قصة الأيام الأخيرة في حياة «الريس حنفي»: خانته زوجته وكان يتسول من أطفال الشارع سندوتش

  • 4/8/2017
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

كان الفنان الكوميديان الراحل «عبدالفتاح القصرى» ينتمي إلى عائلة غنية، والده كان يعمل بالصاغة، وعندما أحب القصرى التمثيل وبدأ مسيرته، أمره والده بترك التمثيل وإلا يحرمه من الميراث. أكمل الفنان مشواره الفنى، وأستطاع أن يحافظ على مكانته وأن يتميز بدور المعلم وابن البلد والفتوة، وباتت تلك الشخصيات ماركة مسجلة باسم القصري، انتقل بها من فرقة مسرحية إلى أخرى ومن فيلم إلى غيره، حتى أنضم إلى فرقة إسماعيل يس، وتبدأ حياته تأخذ طابعا دراميا، بعد أن كان سببا لرسم البسمات على الشاشة وخشبة المسرح. كان القصرى على المسرح يؤدى أمام اسماعيل يس مشهدا معتادا، وعندما هم بالخروج من الديكور الجانبي اسودت الدنيا في وجهه فجأة واكتشف الرجل أنه فقد بصره، فأخذ يتحسس قطع الديكور وهو يصرخ: «أنا مش شايف.. أنا عميت»، وظن جمهور الصالة أن صرخاته جزء من نص المسرحية، فزاد ضحكهم وتصفيقهم لـ«القصري»، ومع استمرار صراخه، أدرك إسماعيل ياسين أخيرا حقيقة وضع الرجل فأخذ بيده إلى الكواليس. انفجر «القصري» في البكاء، وهو يصيح: «مش شايف.. نظري راح يا ناس»، وعلى الفور تم نقله إلى المستشفى، وهناك اكتشف الأطباء أن سبب فقدان «القصري» لنظره هو ارتفاع نسبة السكر بشكل كبير. بعد 3 أشهر، عاد إليه بعض من بصره، لكنه دخل في صدمة أخرى أشد قساوة، عندما تنكرت له زوجته الرابعة التي كانت تسبقه بسنوات عديدة وأرغمته على أن يطلقها ويوقع على تنازل لجميع ممتلكاته وثروته، بينما ذهبت لتتزوج من صبى البقال الذي كان يعامله القصرى على انه ابنه لمدة 15 عاما، وبعد تلك الواقعة التي لم يتحملها القصرى، أصيب بالاكتئاب وأصبح رافضا للحياه. أقامت زوجته وصبي البقال في الشقة التي كان «القصري» يمتلكها، وأمام عينيه، بدون أن يستطيع أن يحرك ساكنا، بعد أن أفقدته الصدمة عقله ودخل في دوامة الهزيان، فما كان من مطلقته إلا أن حبسته وقيدت حركته في المنزل، وفقا لـ«الأهرام». لم يجد «القصري» كرسيا متحركا يتجول به داخل الشقة بعدما كان يركب السيارات الفارهة، وبعد أن كان ينفق ببذخ، لم يجد ما يشتري به العلاج، ولجأ إلى نقابة الممثلين فمنحته معاشا يمكنه من شراء الأدوية، وفقا لصحيفة «السياسة» الكويتية. وفى أول يوم من شهر رمضان نشرت الصحف أنه مريض، فذهبت  الفنانة مارى منيب، واصطحبت معها زميلتها الفنانة نجوى سالم، لزيارة صديق العمر في شقته، ونشرت جريدة «الجمهورية» تفاصيل الزيارة في 31 يناير 1963، حيث اكتشفت «ماري، ونجوى»، ومعهما الكاتب الصحفي، محمد دوارة، هول المأساة. الغريب أنه عندما ذهبت «ماري، ونجوى» للقاء «القصري»، ادعت إحدى صديقات مطلقته أن «القصري» غير متواجد في الشقة، فلم تسمح لهما السيدة بالدخول إلا بعد معاناة، وبعد أن أخفت مطلقة «القصري» نفسها، ظهرت وكانت قد أنجبت طفلا من زوجها الجديد، لتقابل «ماري»، مدعية أنها تعامل مطلقها أحسن معاملة، وبعد إلحاح وافقت السيدة أن تأتى بـ«القصري» للقاء زائريه، وعادت بعد ربع ساعة كاملة وهي تقود «القصري»، لتكشف «ماري، ونجوى»، ومعهما «دوارة» المأساة التي يعيش فيها «القصري»، وأنه قد فقد ذاكرته، كما لم يعد يرى إلا الضوء، وعند خروجهما أمسك بهما «القصري» حتى لا تتركاه وحيدا، وفقا لـ«الأهرام». في 24 يناير 1963، نشر محمد دوارة بصحيفة «الجمهورية» صورة مؤثرة لـ«القصري» وهو يمسك بأسياخ حديد شباك شقته الواقعة بالدور الأرضي، في حارة جانبية من حارات شارع النزهة المتفرع من شارع السكاكيني، بعد أن كان يعيش في فيلا بمصر الجديدة. قررت «منيب» إدخال زميلها المستشفى على حسابها، وأسرعت بالاتصال بمستشفى «الدمرداش»، حتى تحجز له سريرا هناك، وفقا لصحيفة «الوفد». وخلال فترة مرضه في مستشفى «الدمرداش»، لم يزره أحد من أصدقائه أو من الفنانين، سوى الفنان عبدالحليم حافظ، الذي لم يعمل مع «القصري» قط، ومحمد الكحلاوي، ومحمد رضا، ومحمود المليجي، بالإضافة إلى نجوى سالم، التي كانت لا تفارقه وتقسم معه لقمة عيشها، وفقا لـ«الأهرام». كان «القصري» يشكو جحود أقرب أصدقائه إسماعيل يس، ومحمود شكوكو، لأنهما لم يزوراه طوال فترة مرضه، حسبما قال الفنان محمد رضا، الذي زاره قبل رحيله مرتين، معترفا في أكثر من حديث تليفزيوني بفضل «القصري» عليه، وأن «القصري» كان يبكي بمرارة كلما تذكر جحود أصدقائه وعدم زيارتهم له في محنته، وكذلك جحود زوجته واستيلاؤها على ممتلكاته وثروته وطرده من فيلته، وفقا لـ«السياسة» الكويتية. لم تنته المأساة عند هذا الحد وتوالت النكبات، فبعد أن خرج من مستشفى «الدمرداش»، قررت البلدية إزالة منزله، أصيب «القصري» بالاكتئاب، بعدما هدمت الحكومة البيت الذي كان يسكن فيه، وتخلت عنه طليقته، وأرسلت إلى شقيقته لكي تأخذه يعيش معها، فأقام «القصري» بحجرة في «البدروم» تحت «بير السلم»، وأصيب بتصلب في الشرايين بسبب الفقر والبرد وعدم الاهتمام، أثر على مخه وأدى إلى إصابته بفقدان للذاكرة، وفقا لـ«الأهرام». بلغت درجة احتياجه أن شقيقته، التي كانت تقيم معه، قامت من أجل توفير الدواء والطعام لشقيقها، ببيع الشاي والسكر في قراطيس، وكان هذا النوع من الشراء والبيع معروفا في المناطق الشعبية في مصر وقتها، وفقا لـ«الأهرام». لم تقتصر الحالة على هذا الوضع فحسب، بل بلغت، كما يقول البعض، لدرجة إن الرجل كان يطل من شباك مسكنه الفقير على الشارع، وإذا استمع إلى الطفل أو شعر به في الشارع، فيسأله إن كان معه سندوتش ويتوسل إليه أن يأخذه منه، وفقا لـ«الأهرام». في الساعة الـ9 من صباح الأحد 8 مارس 1964، توفي «القصري» في مستشفى «المبرة»، وفي مصادر أخرى مستشفى «المنيرة»، وكان عمره 59 عاما، بعد أيام من دخوله إليها لم تجد شقيقته بجوارها في جنازته سوى نجوى سالم، وصديقين له هما «قدري» الذي يعمل منجدا، و«سعيد» عسكري الشرطة، وفى الطريق إلى مدافن «باب النصر» توقفت السيارة لتلتقط رجلين آخرين حلاق، وترزي، ليحمل الرجال الـ4 جثمان «القصري» ويشيعوه إلى مثواه الأخير.

مشاركة :