الاعتداءات. ولم يكن من المستغرب أن يكون المسؤول عنها جماعة إرهابية دولية. فقد بدأت روسيا تأخذ مكانة الولايات المتحدة في موقع العدو رقم واحد لجماعات القاعدة والدولة الإسلامية، وغيرهما من الجماعات الجهادية التي تستخدم العنف وتقودها الأفكار الدينية المتطرفة. تعود جذور هذا التحول إلى ما تقوم به روسيا حالياً في منطقة الشرق الأوسط، بما في ذلك تصعيد التدخل في سوريا، وخطواتها الهادفة للتدخل في ليبيا، كما قامت مؤخراً بنشر قوات خاصة في قاعدة جوية في مصر، وهو أمر أثار غضب الجماعات الإسلامية المتطرفة في أنحاء مختلفة في العالم، وجعل روسيا تحتل المرتبة الأولى كهدف للجهاديين، وإنه إذا ما انهارت دولة الخلافة الإسلامية في سوريا، وحاول ما يقدر عددهم بحوالي 2400 مجاهد من القادمين من روسيا العودة للوطن، حيث يركزون جهودهم على الكرملين، فإن الوضع عندها سوف يزداد سوءاً بالنسبة لموسكو. ولقد عبرت الجماعات الإرهابية عن التغييرات في ما يختص بأولوياتها بوضوح، ففي شريط فيديو بثه تنظيم داعش بعنوان «قريباً وقريباً جداً سوف تتدفق الدماء مثل مياه المحيط». كما هدد مقاتل في التنظيم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مباشرة مشيراً إلى تدخلات بلاده في سوريا وتحالفها المتزايد مع الدكتاتور السوري بشار الأسد، وإيران وحزب الله، كدليل على أن موسكو باتت الداعم الأساسي لمحور شيعي تتنامى قوته في أرجاء الشرق الأوسط، وقد اتفقت أربعون جماعة من جماعات المعارضة في سوريا مع هذا الموقف، وقالت بوضوح إن «أي قوة احتلال لبلدنا الحبيب تعتبر هدفاً مشروعاً». تعاون له ثمن وتعد روسيا القوة الأساسية التي تدعم نظام الأسد الذي ظل يشن حرباً دموية خلال السنوات الست الماضية على القوات المعارضة للحكومة. والتحالف السياسي والعسكري فيما بين روسيا وإيران بات يزداد قوة وتعمل الدولتان معاً لمساعدة الأسد على استعادة بعض الجيوب من الأراضي التي تقع تحت سيطرة المعارضة، فقد قدمت القوات الخاصة والطائرات الروسية الدعم للجيش السوري وحلفائه، وقد ظهرت نتائج ذلك أخيراً في تدمر، غير أن هذا التعاون قد كان له ثمن، فقد عبرّ تنظيم داعش مسبقاً عن رغبته وقدرته على ضرب أهداف روسية، حيث ادعت الجماعة التابعة للتنظيم في سيناء مسؤوليتها عن تفجير الطائرة الروسية بعد مغادرتها شرم الشيخ متجهة إلى مدينة سانت بطرسبيرغ في أكتوبر عام 2015 وكان على متنها سياح روس. ولقد ظلت روسيا تدخل في مواجهات مع مجموعات مختلفة من الجماعات المتشددة لسنوات، غير أن وضع العنف السياسي في منطقة القوقاز شهد تغيراً بصورة كبيرة خلال العقدين الماضيين، فقد تغيرت الايديولوجيا الأساسية التي كان يتبعها المتشددون من تلك الوطنية – العلمانية إلى أخرى دينية إسلامية، ويعني هذا التحول أن المتشددين باتوا يبدون أقل في النظر في إمكانية التوصل إلى تسوية سياسية في أي مرحلة من مراحل النزاع، وفي الوقت ذاته فإن المركز الأساسي للمتطرفين انتقل من الشيشان إلى داغستان المجاورة، حيث نجد أن ولاية القوقاز التابعة للدولة الإسلامية لديها نفوذ في البلدين المذكورين، بالإضافة إلى دول الجوار، أي كاباردا بلكاريا وكاراتشاي، كما أن إمارة القوقاز التابعة لتنظيم القاعدة ما زالت تتشبث بمناطقها في شركيسيا ونوغاي ستيبي. التدخل في سوريا وقد أدى التدخل الروسي في سوريا إلى تسريع تلك التغيرات في منطقة القوقاز، وهنالك تنافس لتجنيد المقاتلين والحصول على مصادر بات يشتّد أواره فيما بين جماعتين جهاديتين مسيطرتين، مما أدى إلى بروز حالة من اللامركزية بالنسبة لنشاطات هذه الجماعات، ففي الوقت الذي غادر فيه جهاديو منطقة القوقاز إلى مناطق القتال في سوريا، قلّت وتيرة العنف في جميع أرجاء الشيشان على الأقل في الوقت الراهن، بينما زادت بصورة كبيرة في جميع أرجاء دولة داغستان. وروسيا لديها تجربة مع العنف الإرهابي، وهو ليس غريباً عليها، فقد كان الجهاديون مسؤولين عن اعتداءات كبرى استهدفت دولة روسيا، ومن بينها أزمة رهائن مسرح موسكو في عام 2002، وحصار مدرسة بيسلان في عام 2004، وتفجيرات محطة قطارات الأنفاق في عام 2010، والاعتداء الانتحاري في مطار دوموديدوفو في عام 2011، وذلك على سبيل المثال وليس الحصر. هنالك، بكل تأكيد عوامل مهمة عديدة أخرى وراء ضعف نشاط الجماعات المتطرفة في أجزاء روسيا الواقعة في أطرافها البعيدة، من بينها الاستهداف الانتقائي للمقاتلين وداعميهم، واختراق جماعاتهم والقضاء عليها، فمن خلال حملة الاغتيالات المنتقاة، اغتالت قوات مكافحة الإرهاب الروسية عددا من القادة العسكريين الكبار من بينهم جوهر دوداييف في عام 1996، وسليم خان يادربييف في عام 1997، وأصلان مسخادوف في عام 2005، وعبدالحليم سعدولاييف في عام 2006، ودوكو عمروف في عام 2013. وخلال حرب الشيشان الأولى في الفترة ما بين عام 1994 وإلى 1996، اتبعت القوات العسكرية الروسية، بصفة عامة، سياسة الأرض المحروقة القائمة على تدمير كل شيء أمامها. ومنذئذ، فإن استراتيجية روسيا في مكافحة الإرهاب في منطقة القوفاز اتسمت بأنها عمليات تنظيف وإزالة كل شيء. كما تشمل التكتيكات الأخرى العقوبات الجماعية مثل استهداف أصدقاء وأقارب المتهمين بالإرهاب. قصر نظر وقد اعتبر الأسلوب السلطوي في مكافحة الإرهاب بأنه يتميز بالكفاءة، وإن اتسم بالوحشية. بيد أن التعامل الفظ يعد أسلوبا قصير النظر، حيث يستبدل الاستقرار المستدام بتحقيق الأمن على المدى القصير. وتماشيا مع ما يبدو أنه رفض روسيا محاولة «كسب القلوب والعقول»، فإن المظالم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للمعارضين لم تتم بصفة عامة معالجتها، مما ضمن أن الجيل المستقبلي للمتشددين سوف يتسلم راية الجهاد. وعلى الرغم من الخلافات والتنافس في ما بعد في مجال التجنيد والحصول على المصادر، في ما بين إمارة القوقاز وولاية القوقاز التابعة للدولة الإسلامية، فإن هنالك قضية واحدة يمكنها توحيد هاتين الجماعتين المتنافستين، هي كراهيتهم للرئيس بوتين لوقوفه مع أعدائهم في سوريا. وفي الفترة التي سبقت إقامة دورة سوتشي للألعاب الأولمبية الشتوية، شجّعت السلطات الروسية. في واقع الأمر، المتشددين الموجودين في أراضيها للذهاب إلى سوريا للمشاركة في الجهاد. وكان الهدف من وراء ذلك أن يذهب المتشددون إلى سوريا وأن تتم مراقبة الحدود رقابة مشددة، أو أن الطائرات الروسية سوف تمنعهم من العودة. بيد أن تلك الاستراتيجية لم تكن من دون نقاط ضعف، فالأمر قد يأخذ القليل من المتشددين للتسلل عبر نظام المراقبة وتنفيذ عمليات ذات أضرار بالغة. ولهذا السبب فإن بعض الأكاديميين يقارنون الخطر الذي يشكله الجيل الجديد من المقاتلين الأجانب في سوريا بما قامت به مجموعة سابقة من المجاهدين ممن تجمعوا لمقاتلة السوفييت في أفغانستان في الثمانينات. ■ بوليتيكو ■
مشاركة :